أساليب جديدة في مصر لاستعادة السياحة

أهرام الجيزة تكتسي باللون الأخضر في احتفال آيرلندا بيومها الوطني

الأهرام وقد اكتست باللون الأخضر («الشرق الأوسط»)
الأهرام وقد اكتست باللون الأخضر («الشرق الأوسط»)
TT

أساليب جديدة في مصر لاستعادة السياحة

الأهرام وقد اكتست باللون الأخضر («الشرق الأوسط»)
الأهرام وقد اكتست باللون الأخضر («الشرق الأوسط»)

في واحدة من الخطوات التي تهدف إلى استعادة السياحة الأجنبية إلى مصر، اكتست الأهرامات الشهيرة وتمثال «أبو الهول» الليلة قبل الماضية بلون الليزر الأخضر، في المنطقة المعروفة باسم «المسرح المفتوح للصوت والضوء» الذي تروى فيه قصة تلك الآثار، ضمن احتفالات إحدى السفارات الأجنبية بعيدها القومي.
يأتي هذا بينما تستعد وزارة السياحة المصرية في هذا الإطار لإقناع منظمة السياحة العالمية، بوضع مسار الرحلة التاريخية المعروفة باسم «رحلة العائلة المقدسة» التي تمر عبر مصر، على خريطة المقاصد السياحية العالمية، إضافة إلى الكثير من الأساليب الأخرى، ومنها أيضا إقامة مهرجان لدولة الهند على ضفاف النيل، الشهر المقبل. وكلها إجراءات ترى مصر أنه يمكن من خلالها إقناع شركات السياحة العالمية بالعودة إلى الاهتمام بالمقاصد السياحية فيها، مع تراجع الاضطرابات السياسية التي أدت إلى تأثر القطاع السياحي المصري بالسلب في السنوات الثلاث الأخيرة.
وظهرت الأهرامات من بعيد في مشهد غير مسبوق تحت الأضواء الخضراء، بينما كانت سفارة آيرلندا تحتفل بعيدها القومي، عند سفح هذه الآثار التاريخية التي يرجع عمرها لآلاف السنين، في حضور سفيرتها في القاهرة، السيدة آيسولدي مولان، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «احتفالية العيد القومي الآيرلندي هي رمز للصداقة بين الشعوب، وتحديدا مصر، وآيرلندا التي تربطها علاقات وثيقة بمصر. ووجهت الشكر للجانب المصري متمثلا في وزيري السياحة والآثار لتفهمهم المناسبة وتعاونهم واستجابتهم السريعة بشتى الطرق الممكنة».
ونقلت آيرلندا الاحتفال عند منطقة الأهرامات عبر عدة قنوات تلفزيونية على الهواء مباشرة. وجرى تسليط الضوء بالليزر الأخضر على الأهرامات في مشهد نادر وبديع. وقال كورمك جالاهر، نائب رئيس البعثة الآيرلندية بمصر، لـ«الشرق الأوسط»: «لم أرَ في حياتي منظرا ساحرا كهذا الذي أراه الآن».
وتسعى مصر لاستعادة السياحة مرة أخرى بعد أن قررت الكثير من الدول الأوروبية حظر سفر رعاياها من السياح إلى مصر، في أعقاب موجة العنف التي ضربت البلاد عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
ويعتمد نحو ستة ملايين مصري على العمل في قطاع السياحة، سواء سياحة الآثار في القاهرة والصعيد جنوبا، وسياحة الشواطئ على البحر الأحمر والساحل الشمالي، وسياحة السفاري في الواحات الغربية. ووصل عدد الدول التي فرضت هذا الحظر إلى نحو 14 دولة.
ويقول مسؤولو السياحة المصرية إنه من بين طرق حل هذه المشكلة اتباع السياسة الناعمة مع تلك الدول حتى ترفع الحظر وتقنع رعاياها بأن الأوضاع في مصر أصبحت هادئة، ويشير أحد مسؤولي السياحة إلى أنه يجري التواصل مع سفارات عدد من البلدان الأجنبية في القاهرة للاطلاع على الواقع المصري الجديد ودرجة الأمان التي تحققت في الأشهر الأخيرة.
وجاء الاحتفال الليلة قبل الماضية ضمن مبادرة مصرية آيرلندية لتنشيط السياحة ودعم الصورة الأمنية للبلاد في الخارج. تخلل الاحتفال عروض بالليزر الأخضر ورواية بالصوت لتاريخ الأهرامات والحضارة المصرية القديمة في جو ثقافي حضاري يقول المسؤولون المصريون إنه يؤكد علي أهمية ومكانة بلادهم الحضارية والثقافية ووضعها في المكانة اللائقة بين سائر الأمم.
ومن جانبه قال الدكتور عمرو العزبي، مستشار وزير السياحة، لـ«الشرق الأوسط» إن «الرسالة من الاحتفال المقام للعام الثاني على التوالي هو أننا نشارك الجميع أفراحهم.. نحن دولة منفتحة على العالم، كما أن الوضع الأمني في مصر أصبح جيدا جدا ويسمح بالسياحة، وهي رسالة للعالم بأننا ما زلنا بلد الأمن والأمان».
وأضاف الدكتور العزبي قائلا إن «الاحتفال بالعيد القومي الآيرلندي يجري على سفح الهرم الأكبر باعتباره الرمز الأهم للحضارة المصرية القديمة، ويجري تسليط الضوء الأخضر الذي يرمز للقديس (سانت باتريك) الآيرلندي، في رسالة توضح مدى العمق التاريخي والثقافي بين البلدين»، مؤكدا أنه «من المتوقع أن يتكرر العيد كل عام وبنفس الطقوس ونفس المكان».
ويرى فوزي رمضان، مدير عام منطقة الهرم، أن الاحتفال الأخير يدفع عجلة السياحة إلى الأمام، مشيرا إلى الأمان الذي تشهده مصر في الفترة الأخيرة. وألقى رمضان كلمة في الاحتفال وقال إن الشعب المصري مسالم بطبعه، وإقامة احتفال السفارة الآيرلندية في منطقة الأهرامات رسالة قوية لدعم السياحة.
وخلال الشهر المقبل قررت وزارة السياحة المصرية بالشراكة مع السفارة الهندية في القاهرة ووزارة الثقافة، إقامة مهرجان لدولة الهند على ضفاف النيل، تنطلق من بداية الشهر المقبل وحتى يوم 20 وذلك من خلال عروض فنية وثقافية ضخمة في القاهرة والإسكندرية والغردقة والأقصر.
وقالت رشا العزايزي المتحدثة باسم وزارة السياحة المصرية إن الشراكة المصرية الهندية تتضمن قيام شركات السياحة ومنظمي الرحلات والفنادق بتقديم حوافز لجذب السائحين من كلا البلدين، فضلا عن تنظيم مهرجانات مصرية هندية مشتركة، مشيرة إلى أن السوق الهندية «سوق واعدة بالنسبة لمصر».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».