مدينة شقراء السعودية.. حضور تجاري وتعليمي لرجالها ونسائها منذ عقود

تأثيرات حزبية مصرية كادت تحول فتاتها الناصرية إلى إخوانية

مدرسة إدريسة ساهمت بحظ وافر في تعليم البنات قبل إقرار المدارس النظامية في السعودية
مدرسة إدريسة ساهمت بحظ وافر في تعليم البنات قبل إقرار المدارس النظامية في السعودية
TT

مدينة شقراء السعودية.. حضور تجاري وتعليمي لرجالها ونسائها منذ عقود

مدرسة إدريسة ساهمت بحظ وافر في تعليم البنات قبل إقرار المدارس النظامية في السعودية
مدرسة إدريسة ساهمت بحظ وافر في تعليم البنات قبل إقرار المدارس النظامية في السعودية

سجلت «شقراء» إحدى محافظات السعودية، وحاضرة منطقة الوشم، وسط الجزيرة العربية، اسمها كمحطة تجارية لافتة منذ عقود، كما اشتهرت بأنها مركز علمي مهم في الجزيرة العربية، قد أنجبت الكثير من التجار الذين كونوا بيوتات تجارية معروفة، إضافة إلى عدد من أبنائها الذين تعلموا مبكرا وتسنموا لاحقا مراكز مهمة في الدولة، وأسهموا في تنمية بلادهم في المجال الاقتصادي والتنموي. وحضرت المرأة بقوة في الحياة العامة في شقراء منذ عقود، حيث أسست نساء من المحافظة مدارس البنات قبل إقرار التعليم النظامي من خلال حلقات الكتاتيب جنبا إلى جنب مع مثيلاتها المخصصة للرجال، كما عملت النساء في بعض المهن وسجلت شقراء أسماء سيدات أعمال وصلت شهرتهن إلى الدول المجاورة، كما عملت بعضهن في التطبيب، وفي المجال المعماري والهندسي، كما تأثرت البعض منهن بالتيارات الفكرية والسياسية التي سادت في الستينات، كما أنجبت المحافظة الكثير من المشايخ والأدباء والمثقفين والشعراء الذين لهم حضور لافت في المجتمع السعودي.
واستهوت شقراء الرحالة والمؤرخين الذين مروا بها خلال تجوالهم في الجزيرة العربية، وقبلها ذكرها الشعراء الأقدمون، حيث وردت على لسان الشاعر زياد بن منقذ، إضافة إلى ذكره الوشم وهي المنطقة التي تعد شقراء عاصمة أو حاضرة لها:
متى أمر على الشقراء معتسفا
خل النقا بمروح لحمها زيم
والوشم قد خرجت منه وقابلها
من الثنايا التي لم أقلها ثرم
وقال عنها الرحالة لورمر في كتابه «دليل الخليج»: شقراء مركز لتجميع الخيول وتجارتها، ثم تنقل منها لتباع في أسواق الهند، كما عدها مركزا مزدهرا لتجارة وزراعة النخيل، وتلك المكانة التجارية تتأكد أكثر فيما جاء في رسالة الشريف حيدر بن علي شريف مكة إلى الشيخ مبارك الصباح قبل 107 أعوام التي توضح قدومه إلى نجد يطلب فيها منه إرسال 100 حمل أرز، و40 حملا دقيقا، و10 أحمال قهوة، وخمسة أحمال سكر، وحث على وصولها إلى شقراء بوجه السرعة، ومع الرسالة أرسل تحويلا من أصل الثمن.
وفي كتابه اللافت «الطريق إلى شقراء» قدم الباحث محمد بن عبد الله الحسيني لمحة تاريخية عن شقراء، ورصد موقعها اليوم، وطرح خلاله تراجم مختصرة عن عشرات الأعلام من الرجال والنساء في شقراء والمدن والقرى التابعة لها في منطقة الوشم.
ونظرا إلى أن القائمة الطويلة من الإعلام الذين أنجبتهم شقراء يصعب إيرادهم لكثرتهم إلا أننا نكتفي بإيراد نموذج نسائي من شقراء في العقود الماضية والحاضرة، سجلت حضورا لافتا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في السعودية: وهي هيلة بنت سعد بن مريح، المشهورة بـ«هيلة المريحية» التي تولت منذ 150 عاما بناء سد في شقراء على وادي الغدير الذي يخترق المحافظة من الغرب إلى الشرق، كما عملت هيلة في التجارة، وقادت القوافل التجارية بنفسها، ولها رحلات سنوية لهذا الغرض إلى الكويت، كما فتحت علاقات تجارية مع الحجاز والأحساء، ولها مجلس مفتوح لعلية القوم ومندوبي الملوك والأمراء، وقد توفيت قبل أكثر من 100 عام ولم تتزوج وقد وصفها الأديب السعودي أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، وهو من سكان المحافظة بأنها على مثال ليلى الأخيلية من النساء اللاتي يباشرن من المهمات ما يباشره أشد الرجال.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».