النمسا ترقص «الفالس» و«البولكا» في موسم الحفلات

أكثر من 400 حفل تشهدها المدينة قبل موعد صيامهم

تحولت دار الأوبرا لقاعة رقص فخمة زينت بـ100 ألف وردة (إ.ب.أ)
تحولت دار الأوبرا لقاعة رقص فخمة زينت بـ100 ألف وردة (إ.ب.أ)
TT

النمسا ترقص «الفالس» و«البولكا» في موسم الحفلات

تحولت دار الأوبرا لقاعة رقص فخمة زينت بـ100 ألف وردة (إ.ب.أ)
تحولت دار الأوبرا لقاعة رقص فخمة زينت بـ100 ألف وردة (إ.ب.أ)

7230 حضروا، أول من أمس، الحفل السنوي الراقص بدار الأوبرا بالعاصمة النمساوية فيينا، فيما تابعه ملايين عبر الأثير مستمتعين بالدورة الـ60 من «حفل الحفلات» كما يطلق عليها النمساويون.
افتتح الحفل، الذي تفتخر به النمسا كأرقى فنونها، الرئيس النمساوي هاينز فيشر بمعية ضيفه الرئيس الفنلندي فيما تحولت دار الأوبرا لقاعة رقص فخمة زينت بـ100 ألف وردة زرعت وفقا لمتطلبات «الزراعة العادلة» التي تحافظ على البيئة وعلى حقوق العاملين.
بدأ الجزء الرسمي من الحفل برقصة بولكا قدمها 156 شابا وشابة تم اختيارهم قبل عام كامل، كما شمل الحفل أداء رائعا لرقص باليه ومقاطع أوبرالية، ومن ثم نودي على الحضور بالنداء النمساوي الأشهر «فلنرقص الفالس».
يعتبر حفل الأوبرا هذا الأكثر عالمية بين أكثر من 400 حفل تشهدها المدينة هذه الأيام قبل يوم أربعاء الرماد؛ موعد الصيام المسيحي الكاثوليكي.
ترجع تقاليد هذه الحفلات لقرون مضت وحسب مراجع تاريخية، فإن المزارعين هم أول من انتظموا في حفلات راقصة خاصة في مواسم الحصاد الناجح، فيما تقول مراجع أخرى إن المدينة عرفت هذا النوع من الحفلات الفخمة الجماعية الراقصة إبان مؤتمر فيينا 1814 - 1815، بينما تجزم مصادر ثالثة بأن هذا النوع من الحفلات لم يقام رسميا في قصور الإمبراطور إلا ما بعد عام 1877 عندما منح الإمبراطور فرانس جوزيف الإذن بإقامة حفل راقص في قصر الهوفبورغ وكان قد رفض ذلك مرارا.
من جانبها، تعتبر منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون (اليونيسكو) هذه الحفلات النمساوية الراقصة إرثا ثقافيا يتميز بعاداته ومراسمه و«إتيكيته» ليس من حيث المظهر واللبس وطريقة الرقص ونوعيات الأطعمة والمشروبات وحسب، بل وحتى التزاما بالتاريخ والموعد والمقرر لكل حفل.
بدوره، يتميز حفل دار الأوبرا باكتسابه صفة الحفل الرسمي الذي يحضره الرئيس النمساوي وحرمه والوزراء وكبار الضيوف ممن يزورون النمسا. ورغم أن تذاكر الدخول متاحة للجميع فإن من يتمكنون من شرائها هم طبقة معينة دون شك سواء في ذلك أهل البلد أو الأجانب من مختلف أنحاء العالم.
وبينما يشتهر حفل الأوبرا بالحضور الرسمي ويزخر بوجهاء المجتمع الدولي وأفراد أسر حاكمة وسياسيين ورجال أعمال وفنانين عالميين تقيم مختلف القطاعات حفلاتها بما في ذلك رجال الشرطة وعمال النظافة والقضاة وصناع الحلويات وهؤلاء تمتاز موائدهم بتقديم أروع أنواع المخبوزات والتورتات والشوكولاتات التي يزينونها حسب آخر أنواع الزينة وبما يتماشى والأحداث العالمية.
