اقتتال دامٍ بين فريقين من «القاعدة» حول «الأحقية بالإمارة»

مقتل بلعيدي يكشف ارتباطه بثلاثة تنظيمات إرهابية وعلاقاته مع الميليشيات الحوثية

قوات الأمن في المحافظات الجنوبية على أهبة الاستعداد لمواجهة نشاطات المجموعات الإرهابية (أ.ف.ب)
قوات الأمن في المحافظات الجنوبية على أهبة الاستعداد لمواجهة نشاطات المجموعات الإرهابية (أ.ف.ب)
TT

اقتتال دامٍ بين فريقين من «القاعدة» حول «الأحقية بالإمارة»

قوات الأمن في المحافظات الجنوبية على أهبة الاستعداد لمواجهة نشاطات المجموعات الإرهابية (أ.ف.ب)
قوات الأمن في المحافظات الجنوبية على أهبة الاستعداد لمواجهة نشاطات المجموعات الإرهابية (أ.ف.ب)

نشبت خلافات بين جماعتين من تنظيم القاعدة وتطورت إلى اشتباكات مسلحة، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، إثر تنصيب توفيق بلعيدي «أميرا لـ(القاعدة)» في أبين خلفا لشقيقه جلال بلعيدي الذي لقي مصرعه مع مرافقيه فجر الخميس الماضي بصاروخ من طائرة أميركية دون طيار.
وكشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن انقسام حاد ظهر بين اتباع بلعيدي ومجموعة أبو أنس الصنعاني الذي نصب نفسه خلفا لبلعيدي، مما أدى إلى حدوث مواجهات مسلحة أسفرت عن مقتل نحو 10 مسلحين و14 مصابا من الطرفين، مشيرة إلى سقوط سبعة قتلى وخمسة جرحى من اتباع الصنعاني وثلاثة قتلى وتسعة مصابين من أنصار الأمير الجديد توفيق بلعيدي، بينهم قائد ميداني من منطقة الوضيع في أبين ويتبع الأخير.
وكان تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة قد نشر مسلحيه بعد مصرع قائده العسكري في اليمن جلال بلعيد. وقالت مصادر مطلعة محلية في مدينة جعار، لا ترغب في الإفصاح عن هويتها لأسباب أمنية، لـ«الشرق الأوسط»، إن التنظيم قام بنشر مقاتليه في مناطق واقعة في محافظتي شبوة وأبين، لافتة إلى أن غارات الطيران التابع لدول التحالف قصفت مخازن عسكرية تابعة لقوات الأمن الخاصة في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، التي أعلن تنظيم القاعدة سيطرته عليها رسميا وإعلانها إمارة إسلامية عقب مقتل بلعيدي بيومين فقط. وأشارت إلى استهداف غارات مماثلة لموقع آخر لـ«القاعدة» في ميناء شقرة جنوب شرقي مدينة زنجبار، بعد إعلان التنظيم السبت الماضي سيطرته رسميا على الميناء الاستراتيجي على البحر العربي.
ولفتت المصادر إلى أن التنظيم توعد برد انتقامي قاس على مقتل بلعيدي، وسط أنباء عن وصول جماعات مسلحة معززة بأطقم وسيارات نقل عسكرية إلى مدينة زنجبار التي سبق لعناصر التنظيم اجتياحها بقيادة بلعيدي، منذ نحو شهرين.
وكان جلال بلعيدي المرقشي المعروف بأبو حمزة الزنجباري لقي مصرعه مع اثنين من مرافقيه فجر الخميس في مسقط رأسه في خبر المراقش، بين مديريتي أحور وخنفر بمحافظة أبين، بينما كانوا في طريقهم إلى محافظة شبوة المجاورة، في ضربة موجعة لعناصر التنظيم الذي يفرض نفوذه على أربع مدن جنوبية على الأقل.
