رئيس إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي: الإصلاحات السعودية أعطت الثقة للمستثمرين

أشاد مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي بالإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي قامت بها السعودية، موضحا أن تلك الإصلاحات ساهمت في تدعيم وضع المملكة الاقتصادية واحتواء عجز الموازنة وترشيد الإنفاق الحكومي خاصة مع استمرار أسعار النفط في الانخفاض.
وأكد مسعود أحمد أن خطط المملكة لتنفيذ مزيد من الإصلاحات في ترشيد الإنفاق والسيطرة على عجز الموازنة خلال السنوات المقبلة تعطي المستثمرين المزيد من الثقة في مستقبل الاستثمار في المملكة، وأثنى على خطط الحكومة في تنويع مصادر الدخل غير النفطي بما يعطي مزيدا من المرونة للاقتصاد في مواجهة التحديات الخارجية.
وأشار مدير إدارة الشرق الأوسط إلى توقعات بارتفاع معدلات النمو في دول المنطقة بصفة عامة، لكن بمعدلات بطيئة بسبب تأثيرات الصراعات الإقليمية والجيوسياسية، إضافة إلى اتجاهات أسعار النفط الآخذة في الانخفاض في الأسواق العالمية. وحذر مسعود أحمد من تأثير تصاعد التوترات على حركة التجارة والتدفقات المالية والنشاط السياحي في دول الشرق الأوسط.
وأشار مسعود أحمد إلى أن نية إيران ضخ ما بين 500 ألف إلى 600 ألف برميل إضافي من النفط ستدفع الأسعار إلى مزيد من الانخفاض في الأسواق العالمية مع زيادة المعروض في الأسواق، مطالبا الدول المصدرة للنفط بالتعامل مع الواقع الجديد لأسعار النفط المنخفضة. وقال إن احتمالات ارتفاع الأسعار قد تحدث خلال السنوات القادمة لتصل ما بين خمسين وستين دولارا بحول عام 2020. وإلى نص الحوار

* حذر صندوق النقد الدولي في تقريره «آفاق الاقتصاد العالمي» من تباطؤ في النمو في الاقتصاديات المتقدمة والاقتصاديات الناشئة، متوقعا معدلات نمو بطيئة في منطقة الشرق الأوسط، وتباطؤا للنمو الاقتصادي للمملكة العربية السعودية. في رأيك ما هي الأسباب والعوامل الرئيسية وراء هذا التباطؤ في النمو الاقتصادي، وكيف ترى أداء الاقتصاد السعودي؟
- لقد قررت حكومة المملكة العربية السعودية في استجابتها لانخفاض أسعار النفط أن تقوم بخفض الإنفاق الحكومي، وقد توقع صندوق النقد أن تصل نسبه العجز في الموازنة في السعودية إلى 20 في المائة، وهي نسبة عالية للغاية، لكن ما قامت به الحكومة السعودية من إجراءات خلال العام الماضي لضبط الموازنة وترشيد الإنفاق أدى إلى نجاح الحكومة في خفض نسبة العجز إلى 16 في المائة. وفي الميزانية الموضوعة لعام 2016 فإن الحكومة السعودية مستمرة في فرض سيطرة محكمة على الإنفاق، ولذا نتوقع أن تنجح السعودية في تخفيض عجز الموازنة إلى نسبة أقل مع نهاية العام الحالي مقارنة بالعام الماضي.
وكل هذه الإجراءات جيدة، لأنها تساعد على ضمان أن تحافظ السعودية على المرونة المالية التي تحتاجها في ظل أسعار النفط المتراجعة، والآن فإن جانبا من الآثار المترتبة على تقليص الإنفاق من قبل الحكومة السعودية هو أن ذلك يضع ضغوطا على النشاط الاقتصادي داخل القطاع الخاص، ويضع ضغوطا على الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، لأن الكثير من تلك الشركات تعتمد إلى حد كبير على الإنفاق الحكومي لأنشطتهم.
ولذا فإن ما قامت بها الحكومة السعودية من إصلاحات مالية كان أسرع مما كان متوقعا، ولذا سيحدث تأثير في تباطؤ الاقتصاد مقارنة بما كان عليه الأمر في العالم السابق. وتوقعات الصندوق لنمو الاقتصادي السعودي هذا العام تبلغ 1.2 في المائة للعام الحالي و2 في المائة لعام 2017، وهو تأثير متوقع وطبيعي للتباطؤ في الإنفاق، لكن ما تقوم به المملكة العربية السعودية من إصلاحات وتقليص إنفاق سيدفع الاقتصاد السعودي للصعود في وقت لاحق، وسيكون صعودا على أسس أقوى في الجانب المالي.
