خديجة عريب .. مغربية الأصل تتحدى اليمين المتطرف الهولندي

الرئيسة الجديدة لمجلس النواب تدافع عن حقوق المرأة والمهاجرين

خديجة عريب .. مغربية الأصل تتحدى اليمين المتطرف الهولندي
TT

خديجة عريب .. مغربية الأصل تتحدى اليمين المتطرف الهولندي

خديجة عريب .. مغربية الأصل تتحدى اليمين المتطرف الهولندي

أن تنجح في الصعود إلى قمة جبل في ظروف مناخية صعبة، أو تتمكن من السباحة عكس التيار أو في وجه أمواج عاتية لكي تصل إلى برّ الأمان، فهذا بلا شك إنجاز كبير، يستحق أن يحظى بتقدير الجميع. هذا بالضبط ما ينطبق على خديجة عريب، السيدة الهولندية المتحدّرة من أصل مغربي، التي خطفت الأضواء خلال شهر يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد انتخابها رئيسة لمجلس النواب في هولندا. كما هو معلوم على نطاق واسع في أوروبا - وربما في خارجها أيضًا - يتمتع تيار اليمين المتطرّف الهولندي، بل والعنصري غالبًا، بشعبية كبيرة. وكمثال، نشير إلى حزب الحرية الذي يقوده خيرت فيلدرز المعروف بمواقفه العدائية من المهاجرين الأجانب وخاصة المسلمين والعرب. وبناءً عليه، في ظل هذا الحضور القوي لليمين المتطرف لم يكن أحد يتوقع أن تنجح سيدة من أصول أجنبية في إلحاق الهزيمة بخطط اليمين التي تستهدف الأجانب في هولندا وتطالب بإبعادهم خارج البلاد.

