المعطيات السياسية والميدانية تجعل من المفاوضات أكثر تعقيدًا

المعارضة غير متفائلة بنتائجها.. وتتخوّف من اتفاق أميركي - روسي ينسف مقررات جنيف1

مقاتلون من الجبهة الشامية أمام مبنى مدمر في حلب (رويترز)
مقاتلون من الجبهة الشامية أمام مبنى مدمر في حلب (رويترز)
TT

المعطيات السياسية والميدانية تجعل من المفاوضات أكثر تعقيدًا

مقاتلون من الجبهة الشامية أمام مبنى مدمر في حلب (رويترز)
مقاتلون من الجبهة الشامية أمام مبنى مدمر في حلب (رويترز)

تذهب المعارضة السورية إلى محدثات جنيف3 «متسلّحة» بضمانات حصلت عليها لحسن سير مطالبها المتعلقة بالقضايا الإنسانية من جهة، وبضرورة بحث الانتقال السياسي من جهة أخرى. وهي تفعل رغم ثقتها شبه المطلقة بأن نتائج هذه المفاوضات لن تكون أفضل من سابقاتها، لا سيما، في ظل المعطيات وتغيرات المواقف الإقليمية والدولية التي سبقت انطلاقتها.
هذا الواقع يرى فيه أيضا المحللون أنه يحد من أفق نجاح هذه المفاوضات، إضافة إلى تعقيدات النزاع المستمر منذ خمس سنوات في ظل تصاعد نفوذ تنظيم داعش، وتواصل الخلاف حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد. ويتوقعون أن تتسم هذه الجولة بموقف أكثر تشددا من قبل نظام بشار الأسد على ضوء الاختراقات الميدانية التي حققتها أخيرا بدعم من موسكو التي تنفذ حملة جوية مساندة لقوات النظام منذ أربعة أشهر.
فؤاد عليكو، أحد أعضاء «الهيئة العليا للمفاوضات»، أعرب لـ«الشرق الأوسط» عن قلة تفاؤله في توصل المفاوضات إلى نتائج إيجابية، موضحا «حتى الآن لا يزال جوهر المفاوضات الأساسي ليس واضحًا. هل نحن أمام انتقال سياسي بهيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات؟ أم نحن أمام إصلاح سياسي بحكومة موسعة وببقاء الأسد على رأس السلطة؟» وأضاف «هذا الأمر لم يحسم حتى الآن، وبالتالي جاء قرارنا بالذهاب إلى جنيف للبحث مع ممثلي الأمم المتحدة القضايا الإنسانية بناء على ضمانات من وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن البحث في المرحلة الثانية سيكون مرتكزًا على هيئة الحكم الانتقالية. أما إذا رفض النظام هذا الأمر، فأعتقد أن مصير جنيف3 لن يكون مختلفا عن مصير جنيف2، وسيكون لنا عندها موقف مختلف».
ومن جهة ثانية، قال مصدر قيادي في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن «ما نتج عن اللقاء الأخير الذي جمع كيري بمنسّق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، كان واضحا لجهة تسليم أميركا سوريا لروسيا، ونحن ذاهبون إلى المفاوضات انطلاقا من مسؤوليتنا أمام الشعب السوري، لكننا نعلم أن الاتفاق بين موسكو وأميركا قد تم بتشكيل حكومة موسّعة، ومن ثم إشراك الأسد في الانتخابات وبقاؤه في الحكم، لكننا سنكمل في مقاومتنا وسنبذل جهدنا لعدم الوصول إلى هذه المرحلة».
عليكو لفت إلى أن المعارضة لن تقبل بالمماطلة في تنفيذ ما يعرف بـ«إجراءات حسن النية» المتعلقة بقرار مجلس الأمن رقم 2254، ولا سيما البندين 12 و13، إذ إن فك الحصار وإيصال المساعدات الغذائية ووقف القصف على المدنيين يجب أن يتم خلال أيام قليلة، وذلك بناء على وعود تلقيناها من الأمم المتحدة ومن دول صديقة. وكانت «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن اجتماع أطياف واسعة من المعارضة السورية السياسية والعسكرية في العاصمة السعودية الرياض، خلال الشهر الماضي، أعلنت الجمعة وبعد أربعة أيام من التردد قرارها بالتوجه إلى جنيف «للمشاركة في محادثات مع الأمم المتحدة وليس للتفاوض»، في مؤشر جديد على التحديات التي تواجه مفاوضات جنيف.
