مسؤولون أفغان يفصحون عن مخاوفهم الأمنية على «فيسبوك»

يعانون من نقص في الغذاء والذخيرة في الولايات البعيدة عن العاصمة كابل

مسؤولون أفغان يفصحون عن مخاوفهم الأمنية على «فيسبوك»
TT

مسؤولون أفغان يفصحون عن مخاوفهم الأمنية على «فيسبوك»

مسؤولون أفغان يفصحون عن مخاوفهم الأمنية على «فيسبوك»

على الرغم من أن مصير ولاية هلمند الأفغانية أصبح معلقا بعد الهجوم المدمر الذي شنته ضدها حركة طالبان الشهر الماضي، فإن الاستغاثات العاجلة لنائب محافظ الولاية محمد جان رسوليار لم تجد آذانا مصغية من الحكومة المركزية. بعدها فعل نائب المحافظ ما يفعله الملايين غيره كل يوم، بأن نشر تعليقاته على «فيسبوك».
نشر رسوليار خطابا مفتوحا لحكومة الرئيس أشرف غني، رثى فيه حال رجال الجيش والشرطة بمنطقة سانغين، حيث يعانون من نقص في الغذاء والذخيرة نتيجة للحصار الذي فرضه عليهم مقاتلو طالبان. وأضاف نائب المحافظ أنه من دون مساعدات عاجلة فإنه من الممكن أن تسقط منطقة سانغين وعاصمة الولاية في قبضة طالبان.
نجحت طريقة رسوليار ولفتت استغاثته على «فيسبوك» نظر وسائل الإعلام بدرجة كبيرة، مما تسبب في زيادة الضغط على الحكومة المركزية كي تسرع من وتيرة مساعدتها لولاية هلمند، وبالفعل تراجع هجوم طالبان أمام قوات الأمن الأفغانية المدعومة من القوات الخاصة الأميركية والضربات الجوية.
يرى البعض نجاح النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة تمرد، حيث قامت الحكومة بفصل رسوليار لما سببه من مشكلات.
وكان عبد الملك صديقي، المسؤول بمديرية الحكم المحلي المستقلة، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة الولايات الأربع والثلاثين التي تتألف منها أفغانستان، أعلن هذا الشهر أن مجلس الدفاع الوطني في أفغانستان اعتبر أن تعليقات رسوليار على «فيسبوك»، كذلك تعليقات محمد علي أحمدي، نائب محافظ ولاية غزاني، «غير مسؤولة» و«غير محتملة».
وفي قرار عزل المسؤولين، أفاد صديقي بأن مجلس الأمن الأفغاني أفاد بأن «استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفض أي قرارات أو سياسات حكومية تصرف لا يمكن التسامح بشأنه بأي حال من الأحوال»، وأن «أي خرق لتلك السياسة سوف يجري التصدي له بكل حزم».
بالطبع يدخل المسؤولون الحكوميون في كل مكان في صراع مع التحديات التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي. فبالنسبة لحالة حكومة أفغانستان التي تحاول أن تتغلب على الأزمات التي خلفتها الحرب والوضع الاقتصادي، يبدو أنها لا تطيق أن تكون موضع شك وارتياب.
فقد عُزل أحمدي من منصبه بعدما عبر في موقع للتواصل الاجتماعي عن قلقه بشأن تدفق مقاتلي «القاعدة» إلى داخل ولايته، واختطاف وقطع أعناق المسافرين من قبل منتسبي تنظيم داعش هناك.
وأفاد أحمدي بأن الاعتراضات بداخل «مجلس الأمن الوطني» الذي يرأسه غني أشارت إلى أن قرارا سياسيا قد اتخذ من قبل أعلى سلطة سياسية في البلاد.. «أعتقد أن قرار فصلي صدر عن الرئيس شخصيا»، وفق أحمدي.