في ظل الانخفاض المستمر لأسعار النفط قامت الحكومة السعودية بالفعل بسلسلة من السياسية الإصلاحية للحد من الاعتماد الاقتصادي على النفط، وقد أشاد الصندوق بالفعل بهذه الإصلاحات. في رأيك ما هي النصيحة التي تقدمها لتعزيز الإصلاحات والدفع بالاقتصاد السعودي للأمام؟
- أود أولا أن أرحب بما تقوم به المملكة على جبهتين، الأولى ما يقوم به المسؤولون بالفعل من إجراءات لاحتواء عجز الموازنة، وكما ذكرت إجراءات خفض الإنفاق ومحاولة زيادة الإيرادات غير النفطية. والعنصر الهام للغاية أن المملكة لا تقوم بهذه الإجراءات لهذا العام فقط لكنها وضعت بعض الأهداف على المدى المتوسط، فيما يتعلق برؤية المسؤولين للموازنة، وكيفية إيجاد سبل لزيادة الإيرادات. ويقول المسؤولون في السعودية إنهم يريدون خفض مستويات الإنفاق وخفض مستوى العجز خلال سنوات قليلة مقبلة، وهذا الأمر يعطي المزيد من الثقة للمستثمرين وقدرتهم على رؤية كيف تسير الأمور في السنوات القليلة المقبلة.
الأمر الثاني الذي يخطط له المسؤولون في السعودية - والذي نراه جيدا - هو الإسراع في تنويع الاقتصاد وجعله أقل اعتمادا على النفط، وقد أوضحوا لنا أنهم سيقومون بإعلان خطة وطنية تتضمن تفاصيل وتدابير تنويع الاقتصاد والاعتماد على مجموعات متنوعة من مصادر النمو الاقتصادي، وهو أمر مطلوب للغاية لجعل الاقتصاد السعودي أكثر مرونة في مواجهة أسعار النفط المتراجعة وأيضا لتوفير فرص عمل للسعوديين الذي يعلمون في القطاع الحكومي - للبدء في العمل في القطاع الخاص.
* كيف ترى خطة السعودية لإنشاء صندوق سيادي جديد لإدارة جزء من ثروتها النفطية وتنويع الاستثمار؟
- لا نملك الكثير من التفاصيل حول هذه الخطة، وهناك دول كثيرة لديها صناديق سيادية ودول أخرى تستخدم البنوك المركزية والاحتياطيات النقدية في إدارة الثروات وهناك طرق كثيرة لإدارة الثروة بغض النظر على الإداه، فالمهم هو الرؤية الواضحة والهيكل الواضح للحوكمة والممارسة.
* بعد رفع العقوبات الدولية عن إيران، أعلن الإيرانيون عن نيتهم زيادة الإنتاج من النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا، في رأيك كيف سيكون لتلك الزيادة تأثير على أسعار النفط في الأسواق العالمية في ظل استمرار الأسعار في التراجع؟
- نعم.. إننا نعتقد أنه خلال العام الأول ستكون إيران قادرة على إضافة من 500 ألف إلى 600 ألف برميل إلى إنتاجها الحالي الذي يبلغ مليون برميل من الصادرات النفطية، وهذا سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد الإيراني، لأنه سيوفر لهم النقد الأجنبي والقدرة على النفاذ للأموال المجمدة في الخارج ولكن السؤال هو: ماذا سيعني ذلك لبقية العالم؟ لأن ضخ نصف مليون برميل إضافي في سوق النفط في الوقت الخالي سيضيف ضغوطا على الأسعار المنخفضة بالفعل بفضل كثرة العرض، والسؤال كيف سيؤثر على السعر، وهذا يعتمد على السعر الذي أخذ في الحساب مع توقعات زيادة الإنتاج النفطي الإيراني. وتوقعاتنا بقيام إيران بزيادة إنتاج 500 إلى 600 برميل يوميا هي أحد الأسباب وراء توقعاتنا بعدم ارتفاع أسعار النفط في أي وقت قريب.