بدورها، تتفنن نقابة باعة الزهور في تزيين حفلهم بأجمل وأفخم أنواع الورود فيما يحتفل الموسيقيون بحفل يسمونه على اسم فرقة فيينا فيلهرمونيكا للموسيقى الكلاسيكية، والذي يقام بأجمل القاعات الموسيقية على الإطلاق «الميوسيك فراين».
ليس ذلك فحسب، بل تنتهز أقاليم موسم الحفلات أو «الفاشنق» بإقامة حفلات بالعاصمة في دعاية سياحية وجذب لرؤوس الأعمال والاستثمار والدعاية لإمكاناتها وثروات الإقليم.
من جانب آخر، وبينما ارتبط حفل الأوبرا بالرأسماليين والمشاهير ارتبط كذلك بمظاهرة تصاحبه ينظمها مناهضون للرأسمالية ممن ينددون بالعولمة وباحتكار الثروات.
في سياق مختلف تماما، أمست فيينا سنويا تعاني من مظاهرة أخرى تصاحب حفلا يقيمه اليمينيون بحضور زعماء سياسيين لأكثر الأحزاب الأوروبية تطرفا وعنصرية، ويسمونه الحفل الأكاديمي.
تصاحب هذا الحفل، لا سيما في السنين الأخيرة، حيث زاد المتطرفون قوة مظاهرة تنظمها قوى ليبرالية ترفض اليمين المتطرف وفوبيا الخوف من الأجانب والعنصرية.
ويواجه الليبراليون مظاهرة يمينية تؤيد الحفل مما يؤزم الوضع ويدفع الشرطة للقيام باحتياطات أمنية غير منظورة في العاصمة النمساوية التي قلما تشهد مظاهرات عنيفة مما يحول قلب المدينة القديم قبالة قصر الهوفبورغ، حيث يقام الحفل إلى ثكنة عسكرية، على الأقل في تلك الأمسية.
هذا، وفيما تفتتح كل هذه الحفلات برقصة تقليدية غالبا فالس أو بولكا يؤديها عدد من الشباب والشابات المدربين تدريبا عاليا قبل فترة كافية من بدء الموسم، إلا أن هذا العام شهد حفلا من نوع جديد مزج التقاليد بالمعاصرة أطلقوا عليه اسم «حفل الهيب هوب».
ويعتبر الهيب هوب نوعا من الرقص الحديث وتجمع المراجع أنه أول ما عرف بين شباب أميركي من أصول أفريقية أو «السود» ممن نجحوا في اختراع حركات وموسيقى قصدوا بها التعبير عن رفضهم لعنصرية وظلم البيض ولما وجدته من شهرة نجحوا مع مرور السنين ومنذ السبعينات في فرضها كنوع حديث من الفنون.
هذا، وبينما حافظ حفل الهيب هوب على معظم تقاليد هذه الحفلات بالتزين بملابس السهرة الطويلة للسيدات وبدل الإسموكن السوداء للرجال، إلا أنه لم يخل من شطحات، بل وابتكارات مرحة وعصرية من ذلك مثلا تفضيل الحضور للأحذية الرياضية «السنيكرز» ذات الألوان المبهرجة والأربطة بدلا عن الأحذية السوداء التقليدية كما حرص كثيرون على اختيار قبعات «كابات» كتلك التي تحمل أسماء أفلام وأحرفا تشير لمدن.
ولم تقتصر مجهوداتهم في إكساب حفلهم مذاقا خاصا بتنسيق تلك الأحذية والقبعات مع ملابس السهرة فحسب، بل وكما هي العادة بدأوا الحفل بمقطع لرقصة فالس ملتزم بكل الخطوات التقليدية الصارمة، ثم فجأة انفرطت ثنائيات الراقصين وتسارعت الخطوات منفردة فيما اشتدت حدة أنغام الموسيقى، مستعينين بـ«دي جي» ومعدات إلكترونية تلاعب بدمج أقراص الموسيقى الحديثة الصاخبة خالطا بين أنغام وأصوات متعددة بأخرى في مزيج موسيقي يختلف تماما عن تلك المؤلفات الموسيقية التقليدية التي ألفها أباطرة الموسيقى النمساوية الكلاسيكية من أمثال موتزارت واشتراوس، وأنغام الأوبراليات، كما أبدع التينور بلاسيدو دومينغو الذي كان نجما ساطعا في حفل الأوبرا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».