وقال آصف أشنا، وهو ناشط سياسي نشط عمل كنائب للمتحدث عن الرئيس التنفيذي للبلاد عبد الله عبد الله، والذي تحول بعدها لنقد حكومة غني، إن فصل المسؤولين «يعتبر خرقا صريحا لحرية التعبير وإضعافا لقانون الإعلام». وأضاف أن «الحياة لا تتوقف هنا، وأخشى أن تتزايد القيود على حرية التعبير».
وقال فضل الله وحيدي، محلل سياسي شغل في السابق منصب محافظ ولايتي كنار وهيرات، إن قرار فصل المسؤولين «كان خطأ بكل تأكيد». وأضاف أن تعليق رسوليار على «فيسبوك» كان سببا في إسراع الحكومة لاتخاذ قرار بشأن ولاية هلمند، وأن نواب المحافظ قد أحسنوا التصرف. وأضاف أن «المسؤولين تصرفا من منطلق موقعهما الرسمي الذي يتطلب توفير المعلومات للإعلام»، وأنهما «مخولان بقوة القانون بالكشف عن المعلومات المؤكدة».
وقال وحيدي إنه ربما لعبت السياسة دورا في ما حدث، حيث يحاول مسؤولو الحكومة «إيجاد أعذار لعزل المسؤولين الذين لم يعملوا لصالحهم في الانتخابات الرئاسية، ويسعون إلى استبدالهم بآخرين من المقربين لهم ممن ساعدوهم أثناء الانتخابات. ما حدث ليس سوى خدعة كي يتخلص المسؤولون ممن يكرهونهم».
ونفي سيد ظفار، المتحدث باسم الحكومة، أن تكون استغاثة رسوليار التي نشرها على «فيسبوك» سببا لاستجابة الجيش وتدخله في هلمند، مشيرا إلى أن «غني» كان على علم بما يجري قبل ذلك بفترة طويلة.
وقال هاشمي في رسالة بالإيميل: «لم يكن القرار بسبب ما نشر على (فيسبوك)، لكن بسبب مخالفتهم لقانون عسكري، وهو الأمر الذي يضعف الروح المعنوية لقوات الأمن الأفغانية». وقال هاشمي في مقابلات بالفيديو وغيرها من الاجتماعات: «لم يحدث أن أثاروا تلك المخاوف خلال حديثهم مع الرئيس ومع رئاسة الحكومة»، مضيفا أن «الرئيس وحكومته يحترمون حرية التعبير، ونحن نعمل جاهدين على حمايتها كأحد أكبر إنجازات الشعب الأفغاني».
وفي بعض الأحيان أثارت تعليقات المسؤولين الأفغان سخرية المواطنين، فعلى سبيل المثال، بعد حدوث انهيار صخري في ولاية بداكاشان منذ عامين، توجه مسؤولو الحكومة الأفغانية لموقع الكارثة ليتفقدوا الدمار، لكنهم ظهروا في الصور وابتسامة عريضة تعلو وجوههم أمام الكاميرات، وبعدها انتشرت الصور في مواقع التواصل الاجتماعي.
وعندما جرى عزل الجنرال باز محمد جواهري عن منصبه كنائب لوزير الدفاع بعد ثلاثة عشر عاما قضاها في منصبه، توجه مباشرة لـ«فيسبوك» ونشر صورته وقد رفع يديه للسماء كأنه يصلي شكرا لله، ووصف شعوره وقتها بـ«المريح»، وتحت الصور علق قائلا: «اللحظة التي تلقيت فيها قرار إقالتي من منصبي». وفي صورة أخرى ظهر ملوحا بقبضة يده في الهواء وكتب تعليقا يقول: «انتصرنا».
في الكثير من الأحوال تشكل مواقع التواصل الاجتماعي إغراء للكثير من المسؤولين السابقين الذين يعتقدون أنهم ذهبوا طي النسيان، ويحاولون تذكير الناس بأنفسهم من جديد من خلال تلك المواقع.

* خدمة «نيويورك تايمز»



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»