«عميد الخياطين السعوديين» يخيط الثوب مغمض العينين.. وإبرته شاهدة على نجاحه

لم يتخل عن أدواته القديمة وخبرة 6 عقود توجته باللقب

«عميد الخياطين السعوديين» يخيط الثوب مغمض العينين.. وإبرته شاهدة على نجاحه
TT

«عميد الخياطين السعوديين» يخيط الثوب مغمض العينين.. وإبرته شاهدة على نجاحه

«عميد الخياطين السعوديين» يخيط الثوب مغمض العينين.. وإبرته شاهدة على نجاحه

«عندما تستطيع أن تحيك ثوبًا وأنت مغمض وتسمع صوت شك الإبرة في ثنايا القماش عندها تستطيع أن تصف نفسك بأنك خياط محترف»، بهذه الكلمات ابتدأ العم علي دغري حديثه وهو يقلب في عقله أهم المواقف التي حدثت له عبر علاقة امتدت لأكثر من 6 عقود أفناها الشيخ الهرم يتنقل بين غزل الأقمشة وترقيص الإبرة.
وبنظرة عز وشموخ قال «عميد الخياطين» كما يحلو له أن يناديه الناس، إنه احترف هذه المهنة وأصبح يعطي دروسا لأبناء منطقته في نجران، وإن عددا كبيرا من الخياطين هناك تتلمذوا على يديه، وإنه يتحدى بحياكته أعتى خياطي العالم، إذ إن الخبرة مكنته من أن يخيط ثوبا كاملا وهو مغمض العينين لأنه وبحد قوله يعرف أين تسير الإبرة عندما تكون في رحم القماش، مؤكدا أن الجنادرية منذ أن بدأت وهو لم يفوت على نفسه الفرصة في الالتحاق بها، مبديًا سعادته البالغة عندما يشارك فيها لأنها تعيد لهم مكانتهم وتعيد ذاكرتهم إلى الوراء إلى منتصف القرن الماضي عندما كانوا الحل الوحيد عند الرغبة في شراء الثياب والبرد، قبل أن تتدخل المكائن في تفصيل الثياب وهي ما أفقدت المهنة رونقها وأخفتت بريقها بحسب حديثه.
ونقل دغري الحديث إلى خانة التاريخ، حيث أكد أنه ورث هذه المهنة من عائلته أبا عن جد وليست وليدة الصدفة أو الفراغ، لافتًا أنها وصلت له ولن تنقطع عنده وسيورثها لأبنائه، إذ يساعده في المحل منذ فترة ليست بالقصيرة عدد من أبنائه وبعض أحفاده الذين يعملون معه في محله العتيق الواقع في أحد الأحياء الشعبية في منطقة شرورة إحدى محافظات نجران والقابع في المكان نفسه منذ 60 عاما. ورغم إحداث أكثر من 4 تغييرات على المكان، فإن العم علي لم يغير أدواته البسيطة وإبرته العتيقة التي أكد بأنها شاهدة على معظم نجاحاته ويرى أنها تتقاسم معه الخبرة والشهرة التي يعيشها في منطقة «شرورة» بنجران.
وحول الأوضاع الحالية لمهنة الخياطة الشعبية ومدى تأثرها بالثورة الصناعية الحالية، أكد أنه لا يزال يحقق مكاسب جيدة رغم دخول الاستيراد كمنافس قوي من ناحية تعدد الخيارات والأسعار، إلا أنه تحداها في الجودة وهو الجوكر الذي يلعب به والورقة الصعبة التي يلوح بها وسر تميزه وحفاظه على زبائنه، مشيرًا إلى أنه يركز دائمًا في مبيعاته على الأزياء التراثية التاريخية التي تلبس في الأعياد، إضافة إلى حياكة البرد الشتوية التي لا تزال تشهد طلبًا كبيرًا ويشغل فيها معظم وقت الخياطة خصوصًا قبل دخول الموسم بأشهر.
وعن حجم الطلبات التي ترد إليه بشكل شهري، أوضح «عميد الخياطين» أنها كبيرة بالنسبة إلى قدراته البسيطة، إذ إن العمل اليدوي الكامل يحتاج إلى وقت طويل قد يصل تفصيل الثوب إليه لما يقارب الخمسة أيام، وهو ما يجعل استقبال الطلبات محدود تمامًا نظرًا إلى رفضه دخول أي ماكينة مساعدة في المحل أو حتى تعليم العمالة الوافدة لمساعدته، لافتًا أن للعمر دورا كبيرا في تقليص ساعات العمل وهو ما جعله يقل في استقبال الطلبات، إلا أن ما يدر عليه المحل بشكل عام يسد حاجته ويوفر له الحياة الكريمة.
ويعرف العم علي أنواع الملابس التي يخيطها، والتي تعد من الملابس التقليدية والشعبية في منطقه نجران، مثل المكمم والمذيل والمعضد والمزند التي أصبح بعضها ثوبا تاريخيا لا يلبس إلا في المناسبات والأفراح، مبينا أن أسعار ملابسه تراوح بين 150 ريالا وتصل إلى 900 ريال تختلف باختلاف نوع وجودة القماش، وكمية الزري والزركشة الموجودة عليه، كاشفا عن أمنيته أن تدرب وزارة العمل عددا من الشباب ليقوموا بوراثة هذه المهنة العتيقة منهم التي لا تحتاج إلى جهد كبير ومكاسبها كبيرة ومضمونة، كما أنها أفضل بكثير من الوظائف المكتبية، مبديًا تخوفه من انقراض هذه الحرفة في يوم من الأيام نتيجة الإهمال وسطوة العمالة الأجنبية عليها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».