فرق فنية وفنانون عرب وأجانب وعروض للطيران للاحتفال باليوم الوطني في أربيل

حضور واسع لمواطنين من العراق وتركيا وإيران ولبنان

إحدى الفرق الأجنبية التي شاركت في مهرجان أربيل (أ.ف.ب)
إحدى الفرق الأجنبية التي شاركت في مهرجان أربيل (أ.ف.ب)
TT

فرق فنية وفنانون عرب وأجانب وعروض للطيران للاحتفال باليوم الوطني في أربيل

إحدى الفرق الأجنبية التي شاركت في مهرجان أربيل (أ.ف.ب)
إحدى الفرق الأجنبية التي شاركت في مهرجان أربيل (أ.ف.ب)

بدأت في أربيل الثلاثاء الماضي فعاليات الدورة الثامنة لـ«مهرجان الحرية - نوروز»، الذي تقيمه سنويا محافظة أربيل في الفترة ما بين 11 و20 مارس (آذار)، حيث يشارك فيه فرق فنية عديدة من إقليم كردستان والعراق والعديد من دول المنطقة والعالم.
وقد أخذ المهرجان لهذا العام طابعا مختلفا وفعاليات مختلفة نتيجة لاختيار أربيل عاصمة للسياحة العربية، حيث من المنتظر أن تشارك نخبة من الفنانين العرب في إحياء حفلات خاصة ضمن هذا المهرجان.
وأثناء افتتاح المراسم بيّن نوزاد هادي محافظ أربيل في كلمة له أن «الحادي عشر من مارس (آذار) سجل حدثا تاريخيا مهما وعظيما، حيث وقعت في مثل هذا اليوم من عام 1970 اتفاقية الحادي عشر من مارس التي اعترفت بموجبها الحكومة العراقية بالحقوق القومية للشعب الكردي بعد نضال وتضحيات كبيرة قدمتها الحركة التحررية الكردية بعد ثورة سبتمبر (أيلول) لعام 1961 التي قادها الزعيم الكردي الراحل مصطفى بارزاني».
وسلط محافظ أربيل الضوء على المناسبة الثانية التي صادفت هذا اليوم، ألا وهي الذكرى الـ23 لانتفاضة أربيل في ربيع 1991؛ حيث بين المحافظ أن «جماهير المدينة وقوات البيشمركة استطاعت القضاء على جميع أنظمة المؤسسات البعثية السابقة البائدة، مما سمح لأربيل بدخول مرحلة جديدة شكلت خلالها الحكومة والبرلمان وقدمت أوج عطاءاتها».
وأوضح هادي أن أكثر ما يميز أربيل «هو التعايش السلمي بين القوميات والأديان والطوائف، وهذا ما جعلها دوما محط أنظار الجميع».
وفي اليوم الأول من المهرجان، قدمت العديد من الفرق الفنية نماذج من العروض التي ستقدمها في الأيام المقبلة ضمن مدة المهرجان من مدن الإقليم (أربيل ودهوك والسليمانية)، بالإضافة إلى عروض من فرقة الفنون الشعبية العراقية في بغداد وعروض من كركوك والبصرة وعروض أخرى من جورجيا ورومانيا، وفرق كردية من تركيا وسوريا.
كما شارك العديد من الفنانين الكرد من كردستان العراق وتركيا في اليوم الأول من المهرجان بتقديم العديد من الأغاني والألحان الكردية حتى ساعة متأخرة من مساء ذلك اليوم. وكانت عروض الطيران والمخاطرة في السماء التي تقام للمرة الأولى في الإقليم وفي العراق بشكل عام هي أكثر العروض التي نالت أكبر نسبة من المتابعة بين الحاضرين.
وبين طاهر عبد الله رئيس اللجنة العليا للمهرجان نائب محافظ أربيل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المهرجان سيضم العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والمسابقات والحفلات التراثية، حيث سيشارك فيها العديد من الفرق الفلكلورية والتراثية والغنائية ومجموعة من الفنانين الكرد، والعرب والأجانب».
وأوضح أن الاحتفال بأعياد «آذار» و«نوروز» لهذا العام «سيختلف عن الأعوام السابقة، خاصة بعد تتويج أربيل عاصمة للسياحة العربية، الذي سيكون بهدف الترويج للسياحة في كردستان وللتراث الكردي». وقال عبد الله إن الصعوبات المالية التي تواجه الإقليم بعد فرض الحصار الاقتصادي عليه من قبل الحكومة الاتحادية ومنع صرف ميزانية الإقليم ورواتب موظفي القطاع العام، لم تمنع تقديم هذه الفعاليات، عادّا إياها واجبا وطنيا ومسوؤلية تقع على عاتق الحكومة.
وأوضح عبد الله أن بعضا من شركات القطاع الخاص عبرت عن استعدادها للمشاركة ورعاية هذه الفعاليات، ومنها شركة «آسيا سيل» للاتصالات «التي تحملت جزءا كبيرا من نفقات هذا المهرجان».
وتميز المهرجان بالحضور الواسع لمواطنين من أربيل وبقية المحافظات العراقية، وحتى من خارج العراق، وبالأخص من تركيا وإيران ولبنان، بالإضافة لعدد كبير من اللاجئين الكرد السوريين القاطنين في أربيل.
وسيستمر هذا المهرجان حتى 20 مارس الحالي، حيث سينتهي بإيقاد شعلة «نوروز» التي ترمز لبداية رأس السنة الكردية، وهي أصلا رمز لانتصار ثورة كاوة الحداد ضد الملك ضحاك الذي كان يحكم المنطقة، في 21 مارس قبل 700 عام من ميلاد المسيح.
وسيقام يوم الجمعة ماراثون نسائي تشترك فيه العديد من الرياضيات، وسيكون هناك احتفال خاص في 16 مارس الحالي لإحياء الذكرى الـ26 لقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، بالوقوف لمدة خمس دقائق حدادا على أرواح الشهداء الذين قضوا في هذا القصف.
ومن الفنانين العرب الذين سيحيون احتفالات في أربيل ضمن هذا البرنامج الفنانة اللبنانية ميريام فارس التي ستكون ضيفة على أربيل للمرة الأولى، بالإضافة إلى الفنانة اللبنانية حسنا مطر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)