هجمات جديدة للنظام السوري في شمال حلب تؤدي لتهجير 10 آلاف مدني نحو الحدود التركية

المعارضة تتوقع بلوغ عدد النازحين 300 ألف مع استمرار القصف الجوي على ريف إدلب

صورة تعود إلى يناير الماضي لرجل يساعد امرأة متضررة من غارة روسية على إدلب (رويترز)
صورة تعود إلى يناير الماضي لرجل يساعد امرأة متضررة من غارة روسية على إدلب (رويترز)
TT

هجمات جديدة للنظام السوري في شمال حلب تؤدي لتهجير 10 آلاف مدني نحو الحدود التركية

صورة تعود إلى يناير الماضي لرجل يساعد امرأة متضررة من غارة روسية على إدلب (رويترز)
صورة تعود إلى يناير الماضي لرجل يساعد امرأة متضررة من غارة روسية على إدلب (رويترز)

شنت قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها مدعومة بغطاء جوي روسي كثيف أمس السبت، هجوما جديدًا في ريف محافظة حلب الشمالي، ما دفع بعشرات الآلاف من السوريين إلى الفرار باتجاه الحدود التركية.
ويستكمل جيش النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون ومقاتلو حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية، تقدمهم باتجاه مدينة حلب التي توقّع عمال إغاثة سقوطها سريعا في أيدي النظام، الذي يعتبرها مكسبا استراتيجيا في الصراع لكونها أكبر مدن سوريا، وهو ما يهدد بمحاصرة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة ويعيش فيها أكثر من 350 ألف نسمة.
جدير بالذكر أنه لا يزال عشرات آلاف السوريين الذين فرّوا من حلب وريفها الشمالي منذ بدأ الهجوم على المنطقة يوم الأربعاء الماضي، عالقين على تخوم الحدود التركية من الجهة السورية، إذ لم تسمح لهم السلطات التركية بالعبور. وقال مسؤول في إدارة الكوارث والطوارئ التركية لوكالة «رويترز» أمس السبت: «إن نحو 15 ألف سوري ينتظرون اليوم السبت (أمس) على الجانب السوري من معبر أونجو بينار التركي وإن ما يصل إلى 50 ألفا آخرين في طريقهم إلى هناك». وتابع المسؤول التركي: «لا يوجد حاليا وضع طارئ يتعلق بالأمن في المكان الذي ينتظر فيه الحشد، فالأولوية القصوى لهم أن يكونوا في مكان آمن والجانب الآخر السوري من الحدود آمن»، مؤكدًا أن «توزيع المساعدات الغذائية جارٍ، وحتى هذه اللحظة لا يوجد خطر وشيك على أرواحهم».
غير أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أعلن أمس، أن تركيا «لا تزال تعتمد «سياسة الحدود المفتوحة» أمام اللاجئين السوريين، من دون تحديد موعد للسماح لآلاف السوريين العالقين على معبر حدودي مع تركيا بالدخول إلى بلاده. وأضاف: «لقد استقبلنا خمسة آلاف، وهناك نحو 50 أو 55 ألفا آخرين في طريقهم إلى الحدود. لا يمكن أن نتركهم وحدهم هناك لأن الغارات الروسية متواصلة، وقوات النظام مدعومة من قبل الميليشيات الشيعية الإيرانية تهاجم المدنيين أيضا». غير أن الوزير التركي تحفظ عن إعطاء أي تفاصيل حيال موعد قيام تركيا بفتح حدودها، متهمًا النظام السوري بـ«استهداف المدارس والمستشفيات والمدنيين».
من جهة أخرى، قال مصدر في المعارضة السورية «إن ما يقارب الـ70 ألف نازح من حلب وريفها، ما زالوا عالقين عند معبر باب السلامة». وتوقع أن «يصل العدد إلى 300 ألف نازح إذا ما استمر القصف على ريف إدلب»، لافتًا إلى أن «فرق الإغاثة قدمت نحو 20 ألف وحدة غذائية لهؤلاء النازحين».