وجلال بلعيدي، أحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة في اليمن والذي تعتبره الولايات المتحدة المسؤول عن العمليات العسكرية، عين أميرا للتنظيم في أبين عقب سيطرته على مدينتي زنجبار وجعار في مايو (أيار) 2011، كما كان ينظر إليه على أنه الزعيم المشرف على عمليات مزدوجة بين «القاعدة» و«داعش» في توافق نادر بين التنظيمين. وأعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار نظير قتل القائد العسكري لـ«القاعدة» جلال بلعيدي.
وتبنى بلعيدي تنفيذ عمليات ضد أهداف ومصالح حكومية وعسكرية وبنوك ومصارف تجارية، لكن الظهور الأبرز له كان في تسجيل مصور يعلن فيه المسؤولية عن مقتل 15 جنديا يمنيا «ذبحا بالسكاكين» في منطقة الحوطة بمدينة شبام، بعد خطفهم من حافلة كانت تقلهم قرب المدينة التاريخية بمحافظة حضرموت، في أغسطس (آب) 2014، وهو الحادث الذي أعلن فيه بلعيدي مسارا محليا لجماعته على نهج تنظيم داعش.
ومطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قاد بلعيدي ومقاتلو جماعته الإرهابية هجوما مسلحا انتهى بسيطرتهم على مدينتي جعار وزنجبار بمحافظة أبين بعد نحو 3 سنوات ونصف من هزيمة التنظيم هناك أمام حملة عسكرية حكومية مدعومة من السعودية والولايات المتحدة.
وتصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة على نحو غير مسبوق في المحافظات الجنوبية والشرقية. وزادت ترسانة التنظيم العسكرية إثر سيطرته على ألوية المنطقة العسكرية الثانية بمحافظة حضرموت، بما في ذلك اللواءان الضاربان في الجيش «27 ميكا»، و«191 دفاع جوي» في مدينة المكلا.
وأعرب مراقبون سياسيون لـ«الشرق الأوسط» عن خشيتهم من أن تكون التنظيمات المتطرفة ستؤثر في مجريات المواجهات العسكرية بين الجيش الوطني والمقاومة والمدعومين من قوات التحالف وبين ميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع خاصة بعد التطورات العسكرية التي شهدتها جبهات القتال ولمصلحة القوات الشرعية.
وقال أحد هؤلاء، وهو يعمل في مركز دراسات في عدن، إن الضربات الجوية الأخيرة في محافظات أبين وشبوة تؤكد أن عناصر التنظيم دخلت المعركة، وهو ما يعد مؤشرا مقلقا من توسعة رقعة المواجهات.
واستغرب المتحدثون من إقدام الجماعات المتطرفة على تفجير المباني، منوهين بأن هذا السلوك غير معتاد من التنظيم، وإنما برز على أيدي ميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع، وهو ما عدوه تطورا لافتا يشي بعلاقة ما بين مسلحي تنظيم القاعدة وميليشيات الحوثي وصالح.
وأوضح سياسي في حضرموت ارتباط جلال بلعيدي بثلاثة تنظيمات هي «القاعدة» و«أنصار الشريعة» (التي قادها) إلى جانب تبنيه أعمالا إرهابية باسم «داعش» في حضرموت، وكشف عن أن مقتله أكد حقيقة عمله مع التنظيمات مجتمعة، وتجلى ذلك في بيانات النعي الصادرة عن «داعش» و«القاعدة» و«أنصار الشريعة».
وكانت منشورات وزعت في مدينة زنجبار من قبل ما سمي بجماعة «أنصار الشريعة» التابعة لتنظيم القاعدة، مطالبة السكان القاطنين بجوار مبان حكومية بمغادرة مساكنهم، مؤكدة أن تفجير المباني الحكومية تندرج في إطار الرد على اغتيال زعيمها جلال بلعيدي.
وقام مسلحو التنظيم بتفجير مبان أمنية في محافظة أبين، منها مبنى خفر السواحل في مدينة شقرة الساحلية ومبنى الاستخبارات والقوات الخاصة والسلطة المحلية في مركز المحافظة زنجبار.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.