الشمس تُعانق معبد «دندرة» بجنوب مصر احتفاء بـ«حورس»

احتفالية موسعة به لاستعادة الزخم السياحي للبلاد

الشمس تُعانق معبد «دندرة» بجنوب مصر احتفاء بـ«حورس»
TT

الشمس تُعانق معبد «دندرة» بجنوب مصر احتفاء بـ«حورس»

الشمس تُعانق معبد «دندرة» بجنوب مصر احتفاء بـ«حورس»

في إطار الجهود المبذولة لاستعادة الزخم السياحي للبلاد، احتفلت محافظة قنا بصعيد مصر أمس، بالحدث الأثري والفلكي الخاص بتعامد الشمس على مقصورة الولادة الإلهية «ماميزي» بمعبد «دندرة» الفرعوني، في إطار الظاهرة الفلكية التي يتوالى اكتشافها داخل المعابد المصرية القديمة، في احتفالية سياحية وفنية كبرى شارك فيها عدد من علماء الآثار والفلك والمصريات وعدد من السياح والمصريين، وسط حضور وسائل الإعلام، ومسؤولي السياحة والثقافة والآثار والمرشدين السياحيين في المحافظة.
وعلى إيقاع الطبول والرقص البلدي لفرق الفنون الشعبية، استعاد معبد «دندرة» الفرعوني الشهير ملامح من صورته قبل آلاف السنين، مع الاحتفال بتعامد الشمس على مقصورة الولادة الإلهية به لمدة 10 دقائق، حيث بدأت التعامد فوق ثلاث لوحات للشمس المجنحة، منحوتة على باب المقصورة، وأضاءتها الشمس بأشعتها الذهبية.. كما تعامدت الشمس على مجموعة رسوم ونقوش تمثل ثعبان «الكوبرا» مزينة بنقوش ورسوم كرانيش النخيل الفرعونية الشهيرة، التي تمثل تجلي معبود الشمس.
ويقع معبد «دندرة» على مسافة 60 كلم على الضفة الغربية لنهر النيل، مقابل مدينة قنا.. وكان المصريون القدماء يسمونها لونيت أو تانتيري، وهي تعتبر عاصمة الولاية السادسة في العصر القبلي.. أما اليونانيون فكانوا يسمونها تنتيريس.
وأكد عبد الحميد الصغير، مدير معبد دندرة، أن عددا من الأثريين والباحثين رصدوا الظاهرة سياحيا أمس، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن التعامد يعد أحد أهم الأحداث التي تسعى المحافظة لاستغلالها في تنشيط السياحة، وزيادة المناسبات على الأجندة السياحية المصرية، والتعريف بالحضارة المصرية القديمة.
وتقول مصادر أثرية في قنا، إن «تعامد الشمس على (دندرة) يعد الحدث الثالث من حيث الأهمية، بعد تعامدها على قدس أقداس معبد الكرنك بالأقصر أو ما يسمى بـ(القمر الأزرق)، وعلى معبد الملك رمسيس الثاني في معبده بمدينة أبو سمبل جنوب أسوان، وهو الحدث الفلكي الأشهر الذي عرفته مصر القديمة، ولا يزال محافظا على طقوسه كل عام».
ولفتت المصادر إلى أن «تلك الظاهرة الفريدة تؤكد أن القدماء المصريين كانوا على دراية تامة بحركة الأرض حول الشمس أو الحركة الظاهرية للشمس حول الأرض»، مؤكدة أن «الشمس تتعامد على معبد دندرة مرتين الأولى يوم 4 فبراير (شباط)، والثانية يوم 8 نوفمبر (تشرين الثاني) ويمثلان عيد «حورس»، وهو إله الشمس عند قدماء المصريين.
وعن ظاهرة تعامد الشمس على معبد «دندرة»، أكد الباحث الأثري الدكتور أحمد عوض، الذي شهد التعامد أمس، أن الشمس سقطت أشعتها أمس بشكل عمودي على باب وهمي منحوت نحتا بارزا داخل مقصورة الولادة الإلهية، ومنها ينفذ شعاع الشمس إلى العالم الآخر، حيث يعتقد المصري القديم أن الولادة الإلهية للملك تحدث هناك بواسطة الإله المنوط به إحداث عملية الولادة الإلهية للملوك والملكات.
وعادة ما يمُثل «حورس» في صورته الأصلية «الصقر»، والتي كانت أكثر الهيئات التي عُبد بها في مختلف أرجاء مصر، كما صور في تمساح برأس صقر في صورته «حور إم آخت»، وكابن للربة «إيزة» مُثل عادة في صورة رجل بالغ أو في صورة طفل.. وعادة ما يصور أيضا في هيئة آدمية برأس صقر، ويضع التاج المزدوج كناية عن الملكية بوصفه حاكما لمصر كلها.
وتابع عوض بقوله: «حيث تصل إليهم أشعة الشمس محملة بقوى الحياة حتى تلقى بصبغتها المقدسة على حدث الولادة، وذلك بحسب المفاهيم الدينية في مصر القديمة»، مضيفا: أن «المصريين القدماء حرصوا على إحياء مناسبات دينية وتاريخية ترتبط بمن شيدوا تلك المعابد من ملوك ونبلاء مصر القديمة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».