عرسال إلى الواجهة الأمنية بعد تقدم «داعش» في جرود القلمون الغربي

مصدر أمني قال لـ {الشرق الأوسط} إن الوضع «غير مريح»

عناصر من جبهة النصرة يحملون أسلحتهم في وادي عرسال في صورة تعود إلى ديسمبر الماضي (رويترز)
عناصر من جبهة النصرة يحملون أسلحتهم في وادي عرسال في صورة تعود إلى ديسمبر الماضي (رويترز)
TT

عرسال إلى الواجهة الأمنية بعد تقدم «داعش» في جرود القلمون الغربي

عناصر من جبهة النصرة يحملون أسلحتهم في وادي عرسال في صورة تعود إلى ديسمبر الماضي (رويترز)
عناصر من جبهة النصرة يحملون أسلحتهم في وادي عرسال في صورة تعود إلى ديسمبر الماضي (رويترز)

عادت بلدة عرسال الواقعة شرق لبنان على الحدود مع سوريا مجددا إلى واجهة الاهتمام المحلي بعد تعاظم المخاوف من عمل عسكري يقوم به تنظيم داعش تجاهها بعيد التقدم الذي حققه الأسبوع الماضي على حساب «جبهة النصرة» في جرود القلمون الغربي، ما يهدد باستعادة البلدة اللبنانية، حيث الأكثرية السنية، التجربة التي عاشتها في أغسطس (آب) 2014 بعد هجوم التنظيمين المتطرفين على البلدة واحتجازهما 25 من الجنود اللبنانيين، لا يزال 9 منهم في يد «داعش».
وشهدت عرسال، التي تُعتبر التجمع الأكبر للاجئين السوريين كونها تستضيف نحو 90 ألفا منهم، أول من أمس الأربعاء، عملية «نوعية وخاطفة» نفذها الجيش الذي كان «يرصد مجموعة إرهابية تنتمي إلى تنظيم داعش كانت تخطط لمهاجمة مراكزه وخطف مواطنين في المنطقة». وأفاد بيان المؤسسة العسكرية عن «مهاجمة قوّة من الجيش مقر المجموعة المذكورة في محلة وادي الأرانب – عرسال، حيث تمكّنت من القضاء على 6 إرهابيين مسلحين»، وأوضح أن «قوّة أخرى من الجيش داهمت مستشفى ميدانيا يستخدمه التنظيم المذكور في المنطقة نفسها، وأوقفت 16 إرهابيًا، بينهم الإرهابي الخطير أحمد نون».
من جهته، تحدث الناشط السوري المعارض ثائر القلموني عن «حملة دهم واعتقالات شنها الجيش اللبناني طالت عدة مناطق في وادي أرنب وساحة الجمارك، أدت إلى مقتل شخصين وإصابة آخرين بجروح أثناء اشتباك مع القوة المداهمة». وقال القلموني إن الجيش «اعتقل 27 شخصا بينهم امرأتان بتهمة الإرهاب».
وازدادت هواجس أهالي عرسال الأمنية بعد المعارك الشرسة التي شهدتها المنطقة الحدودية اللبنانية – السورية بين «النصرة» و«داعش» الأسبوع الماضي، وانتهت إلى تقليص نفوذ الجبهة.
وتتابع الأجهزة الأمنية اللبنانية وبكثير من التحسب والحذر تطورات الأوضاع في المنطقة الحدودية، ويسير الجيش طائرات استطلاع فوق مراكز التنظيمين المتطرفين بمسعى لرصد التغيرات التي طرأت على الميدان بعد المعارك، إلا أن إحدى هذه الطائرات، التي تعمل من دون طيار، سقطت وبحسب بيان لقيادة الجيش في جرود بلدة عرسال مطلع الأسبوع بسبب عطل فني، وهو ما حاول «داعش» استثماره لمصلحته، مدعيا أن مقاتليه هم من أسقطوها. ونشرت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم صورةً ادّعت أنها لطائرة الجيش اللبناني، لافتة إلى أن مقاتلي «داعش» أسقطوها في القلمون الغربي.
ولم تستغرب مصادر أمنية لبنانية سعي التنظيم للإيحاء بأنّه حقق مكسبا ما بالادعاء بأنّه أسقط الطائرة، «علما بأننا نؤكد سقوطها بسبب عطل أصابها نتيجة الظروف المناخية». وطمأنت المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن الطائرة التي ظهرت في الصورة التي نشرها التنظيم وأحد مقاتليه يتفحصها «لا تُخزن صورا أو معلومات، إنما ترسل كل ما تلتقطه مباشرة إلى مركز العمليات، وبالتالي ليس هناك ما نخشى اطلاع عناصر التنظيم عليه». ووصفت المصادر الوضع في المنطقة الحدودية وبالتحديد داخل بلدة عرسال بـ«غير المريح»، قائلة: «كما أكدنا مرارا وتكرار فالبلدة محتلة وخارجة عن السيطرة، إلا أن هناك من يرفض التعامل مع هذا الواقع ويفضل التغاضي عنه».
ويتجنب الجيش اللبناني الوجود الدائم داخل عرسال لتفادي أي عمليات جديدة تطاله، وهو يركّز حواجزه حولها، وقد أقام ما يشبه حزاما أمنيا يلفها لمنع حركة المسلحين منها وإليها. وبعكس ما يتم الترويج له فإن الجيش لا يستعد لأي عملية عسكرية داخل عرسال، كما تؤكد المصادر الأمنية، متسائلة عن جدوى عملية مماثلة في بلدة تحوي 120 ألف مدني من أهالي البلدة وضيوفها (نحو 30 ألفا، واللاجئون السوريون الذين يبلغ عددهم نحو 90 ألفا).
وترد المصادر بذلك على ما كان وزير الداخلية نهاد المشنوق نقله في وقت سابق عن مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، لجهة إعرابه عن قلقه من عملية عسكرية على عرسال، مؤكدا أنّه لا يوافق عليها.
أما داخل البلدة التي شكلت في بعض الأوقات القاعدة الخلفية لمقاتلي المعارضة السورية، فالوضع لا يزال طبيعيا، على الرغم من المعلومات التي ترددت عن نزوح عدد من سكانها على خلفيات المعارك التي شهدتها المنطقة الحدودية بين «داعش» و«النصرة». وقد نفت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هناك من ترك عرسال في الأيام الماضية خوفا من هجوم يحضر له «داعش»، إلا أنها في الوقت عينه أقرت بوجود مخاوف لديها كما لدى عدد لا يستهان به من أهل البلدة من أن يكون هناك ما يُحضر أمنيا لها، «نتيجة إعادة تسليط الأضواء عليها بهذه الطريقة ومن دون مقدمات».
وكشفت عملية التبادل التي حصلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بين الحكومة اللبنانية وجبهة النصرة وأدّت إلى تحرير 16 من العسكريين المختطفين، احتلال المسلحين لقسم كبير من الأراضي اللبنانية الحدودية، حيث يقيمون مراكز عسكرية وأمنية خاصة بهم. وأقر وزير الداخلية اللبنانية حينها بكون «بلدة عرسال هي منطقة محتلة»، داعيا «بدل التذمر والاعتراض على صور المسلحين التي ظهرت على الشاشات» إلى «تحصين سياستنا بعدم الانخراط في الحريق السوري».
يُذكر أن تنظيم داعش لا يزال يختطف 9 عسكريين لبنانيين منذ محاولته احتلال عرسال في أغسطس 2014، ولا تتوفر حتى الساعة أي معلومات عن مصيرهم أو عن مكان احتجازهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».