قيمة فواتير الطعام في «سعادة السماء» ببيروت.. كلمة «شكرًا»

مطعم بفروعه الثلاثة يقدّم وجبات للاجئين السوريين بالمجان

يقدّم المطعم 250 وجبة يوميًا للاجئين السوريين وللمسنين أيضًا حصّتهم
يقدّم المطعم 250 وجبة يوميًا للاجئين السوريين وللمسنين أيضًا حصّتهم
TT

قيمة فواتير الطعام في «سعادة السماء» ببيروت.. كلمة «شكرًا»

يقدّم المطعم 250 وجبة يوميًا للاجئين السوريين وللمسنين أيضًا حصّتهم
يقدّم المطعم 250 وجبة يوميًا للاجئين السوريين وللمسنين أيضًا حصّتهم

ليس من البديهي في بيروت اليوم أن تدخل مطعمًا وتتناول فيه وجبة طعام ساخنة، وتكون كلمة «شكرًا» هي فاتورة الحساب الوحيدة التي عليك أن تسددها. فمطعم «سعادة السماء» أخذ على عاتقه وضع حدّ لجوع الفقراء على طريقته، بحيث يقدّم يوميًا 250 وجبة طعام مجانية لزواره وبينهم الأطفال والمسنون.
من جانبه، يقول صاحب هذه المبادرة الأب مجدي علّاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هو حلم بدأ معي منذ كنت صغيرًا في السن، عندما كنت أشاهد روّاد المطاعم يتناولون الطعام برفاهية، فيما وضعي المالي كوني أعدّ من شريحة الفقراء لم يكن يسمح لي بذلك». ويضيف: «كبر الحلم معي وبعدما صرت عاملاً في أحد المطاعم، رحت أجمع الأطباق التي هي من حقّي الطبيعي، كونها تؤلّف وجبات الفطور والغداء الخاصتين بي، وصرت أوزّعها على الفقراء والمحتاجين. وكنت يومها أدرس اللاهوت وأعمل في الوقت نفسه لأعول نفسي. ولم أكن أوفّر فرصة لتأمين الثياب لهؤلاء ليدخلوا المطعم كأي زبون عادي، بعدما أؤمّن لهم سبل تقديم الوجبة المجانية إثر طلب ذلك من أصحاب المطعم».
هدف الأب علّاوي كان حضن أولاد الطرقات والفقراء، وتقديم الفرصة لهم كي يدخلوا المطعم ويختاروا من لائحة الطعام ما يشتهونه باحترام ودون ذلّ.. «الفقر ليس عيبا، وفقير العقل هو الأخطر، وبرأيي الشخصي فإن الفقير هو قدّيس من نوع آخر ويلزم علينا تقديره»، يوضح الأب مجدي علاوي الذي نذر نفسه من أجل إعانة الفقراء.
«سعادة السماء» هي كناية عن مؤسسة إنسانية تؤمّن للفقراء حاجاتهم بأساليب مختلفة. ونبدأ بالمطاعم الثلاثة التي تستقبلهم يوميًا في مساحاتها الصغيرة. يقع اثنان منها في منطقة برج حمود الشعبية، وثالث في منطقة البوشرية. وهذا الأخير خصّص للفقراء المسنين، الذين لا يجدون من يحضّر لهم وجبة ساخنة تقيتهم وتغنيهم عن ممارسة مهنة الشحاذة على الطرقات لتأمين لقمة العيش. أما المطعمان الآخران فقد خصّص واحد منهما لتقديم الوجبات الساخنة في أي وقت قصده الزبون، فيما الثاني وهو بمثابة «سناك» بحيث انفرد في تقديم الدجاج المشوي، لأي شخص يشتهي تناول هذه الوجبة، والتي عادة ما يجتمع حولها أفراد العائلة الواحدة في أيام عطلات نهاية الأسبوع والمناسبات والأعياد.
«الجوع لا يفرّق بين شخص وآخر»، يقول الأب مجدي علّاوي.. «ولذلك خصّصت للاجئين السوريين مساحة في تلك المطاعم ليتناولوا فيها لقمة طيبة دون مقابل وليشعروا بأنهم ضيوف مرحبّ بهم في لبنان». ولم ينسَ الأب علاوي باقي اللاجئين في لبنان كالعراقيين مثلاً. ويقول في هذا الصدد: «الجوع لا يميّز بين دين وآخر ومسنّ وطفل ولاجئ ومقيم، فهو آفة تصيب الجميع وأحلم بمحاربتها في جميع المناطق اللبنانية، لأستطيع تأمين الطعام للاجئين وللبنانيين إن في البقاع والجنوب أو في صيدا وطرابلس وزحلة وعكار».
