قصر نويشفاينشتاين يجسد غموض لودفيغ الثاني.. ملك بافاريا الأعزب

انغمس بالفن وحب المعمار مبتعدًا عن معترك السياسة

قاعة الاستقبال في قصر نويشفاينشتاين البافاري
قاعة الاستقبال في قصر نويشفاينشتاين البافاري
TT

قصر نويشفاينشتاين يجسد غموض لودفيغ الثاني.. ملك بافاريا الأعزب

قاعة الاستقبال في قصر نويشفاينشتاين البافاري
قاعة الاستقبال في قصر نويشفاينشتاين البافاري

حياته لم تكن عادية. ولد في أغسطس (آب) عام 1845 في قصر نوفمبر (تشرين الثاني) بالقرب من مدينة ميونيخ، وترعرع بعيدا عن والديه. فاستبدل هذا الحب بحب الأساطير والفنانين، مبتعدا عن السياسة. ومات يونيو (حزيران) عام 1886 ضمن ظروف غريبة في بحيرة شتارنبيرغر. ورغم التحريات التي تجرى حتى يومنا هذا، لم يكشف عن سبب وفاته.
إنه ملك بافاريا لودفيغ الثاني الذي لم يحكمها، بل انشغل بدعم الفنانين وتشييد القصور. لكن بافاريا تدين له بالكثير اليوم لأن قصوره تجلب لها سنويا الملايين من السياح والأموال الطائلة.
عندما كان لودفيغ رضيعا أعطي لمرضعة مجهولة توفيت بعد فترة وكاد يموت بعد إصابته بحمى، بعدها أعطي إلى سيبليه مايلهاوس التي تزوجت أحد النبلاء وكانت بمثابة أمه وظل برعايتها حتى بلغ السابعة. في هذه الأثناء، ولد أخوه أوتو الذي كان يعاني من مشاكل صحية ونفسية. ورغم التربية الصارمة التي مارسها عليه والده الملك مكسيمليان الثاني لكي يتسلم بعده الحكم لم يظهر لودفيغ أي اهتمام بعد أن اكتشف حبه للفن وثقافات الشعوب الأخرى. وذلك في وقت كانت بافاريا تعاني من الفقر وحرب شديدة بين بروسيا والنمسا، لكنه أراد أن يبقيها محايدة وهذا جعله محبوبا من عامة الشعب. ومع الوقت زاد حبه للفنون وعالم الأساطير وقصص الأساطير من القرون الوسطى وكأنه يريد الهروب من واقعه.
وفي المراحل الأولى من حياته شجعه جده لودفيغ الأول على حب الفنون المعمارية فأهداه عام 1852 قصر زيغستور في ميونيخ، فكان أول علاقة له مع القصور وبنائها، وبعد تنصيبه ملكا لبافاريا عام 1848 زاد اهتمامه ببناء القصور فقرر إشادة قصر نويشفانشتاين الذي يعتبر اليوم رمزا لبافاريا وللهندسة المعمارية الرائعة التي سادت القرن الـ19.
حياته كلها أسرار كما قصوره، إذ أنه الملك الوحيد في تاريخ ملوك ألمانيا الذي بقي عازبا، مع أنه أعلن في يناير (كانون الثاني) عام 1867 خطوبته على الأميرة البافارية صوفي، شقيقة إليزابيث التي أصبحت ملكة النمسا ويطلق عليها اسم «سي سي»، ويقال بأن علاقة حميمة جدا جمعت بينهما لذا حاول التملص من الزواج من أختها بتأجيله عدة مرات إلى أن قرر والدها فسخ الخطوبة.
في هذه الأثناء تعرف الملك على الموسيقار ريتشار فاغنر الذي دعمه ماليا، رغم الأزمة المالية التي أصابت بافاريا، فبنى له مسرحا ومول معظم أعماله الفنية منها مسرحية «أسطورة دبالونغ» عام 1864 التي كلفت لوحدها أكثر من 170 ألف غولدن (نحو 7 ملايين يورو)، لكن وبضغط من عائلته اضطر إلى طرد فاغنر من بافاريا.
