موت بطولي

موت بطولي
TT

موت بطولي

موت بطولي

حين يهوي أثر أو صرح في حياتنا الثقافية، لأسباب متباينة، خاصة مالية، لا يمكن للمرء سوى أن يشعر بأن هناك شيئا مات.. مات في أعماقنا، في عقولنا، وفي وجداننا.
قبل سنوات، توقفت مجلة «الآداب» اللبنانية بعد ستين عاما من صدورها، وهي المجلة الثقافية القومية التي لعبت الدور الأخطر في حركة الحداثة الأدبية والشعرية منذ تأسيسها عام 1953، وعكست لنا ما يجري آنذاك في العالم من اتجاهات وحراك ثقافي وأدبي، كان المثقف العربي المعاصر بأشد الحاجة إليه لتحديد مكانته وصياغة رؤاه ومواقفه. وكانت «الآداب» مشروعا شخصيا أفنى صاحبه حياته من أجل إنجاحه، وأفلح في ذلك. ثم حين مضى، مضت معه المجلة، على الرغم من محاولات الورثة الحثيثة، حالها حال مجلة «الرسالة» العريقة التي أصدرها التنويري أحمد حسن الزيات عام 1933، وكان من كتابها أهم كتاب ومفكري تلك المرحلة، مرحلة التأسيس وبداية ما سميناه النهضة العربية، ومنهم عباس محمود العقاد، سيد قطب، أحمد أمين، محمد فريد أبو حديد، أحمد زكي، مصطفى عبد الرازق، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، محمود محمد شاكر، وآخرون. لكنها توقفت مع رحيل صاحبها.
ومع «الآداب» توقفت مجلة «الطريق»، اللبنانية أيضًا، التي اجتازت المراحل الأخطر في التاريخ العربي والانقلابات الدامية منذ الأربعينات. فقد تأسست هذه المجلة مع صعود التيار الماركسي، وتقلبت معه أيضًا في محنه، وأصابها ما أصاب هذا التيار من انقلابات فكرية، وأيضًا من انحسار ارتباطا بالمتغيرات العالمية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. لكن «الطريق»، التي أسسها أنطوان ثابت عام 1941، وكان يمولها الحزب الشيوعي اللبناني باعتبارها مجلته النظرية، لم تنغلق على أطروحات فكرية معينة، بل انفتحت حتى على الآراء النقيضة، وأسهمت في إثراء المنظومة الفكرية العربية بمقالات ودراسات كتاب ومفكرين مثل عمر فاخوري ورئيف خوري ثم حسين مروة ومهدي عامل، الذين بدأوا وكأنهم يسبحون ضد التيار المغلق في الحركة التي ينتمون إليها.
وتأتينا الآن الأخبار من الكويت أن مجلة «العربي» العريقة تدخل مرحلة الاحتضار، إذ بدأت بتقليص الأعداد المطبوعة منها إلى أقل من نصف العدد المعتاد، وألغت موقعها الإلكتروني، على الرغم من تواضعه. و«العربي» ليست مجرد مجلة، بل أصبحت منذ تأسيسها ملمحا أساسيا من ملامح الثقافة العربية المعاصرة، بمعناها الواسع، فهي لم تكن مجلة أدبية، موجهة للمختصين فقط، ولا مجلة اجتماعية أو علمية، بل جمعت بين الثقافة والعلم والاجتماع والتحقيق الصحافي والترفيه المفيد، فارتبط بها المثقفون، ونشر فيها الكتاب العرب البارزون آنذاك، مثلما حرص على اقتنائها القراء العاديون، فدخلت البيوت في ظاهرة لم تسجلها أي مجلة ثقافية من قبل حتى تجاوز توزيعها بعد صدور عددها الأول عام 1957 ربع مليون نسخة في مجتمعات تقول التقارير الدولية عنها إنها لا تقرأ سوى عشر دقائق في السنة، وهو رقم تحلم به أي مجلة حتى الآن.
نعم، إن المجلات كما يقال تموت كالبشر. وقبل ذلك هي تمرض، ثم تحاول أن تتعافى، وتجاهد من أجل البقاء كأي كائن حي، ثم يبدو أن شرايينها تتصلب، ولا ينفع معها أي علاج، بعد أن تكون قد أدت رسالتها بكل ما تستطيع، وأسهمت في تغييرنا، وصياغة مراحلنا الثقافية المتعاقبة إلى حد بعيد.
إنها أدوار بطولية، وموتها بطولي أيضًا في الزمن العربي الصعب الذي تتقلص فيه يوما بعد يوم أسباب الحياة.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).