رحيل الفنانة فيروز.. «شيرلي تيمبل المصرية»

كونت أشهر ثنائي مع أنور وجدي في السابعة من عمرها

فيروز في لقطة حديثة - مع مكتشفها الفنان أنور وجدي
فيروز في لقطة حديثة - مع مكتشفها الفنان أنور وجدي
TT

رحيل الفنانة فيروز.. «شيرلي تيمبل المصرية»

فيروز في لقطة حديثة - مع مكتشفها الفنان أنور وجدي
فيروز في لقطة حديثة - مع مكتشفها الفنان أنور وجدي

غيب الموت أمس الفنانة الاستعراضية فيروز عن عمر يناهز (73 عاما) بعد صراع طويل مع المرض، حيث تدهورت حالتها الصحية ودخلت غرفة العناية الفائقة بسبب مشاكل في الكلى والكبد.
لُقبت فيروز بشيرلي تيمبل الشرق، أو شيرلي تيمبل المصرية.. واسمها الحقيقي بيروز أرتين كالفيان وهي من مواليد العام 1943، تنتمي لأسرة أرمنية ولها عدد من الإخوة والأخوات منهم الفنانة الاستعراضية نيلي أشهر من قدم فوازير رمضان.
اكتشف موهبة الراحلة فيروز الفنان اللبناني إلياس مؤدب الذي كان صديقا لأبيها وكان يقضي معه أمسيات فنية بمنزله، حيث يعزف الكمان وكانت والدتها تغني على أنغام الكمان، وكانت فيروز تشارك والديها تلك الأمسيات، وكانت ترقص على الموسيقى التي يعزفها مؤدب، ولفتت الصغيرة انتباه مؤدب الذي لاحظ موهبتها وحاول تطويرها فقام بتأليف وتلحين مونولوج لتغنيه وحدها.
وقرر مؤدب إدخال فيروز مسابقة مواهب في ملهى «الأوبيرج» الليلي الشهير، حينها كان الملك فاروق حاضرا للحفل، فأعجب بأداء الصغيرة ومنحها وقتها أول مكافأة في حياتها.
وفيروز أشهر طفلة مصرية وعربية في السينما؛ بل هي نجمة أطفال السينما المصرية، التي لم تمح من ذاكرة أجيال من محبي السينما رغم مرور عقود كثيرة على تقديمهما.. وتميزت فيروز على الرغم من صغر سنها بقدرتها الفائقة على الاستعراض والغناء والتمثيل.
عرفها الجمهور المصري والعربي بإطلالتها الشقية وغنائها الرائع وهي في سن السابعة من عمرها، خطفت الكاميرا من كبار النجوم في زمنها وفي مقدمتهم مديحه يسري وماجدة، وكانت براءتها وخفة ظلها، هما جواز سفرها لتحقيق نجاح باهر وهي في سن صغيرة، وأصبح الجمهور يبحث عن أعمالها، فباتت الطفلة ملء السمع والبصر، بعد أن كونت أشهر ثنائي فني عرفته السينما المصرية مع الفنان أنور وجدي، الذي حرف اسمها إلى فيروز ليسهل على الجمهور حفظه وتذكره.
في عام 1950 اختارها الراحل أنور وجدي لتشاركه بطولة عدد من الأفلام بدأها بفيلم «ياسمين» ووقع مع والدها عقد احتكار، وكانت قيمة العقد ألف جنيه عن كل فيلم، وكان من المقرر أن تشاركها الفنانة فاتن حمامة بطولة الفيلم؛ لكنها رفضت (أي حمامة) المشاركة في فيلم تدور أحداثه حول طفلة، وأسند الدور للفنانة مديحه يسري.
«إنتا بابا وإنتا ماما وإنتا كل حاجة في حياتي».. كانت من أبرز عباراتها التي قدمتها في فيلم «دهب»، الذي يحكي قصة موسيقي فقير متجول جسده الفنان أنور وجدي، كان يسير في الشوارع بلا عمل، ووجد طفلة صغيرة على أبواب أحد الملاجئ وعمرها لا يتعدى يومين، فاصطحبها معه لغرفته الصغيرة على أسطح أحد العقارات الشعبية، وكبرت وكونا ثنائيا غنائيا شهيرا.. وبعد أن اشتهرت كنجمة استعراضية طمع والدها الباشا الذي ألقاها من قبل، وجسد دوره الفنان سراج منير ورغب في استعادتها له؛ لكنها وقفت أمام المحكمة وقالت هذه العبارة.
ولقُبت فيروز بمعجزة السينما المصرية، وكان أول أفلامها إنتاجا مشتركا بين أنور وجدي والموسيقار محمد عبد الوهاب، إلا أن عبد الوهاب اعتبر إنتاج فيلم لطفلة لا تجيد سوى غناء المونولوجات مغامرة قد تكبده خسائر مادية، بينما أصر وجدي على إنتاج الفيلم لينجح نجاحا منقطع النظير.
انفصلت فيروز عن وجدي ورفض والدها تجديد عقد الاحتكار بعد أربعة أفلام كان آخرها «دهب» عام 1953.. وهو الانفصال الذي رآه كثيرون أضر بفيروز كما أضر بأنور وجدي، الذي عرف كيف يوظف موهبتها.
قام والدها بإنتاج أفلامها على نفقته الخاصة، فأنتج لها فيلم «الحرمان» ثم فيلم «عصافير الجنة» وشارك فيه بناته الثلاث فيروز وميرفت ونيلي. وتعرفت فيروز أثناء عملها مع فرقة إسماعيل ياسين، على زوجها الفنان الراحل بدر الدين جمجوم، الذي تزوجها بعد فترة قصيرة من اعتزالها وأنجبا أيمن وإيمان، وظلا زوجين لأكثر من ثلاثين عامًا حتى وفاته عام 1992. حيث عاشت حياتها بعيدا عن الأضواء والنجومية، وكانت تقضي معظم وقتها بين النادي الرياضي وزيارة أبنائها وأحفادها.
وتنبأ كثيرون للطفلة المعجزة بأن تصبح إحدى نجمات السينما، وأن تستمر عندما تكبر؛ لكن وبلا مقدمات اتخذت فيروز قرارا بالابتعاد عن التمثيل، لتنهي بذلك رحلة فنية أثمرت عن عشرة أفلام خلال عشر سنوات، من بينها فيلم حمل اسمها «فيروز هانم»، لتنضم إلى جانب إسماعيل ياسين وليلى مراد، الوحيدين من الفنانين الذين قدمت السينما أعمالا حملت أسماءهم.
من أشهر أعمالها فيلم «ياسمين» عام 1950. و«فيروز هانم» عام 1951. و«دهب» عام 1953. و«عصافير الجنة»، و«إسماعيل يس طرزان» عام 1957 من إخراج نيازي مصطفى، و«أيامي السعيدة» من إخراج أحمد ضياء الدين، و«إسماعيل يس للبيع».
وآخر أفلامها «بفكر في اللي ناسيني» عام 1959 من إخراج حسام الدين مصطفى، الذي قدمته عند بلوغها السادسة عشرة من عمرها.
وهجرت الراحلة فيروز أضواء السينما عند بلوغها العشرين، ويرجح كثيرون اعتزال فيروز للفن وعالم الأضواء إلى عدم تقبلها فكرة تقديم أفلام لا تكون هي البطلة فيها، خاصة بعدما قدمت أفلامها الأخيرة ولم تحقق نفس النجاح، لتفضل الاحتفاظ بصورتها كطفلة معجزة.. وفي عام 2001 كُرمت فيروز في مهرجان القاهرة السينمائي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».