المصدر الذي رفض ذكر اسمه أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعارضة والأكراد يهتمون بأوضاع النازحين»، لكنه لفت إلى أن ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية «لن تقبل بترتيب أوضاعهم وبقائهم بشكل دائم في عفرين، وهي تعتبر وجود النازحين في منطقة سيطرتها محطة مؤقتة إلى أن تسهّل السلطات التركية دخولهم إلى أراضيها، علما بأن أكثرية النازحين يرفضون الانتقال إلى تركيا ويفضلون البقاء في مناطق آمنة على الحدود إلى أن تسمح الظروف بعودتهم إلى مناطقهم وبيوتهم». وتابع المصدر: «باتت الحدود السورية - التركية مزدحمة بالمخيمات الممتدة من الشمال حتى الساحل».
في هذه الأثناء في منطقة أونجو بينار على الجانب التركي من الحدود، اصطف عشرات اللاجئين السوريين، ليناشدوا السلطات أن تسمح بدخول أقربائهم الهاربين من القصف. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في تقرير له «إن فصائل مقاتلة كردية وسورية في ريف حلب الشمالي اتفقت على فتح ممر إنساني من أعزاز إلى منطقة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد من أجل الهاربين من القصف ممن لا يستطيعون العبور لتركيا».
ونقل «المرصد» عن مصادر قيادية كردية في منطقة عفرين، التي تسيطر عليها ميليشيا «وحدات حماية الشعب» أن «الوحدات» الكردية «التقت بقيادات فصائل في ريف حلب الشمالي، واتفق الجانبان على تأمين ملاذ ومأوى للنازحين السوريين، العالقين على الحدود السورية – التركية، قرب معبر باب السلامة الحدودي». وأكدت أن الاتفاق «يقضي بفتح ممر إنساني من أعزاز إلى عفرين للأهالي النازحين من بلداتهم وقراهم بريف حلب، وتوفير العلاج الفوري للحالات الصحية والمرضية الطارئة والتي تحتاج لمعالجة مباشرة، بالإضافة لاستيعاب أكبر عدد منهم في منطقة عفرين، ونقل قسم آخر منهم إلى ريف إدلب، مرورًا بمنطقة عفرين».
ومن جانبه، نبه رامي عبد الرحمن مدير «المرصد» إلى أن «الأوضاع التي يواجهها النازحون كارثية.. إذ تنام عائلات بالكامل منذ أيام عدة في البرد في الحقول أو الخيم، وليس هناك أي منظمة دولية لمساعدتهم، بل يساعدون بعضهم البعض».
بالفعل نشر ناشطون سوريون أشرطة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر النازحين في الحقول المحيطة بمدينة أعزاز التي تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود التركية. وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بافل كشيشيك لوكالة الصحافة الفرنسية بأن اللجنة «تخطط لرد إنساني في شمال حلب مع الهلال الأحمر السوري إلا أن هناك صعوبة للوصول إلى هناك».
أما «مكتب أخبار سوريا» المعارض، فأعلن أن «منظمة الإغاثة الإنسانية التركية «IHH» باشرت أمس بناء مئات الخيم للنازحين من قرى وبلدات ريف حلب، داخل معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، وتجهيزها بالفرش ووسائل التدفئة من أجل إيواء النازحين». ونقل المكتب عن الناشط الإعلامي المعارض أحمد الدك، أنَّ أعداد النازحين داخل معبر باب السلامة «ازدادت بشكل كبير مع وصول نازحي بلدة منغّ الخاضعة لسيطرة المعارضة بريف حلب، جراء القصف المكثف عليها من قبل الطيران الروسي والمدفعية النظامية المتمركزة في بلدتي نبّل والزهراء الخاضعتين لسيطرة القوات النظامية»، وأشار إلى أن «أعداد النازحين عند المعبر قد تجاوزت الـ40 ألف نسمة غالبيتهم من قرى ومدن ريف حلب الشمالي».
وتقول الأمم المتحدة بأن «ما يصل إلى عشرة آلاف شخص نزحوا إلى أعزاز من مناطق تتعرّض للهجوم في ريف حلب الشمالي وأن عشرة آلاف نزحوا إلى عفرين حيث توجد خطط لتوسيع مخيم قائم بالفعل لاستيعاب النازحين». لكن مسؤولا في الأمم المتحدة، أفاد بأن «القتال يجعل الوصول إلى المناطق التي تحتاج للمساعدة أمرا صعبا للغاية».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.