* في أي وقت قريب؟ هل هذا يعني على المدى القصير أم المدى الطويل؟ فمتى يتوقع صندوق النقد ارتفاعا لأسعار النفط؟
- هذا هو السؤال الصعب، فلا أحد يستطيع أن يقول ماذا سيحدث خلال العام المقبل بشكل يقيني، وما يمكننا قولة هو أنه بالنظر إلى السوق والسعر المستقبلي فما نراه هو أنه على مدى السنوات الخمس المقبلة ستبدأ أسعار النفط في زيادة تدريجية لتتراوح ما بين 50 و60 دولارا للبرميل بحلول 2020، وربما سيكون هناك فترة ترتفع فيها الأسعار بسرعة أو تنخفض بسرعة بسبب عوامل على المدى القصير، لكني أعتقد أن أفضل وسيلة للتخطيط هي الأخذ في الحسبان ارتفاع الأسعار أعلى من مستواها الحالي، وسوف ترتفع تدريجيا خلال السنوات الخمس المقبلة، لكنها لن تعود عند مستويات 100 دولار للبرميل.
وقد كانت حساباتنا أن سقف سعر النفط الموضوع حاليا وفقا لهامش تكلفة الإنتاج قد يصل إلى سبعين دولارا للبرميل، لكن السعر بلغ 60 دولارا، واكتشفنا أنه يمكن إنتاج النفط عند حدود خمسين دولارا. ولذا فإنه على مدى السنوات القليلة المقبلة أعتقد أنه يتعين على دول المنطقة المنتجة للنفط أن تتعامل مع هذا الواقع الجديد، وأن تتكيف مع أسعار منخفضة للنفط بدلا من أن تأمل أن الأسعار سترتفع.
* كيف يمكن لصناع السياسات المالية وضع الميزانيات إذا كان هناك حالة من عدم اليقين بشأن سعر النفط؟
- هذا بالفعل شيء صعب، وبالتالي يجب إدراك أنه لا بد من استخدام بعض الاحتياطيات، ومن هنا نفهم أن دول الخليج تعاني تحديا بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط، لكنها في الوقت نفسه لا تواجه أزمة، وذلك لأنها قامت بوضع جانب من عوائد النفط كاحتياطي عندما كانت الأسعار مرتفعة لتتمكن من استخدام تلك الوفورات خلال السنوات الصعبة.
وعند وضع ميزانية سنوية من المهم ترك بعض الهامش لتحرك أسعار النفط صعودا وهبوطا ومواجهة ذلك داخل الميزانية، وأنا أنصح بتنويع مصادر الإيرادات بحيث لا يتم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للإيرادات في الميزانية. وهذا هو السبب وراء اتجاه دول مجلس التعاون الخليجي لفرض ضريبة القيمة المضافة، وهي توفر لدول الخليج جانبا جيدا من الإيرادات.
* ماذا بشأن البلدان المستوردة للنفط في المنطقة مثل الأردن ومصر وتونس والمغرب؟
- هذه الدول ستكون أفضل حالا، لأن فاتورة الاستيراد الخاصة بهم تنخفض وتتيح لهم فرصة التقاط الأنفاس قليلا من الآثار السلبية غير المباشرة للصراعات الإقليمية، لكن على الدول المستوردة للنفط أن تتعامل مع مشكلة عودة مواطنيها من العمال العاملين في البلدان المصدرة للنفط مثل دول الخليج التي تخطط لتقليص الإنفاق، وهو ما سيشمل تخفيض الأعمال الإضافية وتخفيض العمالة. وتحتاج الدول المستوردة للنفط أن تدرك أن التباطؤ في النشاط الاقتصادي في الدول المصدرة للنفط سيكون له تأثير أيضا على الاستثمارات القادمة وأيضا على عوائد السياحة.
* ما تقييم الصندوق لتأثير انخفاضات النفط من جانب ومن جانب آخر تأثير الصراعات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط واستمرار الأزمات في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا على معدلات النمو وحركة التجارة والتدفقات المالية؟
- بالنظر إلى الدول نفسها، أعتقد أنه قبل أن ننظر إلى التكلفة الاقتصادية علينا النظر في التكلفة الإنسانية المأساوية والأرقام التي تشير إلى ملايين اللاجئين والنازحين والقتلى ومئات الآلاف من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس الذين سيتأثر مستقبلهم لسنوات، وإذا وصلنا إلى الاقتصاد ففي سوريا على سبيل المثال تقلص الاقتصاد السوري إلى أقل من نصف ما كان عليه عام 2010.