ويوافق كريم بيطار، الباحث اللبناني في معهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، المتشائمين رأيهم بقوله في حوار مع وكالة الصحافة الفرنسية أنه «تتوفر كل الأسباب التي تدعو للتشاؤم، وليس هناك أي سيناريو واقعي يتيح التوصل إلى اختراق» في جنيف. ويرى بيطار أنه «لم يكن هناك تباعد بهذا الشكل من قبل بين عملية جنيف وما يحصل على الأرض». وحقًا، ضاعفت القوى الدولية خلال الأشهر الأخيرة جهودها الدبلوماسية لإطلاق عملية سلام بهدف وضع حد للنزاع السوري، تحت ضغط عوامل عدة أبرزها تصاعد قوة تنظيم داعش، وتوسيع نطاق عملياته ليستهدف دولا غربية، بالإضافة إلى الأعباء المترتبة على تدفق اللاجئين إلى أوروبا. وهذا، بينما تدعي الدول الكبرى أنها تعلّق آمالها على قرار الأمم المتحدة الصادر في 18 ديسمبر (كانون الأول) والذي نص على «خريطة طريق» تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وعلى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا، من دون الإشارة مطلقًا إلى مصير الرئيس السوري.
ويرى محللون أن الأجواء السياسية المحيطة بمحادثات جنيف الجديدة معقدة أكثر من آخر جلسة مفاوضات عقدت عام 2014، والمعروفة بجنيف 2، خاصة، أن قوات النظام تمكنت في الأسابيع الأخيرة من التقدم ميدانيًا على جبهات عدة في البلاد، بفضل الدعم الجوي الروسي المباشر. وهنا تقول الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط المقيمة في فرنسا إنياس لوفالوا لـ«أ.ف.ب» إن الإطار العام حاليا «أصبح أقل ملاءمة للمعارضة مقارنة مع النظام الذي استعاد السيطرة على مواقع» عدة في البلاد. وتضيف أن «المعارضة مستاءة جدا لتقلص قدرتها على المناورة (...) والأسد يشعر بالقوة أكثر فأكثر، وبالتالي لن يبدي مرونة» في جنيف. ويذهب يزيد صايغ، الباحث في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، أبعد قائلاً: «سيشعر النظام السوري وروسيا أنهما يسحقان المعارضة ببطء، وبأن الاتجاه العام في المستقبل لن يكون معاكسا لهما».
في المقابل، تخلت القوى الغربية عن إصرارها السابق على وجوب تنحي الأسد عن السلطة خشية من حدوث فراغ في السلطة قد يستفيد منه تنظيم داعش، ويدفع مزيدا من اللاجئين إلى أوروبا. وعند هذه النقطة يوضح بيطار أن هذه الخشية تعني أن «الأنظمة القومية الاستبدادية عادت إلى الواجهة». ومعلوم أنه لطالما أصرت المعارضة وعلى رأسها الائتلاف السوري على مطلب رحيل الأسد قبل بدء أي مرحلة انتقالية، لكن داعميها من الدول الغربية بدأوا بالتراجع عن هذا الموقف، باعتبار أنه قد يشكل حجر عثرة أمام محادثات جنيف. ولم يتطرق قرار مجلس الأمن الدولي إلى مصير الرئيس السوري. وبحسب صايغ فإنه «من الواضح أن رحيل الأسد ما عاد يمكن وضعه (كشرط مسبق) للتفاوض». ويضيف «يكمن السؤال الحقيقي في ما إذا استبدلت القوى المعنية رحيل الأسد بتشكيل مجلس انتقالي يعتمد على آلية تضمن عدم قدرة الأسد على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة».
جدير بالذكر، أن المباحثات الموعودة في جنيف كانت قد اصطدمت قبل انطلاقها بخلاف حاد حول تمثيل المعارضة السورية، ما دفع الأمم المتحدة إلى تأجيل انطلاقها لأربعة أيام. ومع إعلان «الهيئة العليا للمفاوضات» موافقتها يوم أول من أمس الجمعة على المشاركة في «محادثات» وليس «التفاوض» في جنيف، تبدو أفق نجاح هذه المفاوضات أكثر تعقيدا.
«الهيئة العليا» أعلنت أنها قررت «المشاركة في عملية سياسية لاختبار جدية الطرف الآخر من خلال المباحثات مع فريق الأمم المتحدة لتنفيذ الالتزامات الدولية والمطالب الإنسانية كمقدمة للعملية التفاوضية». وكانت قد ترددت في حسم قرارها بسبب مطالبتها الأمم المتحدة بتطبيق القرار الدولي (2015) الذي نص على رفع الحصار وإيصال مساعدات إنسانية وحماية المدنيين من القصف، وذلك قبل الدخول في أي عملية تفاوضية.
وفي هذا السياق يقول صايغ إنه «من دون تفاهم روسي أميركي تبقى أي محادثات رسمية من دون أي معنى». وفي ما يبدو محاولة للتوصل إلى تفاهم مماثل، يمكن إدراج الحراك الدبلوماسي الأخير لوزير الخارجية الأميركية جون كيري قبل انطلاق المحادثات ومحاولته تقليص الفجوة القائمة بين داعمي النظام السوري ومعارضيه.
الباحث اللبناني في معهد الدراسات الاستراتيجية إميل حكيم يلخص المشهد بأسره بقوله إن «ما نشهده اليوم من متغيرات على الأرض لا يشكل عاملا مساعدا للمفاوضات مقارنة مع جنيف2.. وعلى الرغم من الطاقة المحيطة بالمفاوضات والنيات الإيجابية، فإن الشروط غير متوفرة» للنجاح.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.