منذ نحو السنة كانت هذه المطاعم بالكاد تستطيع تأمين المائة وجبة، أما اليوم وبالتعاون مع أصحاب الأيادي الخيّرة فقد ناهزت الـ250 وجبة يوميًا.
«طبعًا لو لم يكن هناك أيادٍ بيضاء لما كنّا استطعنا أن نستمر في عملنا التطوعي هذا ونكبّره. فهناك مطاعم تهتم بتزويدنا يوميًا بأطباق المعجنات على أنواعها كمطعم (مهنا) مثلاً، الذي أخذ على عاتقه أيضًا تأمين وجبات الحلوى. وكذلك فندق (بادوفا) الذي يقدّم لنا كل ثلاثاء وجبات ساخنة مؤلفة من الأرز واللحوم على أنواعها. كما لدينا سيدات متطوعات إضافة إلى شباب جامعيين، يوجدون يوميًا في المطاعم لخدمة الزبائن. وعندما يشعرون بأن الطلب أكثر من العرض فهم لا يتوانون عن اللجوء إلى مطاعم قريبة، لشراء ما يحتاجونه من مصروفهم الشخصي، وذلك يدخل ضمن روح رسالتهم الإنسانية التي نذروا أنفسهم لأجلها».
ولم تنسَ مؤسسة «سعادة السماء» أيضًا أن تؤمن لهؤلاء اللاجئين الوسائل اللازمة من أجل حياة كريمة. فقد تمّ تأسيس «بنك سعادة السماء» الذي يعطي المحتاج نقودًا صورية خاصة به، فيحملها ليقصد تعاونية «سعادة السماء» التي هي بمثابة سوق يفتح أبوابه كل أربعاء، فيقومون بالتبضّع وشراء حاجاتهم مجانًا أيضًا مقابل النقود الخاصة في المؤسسة.هناك خصّص وقت ما بين التاسعة والواحدة صباحا للبنانيين، وما بين الثالثة والخامسة بعد الظهر للاجئين والأجانب المحتاجين.
وهكذا يحملون إلى بيوتهم الأرز والسكر والمعكرونة والخبز والمعلّبات وما إلى هنالك من سلع منوعة أخرى كالخضار والفواكه والثياب.
ويتطلّع الأب مجدي علّاوي إلى إكمال حلمه بشكل أكثر فعّالية، ويقول: «أتمنى أن تتحرّك البلديات أو أي جهات رسمية أخرى لتؤجّرنا محلات صغيرة هنا وهناك نمارس فيها عملنا التطوعي. فليس هناك أجمل من الشعور بالطمأنينة والسلام اللذين يمكن أن نمدّ بهما الفقير».
ومن أحلام «سعادة السماء» تأمين صفوف الدراسة لكل لاجئ موجود على أرض لبنان.. «لقد بدأنا بالفعل بذلك من خلال احتضاننا عددًا من التلامذة في مدارسنا. وقد تعاونا مع وزارة التربية على ذلك. ومن بين هؤلاء التلامذة من يتابع دروسًا في العزف على آلات موسيقية وفنون أخرى كالرسم».
ويرى صاحب مبادرة «سعادة السماء» أن «أولاد الطرقات والفقراء أشخاص عاديون مثلنا يمكن أن يظهر بينهم نوابغ علم فيما لو أعطوا الفرصة. والدليل على ذلك وصول أحد منهم للتخصص الجامعي في لندن، بينما يشغل شاب آخر أنهى دراسته الجامعية في لبنان مركزًا مرموقًا في دولة الإمارات العربية بعدما كان مجرّد صبي ينقل أكياس النفايات على الطرقات من شارع إلى آخر».
أكثر من 2000 عائلة من اللاجئين السوريين والعراقيين يعولهم «سعادة السماء» حاليًا. والمهم في هذه المبادرة هو انكباب المتطوعين عليها من كل الأطياف اللبنانية، فهناك أولاد عائلات مرموقة وثرية تشارك في هذا العمل التطوعي، وكذلك شباب جامعيون من منطقة المزرعة والضاحية الجنوبية والأشرفية.. «لقد استطعنا أن نجمع في (سعادة السماء) ما فرّقه أهل السياسة في لبنان، وذلك يعود إلى الإرادة الوطنية الحيّة، التي يتحلّى بها كل مواطن لبناني مشارك معنا في هذا العمل التطوّعي». يختم الأب مجدي علاوي حديثه معنا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».