وفي اليمن تقلص الاقتصاد بمقدار الثلث مما كان عليه منذ عامين، وليبيا تستمر في الانكماش الاقتصادي لذا فاقتصاديات تلك الدول متأثرة في حجم الاقتصاد، وفي القدرة على العمل وفي مستويات المعيشة، إضافة إلى تأثر الدول المجاورة بسبب تدفق اللاجئين مثل الأردن ولبنان وتركيا بما يثقل على ميزانيات تلك الدول. وهناك أيضا تكلفة على التجارة والسياحة فعلى سبيل المثال كانت السياحة في تونس تمثل 7 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، وبسبب الهجمات في متحف باردو ومدينة سوسة انخفضت عائدات السياحة إلى النصف، وشكل العائد من السياحة أقل من 3 في المائة من الناتج الإجمالي، والآن أصبح صفرا. ولدينا أيضا تأثيرات على مناخ الاستثمار حيث يحجم الكثير من المستثمرين عن الاستثمار في المنطقة بأكملها، ولذا نرى أن معالجة هذه الصراعات ستكون جزءا هاما ليس فقط لإعادة السلام وإنما للتنمية الاقتصادية.
وافق صندوق النقد الدولي على قرض للعراق للمساعدة في تمويل المالية وخفض دعم الطاقة.. كيف تنظرون للوضع المالي للعراق؟ وهل لدى الصندوق خطط لمواجهة الضرر المتوقع في سد الموصل ومساعدة الحكومة العراقية لمواجهة مخاطر انهيار السد؟
- الوضع المالي في العراق يواجه تحديات كبيرة، من تلك التحديات انخفاض أسعار النفط بما يثقل على الميزانية، إضافة إلى مكافحة «داعش» وتكلفة الإرهاب الذي يوثر على النشاط الاقتصادي. وقد أخذت الحكومة العراقية بعض القرارات الصعبة للسيطرة على عجز الموازنة وتحسين أداء القطاع المصرفي وتمكين الاقتصاد عير النفطي من العمل بكفاءة، والاقتصاد العراقي أكثر تنوعا، لكن العراق لا يزال يواجه تحديا فيما يتعلق بالتمويل والنفاذ إلى الأسواق المالية.
وقد قدم الصندوق قرضا 1.2 مليون دولار الصيف الماضي وقرضا آخر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ونحن نقدم المساعدات الفنية مع منظمات أخرى مثل البنك الدولي لمساعدتهم ونحن ندعم برنامج لمساعدة العراق للنفاذ إلى الأسواق المالية وتقوية القواعد المالية لديهم بما يعطي ثقة للمستثمرين. أما فيما يتعلق بسد الموصل، فالصندوق لا يقدم تمويل حول هذا الأمر، ولا نملك بيانات محددة حوله.
* بالنسبة لمصر ظل الصندوق على محادثات تتقدم أحيانا وتتأخر أحيانا أخرى حول قرض محتمل للحكومة المصرية، هل هناك جديد فيما يتعلق بالقرض المصري؟ وكيف يقيم الصندوق أداء الاقتصاد؟
- أعتقد أن الاقتصاد المصري تحسن كثيرا على مدى العامين الماضيين، وكان هناك بعض السياسات الجيدة التي تبنتها الحكومة المصرية للسيطرة على عجز الموازنة ورفع أسعار الطاقة وتحسين مناخ الأعمال بما يوفر الثقة للمستثمرين للمجيء والاستثمار، إضافة إلى الدعم المالي من دول الخليج. وكل ذلك أدى إلى التحسن في أرقام النمو للاقتصاد المصري، لكن ما زال هناك الكثير من العمل الواجب القيام به للحد من نقاط الضعف المالي والضريبي ومواجهة النقص في النقد الأجنبي، وعلاج مخاوف الكثير من الشركات العاملة في مصر.
ويحتاج الاقتصاد المصري إلى تنويع قاعدة عملياته التمويلية والنفاذ إلى الأسواق بما يتطلب أسسا قوية، والصندوق مستمر في تقديم المساعدة الفنية والمشورة لمصر. لكن لا يوجد جديد فيما يتعلق بقرض محتمل، ولم تطلب السلطات المصرية الحصول على تمويل.