هذا الأمر لم يمنع الملك لودفيغ من مواصلة بناء قصوره التي تعتبر شاهدا على العمارة الرومانسية في القرون الوسطى ويتجسد ذلك في قصر نويشفاينشتاين الذي أراده أن يكون مملكته الخاصة، بعيدا عن الناس وعلى قمة ارتفاعها 300 متر فوق بلدة هوهنشفانغوا. وفي الحقيقة من ينظر إلى هذا القصر يخاله أحد قصور ألف ليلة وليلة. فهو بني في مكان شاهق فريد من نوع يطل على مساحات شاسعة من الغابات الكثيفة. ولقد شارك نفسه في إعداد تصميماته الهندسية، فأدخل أنماطا معمارية مختلفة داخلية ما جعله اليوم مرجعا لمعماريين والمهندسين من كل أنحاء العالم، منها قاعة استوحى تصميمها من الهندسة المعمارية التركية وفي وسطها نافورة ودواوين شرقية. ولحبه للموسيقى وإرضاء صديقه فاغنر شيد «قاعة المغني». وفي إحدى البرك الداخلية وسط القصر يوجد تمثال لبطة ضخمة بيضاء لم يعرف حتى الآن ما هي علاقتها بالملك ما يزيد من غموضه لكنها كانت رمزا لأحد أمراء بافاريا.
ومن أجل تمييز هذا القصر عن غيره أدخل عليه تطورات تقنية لم تكن تعرفها ألمانيا في هذا الوقت مثل بناء مضخات ترفع المياه إلى الطوابق الأربعة ونظام تدفئة في الشتاء القارس عبر أنابيب مياه ساخنة تمر في كل الغرف ونظام لتوفير الماء الساخن ومصعد. وكان يهتم جدا بقاعة العرش التي فرشت بأثاث جلب من النمسا وإيطاليا وغيرهما كلها مزينة برمز طائر البجعة الذي اتخذه رمزا له، وزينت جدرانها بصور لنباتات ونجوم في السماء وكأنه يريد بناء جسر إلى العالم الآخر، إلا أن كرسي العرش غير متواجد ولا أحد يعرف مصيره حتى اليوم. وبالقرب من الصالون الفخم بنى لنفسه كهفا صغيرا فيه شلال اصطناعي صغير وأدخل عليه مؤثرات ضوئية وجعل له نافذة زجاجية واسعة ينظر من خلالها إلى جبال الألب الرائعة. كما جهز قاعة الطعام بجرس كهربائي لاستدعاء الخدم عند الحاجة، وطاولة طعام مصنوعة من خشب السنديان والرخام والبرونز المذهب، كما حيكت المفارش من الحرير الأحمر اللون.
والقصر من الخارج محاط بأبراج عالية واحد من هذا الأبراج كان قاعة العرش وبرج آخر غرفة النوم واستغرق بناؤها عامين، ويقال بأن أدولف هتلر كان يحلم دائما بقضاء ليلة في هذا السرير، كما تردد بأن النازية اخفت أموال الخزينة الألمانية في القصر لحمايتها من قصف دول الحلفاء الجوي خلال الحرب العالمية الثانية، ثم نقلت الأموال إلى مكان لم يعرف حتى الآن.
واستعان الملك بأطنان من المرمر الفاخر من أجل تغليف الجدران إضافة إلى أجود أنواع الأخشاب المرصعة التي رصعها بالأحجار الكريمة والمطلية بالذهب والفضة.
ولقد كتب الملك لودفيغ لصديقه الموسيقار فاغنر رسالة يقول فيها «أردت أن يكون الطراز الحقيقي لقلعة فارس، أنه أجمل مكان يمكن العثور عليه، مقدس ومنيع، إنه معبد لصديق مقدس».
ومع أن هذا القصر كانت المفضل لدى ملك بافاريا الشاب إلا أنه لم يقطن فيه سوى 172 يوما، ففي عام 1886 وجد جثة هامدة على ضفاف بحيرة شتارنبيرغر بالقرب من جثة طبيبه الخاص، وتردد بأن وزراء في حكومته حاكوا خطة لخلعه ولم يكن هناك سبيل سوى قتله بشكل لا يثير الشبهات.
واليوم يعتبر قصر نويشفانشتاين من أجل قصور ألمانيا ويستقبل سنويا أكثر من 1.5 مليون زائر من كل أنحاء العالم، ومنذ فترة وجيزة تعرض بعض شركات السياحة رحلة بطائرة شراعية لمشاهدة القصر من الجو والرحلة تستغرق ساعة. وعلى الرغم من عظمة المكان والقصر فإن حكومة بافاريا فشلت عام 2007 في وضعه على لائحة عجائب الدنيا السبع الجديدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».