مقتل زعيم «أنصار الشريعة» جلال بلعيد ومرافقيه في غارة أميركية

قيادات سياسية لـ {الشرق الأوسط}: الاغتيالات والإرهاب في عدن امتداد لحرب ميليشيات الحوثي وصالح

مقتل زعيم «أنصار الشريعة» جلال بلعيد ومرافقيه في غارة أميركية
TT

مقتل زعيم «أنصار الشريعة» جلال بلعيد ومرافقيه في غارة أميركية

مقتل زعيم «أنصار الشريعة» جلال بلعيد ومرافقيه في غارة أميركية

من المرجح أن يكون زعيم جماعة أنصار الشريعة، جلال بلعيد، قد قتل فجر أمس في غارة لطائرات «درونز» (من دون طيار) إلى جانب اثنين من مرافقيه، وهما سالم حيدرة باجراد ومحسن النوبي، في محافظة أبين جنوب شرقي اليمن، حسب مصادر محلية، حيث كان الثلاثة يستقلون سيارة في منطقة موجان الفاصلة بين مديريتي احور وشقرة الساحلية بالمحافظة.
وأعلن تنظيم القاعدة سيطرته رسميا على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين شرق عدن، ورفع أعلامه فوق المباني الحكومية، وذلك عقب ساعات فقط من مقتل زعيم التنظيم بأبين جلال بلعيد.
وأضافت المصادر أن عناصر تابعة لتنظيم القاعدة انتشرت أمس وسط مدينة زنجبار، ونصبت نقاط تفتيش، ورفعت الأعلام السوداء على مبان حكومية، لافتة إلى أن عناصر متطرفة شرعت بإطلاق أعيرة نارية في الهواء ومن مختلف الأسلحة أثناء مراسيم تشييع من وصفته بأميرها جلال بلعيد، الذي تمت مواراته الثرى أمس الخميس في مقبرة «باجديد» الكائنة بمدينة زنجبار. وكشفت عن أن عناصر «أنصار الشريعة» المنسلخة من تنظيم القاعدة سيطرت أيضا على مدينة جعار شمال زنجبار، موضحة أن هذه العناصر لم تأت من حضرموت أو شبوة، وإنما هي موجودة في المدينتين وتحتفظ بسلاحها، مشيرة إلى قيامها في أوقات مختلفة بالسيطرة على المؤسسات الحكومية والطرقات.
وفي محافظة شبوة المتاخمة لمحافظة أبين، قال شهود عيان في منطقة المجازة بمديرية الروضة، لـ«الشرق الأوسط»، إنهم سمعوا صوت طائرة من دون طيران تحوم في سماء المنطقة مساء أول من أمس الأربعاء، تلاه صوت قصف قوي هز أرجاء المنطقة. وأشار هؤلاء إلى رؤيتهم لألسنة اللهب وهي متصاعدة من المكان، ورجحوا أن تكون سيارة تابعة لتنظيم القاعدة تم استهدافها من طيران من دون طيار، لافتين إلى أن الضربة الجوية استهدفت السيارة أثناء مرورها في قرية المجازة بمفرق الروضة شرق مدينة عتق، وقُتل ثلاثة من المسلحين.
وتأتي هذه الضربة الجوية بعد أيام قليلة من سيطرة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على مدينة عزان بمحافظة شبوة، دون مقاومة. وكانت عناصر تنسب نفسها لتنظيم القاعدة سيطرت قبل ثلاثة أيام على منطقة عزان ثاني كبرى مدن محافظة شبوة إلى جانب السوق التجارية للمديريات الشرقية، الروضة وميفعة ورضوم.
والولايات المتحدة هي الوحيدة التي تملك طائرات من دون طيار في شبه الجزيرة العربية. ولم تتوقف الهجمات من هذا النوع في اليمن على الرغم من الحرب بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية.
واستغل تنظيم القاعدة الحالة السائدة في اليمن منذ تصعيد النزاع اليمني في مارس (آذار) الماضي، ليستولي في الشهر التالي على المكلا كبرى مدن محافظة حضرموت.
لكن تنظيم القاعدة المنتشر منذ سنوات في جنوب اليمن بات ينافسه تنظيم داعش، الذي قام خلال الأشهر الأخيرة بسلسلة اعتداءات دامية خاصة في عدن العاصمة «المؤقتة» للحكومة المعترف بها من المجتمع الدولي.
وتشن المقاتلات الأميركية (الدرونز) ضربات بين وقت وآخر على المقاتلين المنتمين للتنظيم المحظور عالميا، وكانت أبرز ضربة تلقاها التنظيم حين استهدفت طائرة ناصر الوحيشي قائد التنظيم في جزيرة العرب بحضرموت.
وجلال بلعيد برز اسمه ولأول مرة عقب سيطرة عناصر ما يسمى بـ«أنصار الشريعة» على محافظة أبين عام 2012، ومرة أخرى حين استهدفت جماعته الفارة إلى محافظة حضرموت حافلة ركاب وذبحوا جنودا كانوا على متنها، إلى جانب مهاجمتهم لمؤسسات وشركات مصرفية ومالية قبل عامين ونهب ما بداخلها من ودائع.
وكان محافظ شبوة العميد عبد الله النسي حذر في وقت سابق من وقوع المحافظة تحت سيطرة عناصر «القاعدة». وقال النسي، الذي يوجد في عدن منذ أسابيع، إن «شبوة الآن بين فكي كماشة: القاعدة والحوثيين، حيث لا تزال ثلاث مديريات في الجهة الشمالية لها في قبضة الحوثيين، بينما تسيطر عناصر القاعدة على محافظة حضرموت الواقعة على الحدود الجنوبية لشبوة».
وأضاف أن إهمال محافظة شبوة من قبل الحكومة أدى إلى تململ المواطنين، مما ساعد في استقطاب البعض منهم من قبل تلك الأطراف لجر المحافظة إلى مربع العنف.
وتعد عزان ثاني أكبر بلدة تجارية بمحافظة شبوة، وهي مركز لأربع مديريات، ميفعة والروضة ورضوم وحبان. كما تقع بقرب منشأة بالحاف النفطية وساحل البحر العربي. وبسيطرة هذه العناصر على عزان تكون سيطرت على مساحة إضافية إلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقا، والتي سيطرت عليها مطلع أبريل (نيسان) المنصرم.
ومن جانب آخر، قال السلطان فضل بن محمد عيدروس العفيفي، والسلطان الذهب بن عمر هرهرة، وهما من سلاطين وأمراء حقبة ما قبل استقلال الدولة في الجنوب في نوفمبر (تشرين الثاني) 1967، إن ما يجري في عدن من أعمال اغتيالات وزعزعة السكينة العامة، وترويع المواطنين بالمفخخات والاغتيالات، يأتي امتدادا ونتاجا لـ«الحرب القذرة» التي أعلنتها ميليشيات المخلوع صالح والحوثي. ولفتا إلى أن الشعب في الجنوب بات على يقين ومدركا لمن يخطط وينفذ هذه الأعمال الإرهابية التي لن يفلت مرتكبوها من غضب الخالق أولا والشعب ثانيا أيا كانت مراكزهم ونفوذهم.
وأضافا في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن «الجنوب لم ولن يكون لقمة سائغة كما يتوهم الحاقدون والسفاحون أو يراهنون بالركون إلى مشروع إرهابي يخالف طموحات الشعب وأمانيه في حياة حرة وكريمة تليق بتضحياته وأهدافه». كما أدانا «التدخلات الإيرانية في اليمن ودعم حرب الميليشيات الخاسرة ضد الشرعية المنتخبة».
وفي بيان صادر عن مكتبي السلطان فضل العفيفي والسلطان الذهب هرهرة، أدانا الأعمال الإرهابية وحملة الاغتيالات التي باتت مدينة عدن مسرحا لها «في حين يعرف العالم أن عدن كانت وما زالت ملاذا ومأمنا يحتضن جميع الجنسيات والأعراق».
وأكد البيان على أن الجنوب لن يحكمه ذوو المشاريع غير القابلة للحياة أو المشاريع الصفوية الخارجية، مثمنا موقف دول التحالف العربي وفي طليعتها السعودية والإمارات العربية المتحدة. وأشار إلى ضرورة تنفيذ قرار دمج المقاومة بمؤسستي الجيش والأمن، محذرا من مغبة ترك شباب المقاومة الحقيقية دون احتواء أو ضم في إطار نظامي مؤسسي.
وعلى صعيد التطورات الميدانية، نفذ طيران التحالف غاراته على مواقع الميليشيات التابعة لميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع في «الأحرم» و«المعزبة» و«تباب المقحزلة» في دمت بالضالع جنوب البلاد، محدثا قتلى وجرحى بين المسلحين، علاوة على تدمير آليات عسكرية في هذه المواقع. وكانت جبهة مريس دمت شهدت مواجهات عنيفة أول من أمس، الأربعاء، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.