انتخبت خديجة عريب، وهي سياسية وبرلمانية تتحدّر من أصل مغربي وتنتمي إلى حزب العمل الهولندي، يوم 13 يناير الجاري رئيسة لمجلس النواب، الذي هو أحد المجلسين اللذين يشكلان السلطة التشريعية (البرلمان) في هولندا.
في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال باين لامفيرس، الباحث في شؤون الإحصاء والأقليات في مدينة لاهاي، معلقًا على هذا الحدث البارز «من وجهة نظري، أنا أعتبر تصويت النواب سيفًا ذا حدّين، فهو من جهة سيعزّز مكانة المهاجرين ويقوي ثقتهم في المؤسسات النيابية الهولندية. ولكن من جهة أخرى أرى في التوافق على انتخاب خديجة عريب، السياسية المغربية الأصل، عملية تصفية حسابات سياسية مع حزب خيرت فيلدرز، خاصة أن هذا الحزب عادة ما يشكك في عمل المؤسسات التمثيلية.. وكلنا يتذكر تدخل فيلدرز في كلام أمام البرلمان اعتبر فيه «البرلمان زائفًا». وبالتالي، سيستغل حزب الحرية هذا الحدث إعلاميًا للتأثير كعادته على الرأي العام الهولندي، لا سيما أن التكهنات تشير إلى احتمال فوز هذا الحزب بالمكانة الأولى في الانتخابات المقبلة، والظفر بـ42 مقعدًا تقريبًا في مجلس النواب التالي.
السيرة الذاتية لخديجة عريب، تفيد بأنها من مواليد أكتوبر (تشرين الأول) عام 1960 في الهدامي، إحدى بطون قبيلة أولاد سعيد بمنطقة لغنيميين، في إقليم سطات (جنوب شرقي الدار البيضاء). وهي وحيدة عائلتها وهاجرت إلى هولندا بعد بلوغها الخامسة عشرة من عمرها في إطار جمع شمل الأسرة، وكان قانونًا جديدًا في حينه. وكان أول تحدٍّ لها هو كيفية استيعاب لغة البلاد، الصعبة والمعقدة. وهو الأمر الذي استطاعت التمكن منه بعد فترة وجيزة من الزمن قبل بلوغها سن الشباب.
في هولندا أكملت عريب دراستها المتوسطة والثانوية، والتحقت على الأثر بجامعة أمستردام حيث تخرّجت مجازة (بكالوريوس) بعلم الاجتماع، ثم حصلت من الجامعة نفسها على شهادة الماجستير. أما في ميدان العمل فإنها تقلبت في العمل الحكومي والنشاطات الاجتماعية والتعليم في مدن بريدا وأوتريخت وروتردام، بالإضافة إلى أمستردام. وانخرطت في المجال السياسي عبر عضويتها في حزب العمل، وهو حزب ديمقراطي اشتراكي يعد أكبر أحزاب يسار الوسط في البلاد.
وعام 1998 دخلت عريب مجلس النواب لأول مرة واحتفظت بمقعدها فيه حتى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2006. ثم عادت إلى البرلمان في 1 مارس (آذار) 2007 وحتى اليوم. وطوال فترة عملها البرلماني ركّزت عريب اهتماماتها على قضايا العنصرية والتمييز والإساءة إلى المرأة والعنف المنزلي والعناية بالطفل والأم. وفي المقابل، واجهت حملات عنيفة من العنصريين واليمينيين المتطرفين في حزب الحرية لاحتفاظها بالجنسية المغربية مع حملها الجنسية الهولندية، ودورها في هيئة استشارية على صلة بالعرش المغربي. وللعلم، فإن عريب متزوجة من نور الدين دحّان، وأم لثلاثة أولاد منهم الكاتبة صابرة دحّان.
هذه هي أول مرة تصل فيها امرأة مهاجرة من أصل مغربي إلى رئاسة مجلس نواب في أوروبا الغربية، مع العلم أنه سبق لسيدات من عائلات مهاجرة من شمال أفريقية شغل حقائب وزارية، لعل أبرزهن المغربية نجاة فالو - بلقاسم وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي والأبحاث حاليًا في فرنسا، والجزائرية رشيدة داتي وزيرة العدل السابقة في فرنسا أيضًا. كذلك، فإن مغربيًا يشغل اليوم منصب عمدة روتردام، ثاني كبرى مدن هولندا هو أحمد أبو طالب. وأبو طالب - وهو عمالي مثل عريب - من محيط مدينة الناظور، بشمال المغرب، وهي المنطقة نفسها التي تنتمي إليها نجاة بلقاسم.
نور الدين العمراني، الإعلامي والباحث المهتم بشؤون الأقليات، قال لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات حول الموضوع «إن اختيار خديجة عريب رئيسة للمجلس النيابي انتصار للمهاجرين، خاصة، أن الظروف التي تمر بها الهجرة عسيرة أمام تزايد مظاهر الكراهية والحقد ضد الأجانب عامة، والمسلمين، خاصة. ولقد تساءل فيلدرز علانية في تغريدة له عقب فوز خديجة عريب بأنه لا يريد أن يصدّق أن تترأس البرلمان مغربية بيدها قرآن في مؤسسة تشريعية هولندية؟ إن تصريحات كهذه تجعل من المغاربة والمسلمين مواطنين معزولين مجتمعيًا. وهذا ما سيشجع على التطرّف وتبني الأفكار التي تدفع بهم إلى العزوف عن المشاركة السياسية والتمثيلية، وهو بالضبط ما يهدف إليه فيلدرز وأمثاله. لذا أكرّر أن ترؤس عريب مجلس النواب يعدّ انتصارًا للديمقراطية وهدية اعتراف بنضال وصمود الجمعيات الذاتية التي انتزعت حق المشاركة السياسية للأجانب في مطلع الثمانينات».
آراء كثيرة، مثل رأي العمراني، رحبت بإنجاز خديجة عريب السياسي الكبير، ومنها الترحيب الذي أورده موقع مجلس الجالية المغربية المهاجرة. إذ أشاد المجلس المذكور بهذا التتويج، مشيرًا إلى أنه «على الرغم من محاولات مرشحي حزب الحرية اليميني المتطرف عرقلة وصول المهاجرة المغربية إلى أعلى هرم السلطة التشريعية في هولندا، تمكنت ابنة الدار البيضاء من الفوز بالأصوات الكافية التي خوّلتها التربع على قمة البرلمان الهولندي». وأضاف الموقع الإلكتروني نفسه أن «خديجة عريب تعتبر من أقدم البرلمانيات في هولندا إذ نجحت في الوصول إلى قبة البرلمان، أربع مرات على التوالي، ضمن صفوف حزب العمل الهولندي. وهذه السياسية المغربية الهولندية تتمتع، وفق وسائل الإعلام الهولندية، باحترام واسع في الأوساط السياسية الهولندية بفضل الدور الذي لعبته في الحياة البرلمانية ومؤسستها التشريعية».
كذلك، بعد نجاح عريب، قال مارك روته، رئيس وزراء هولندا، في تعليق له على فوزها برئاسة مجلس النواب «أرسل إليها تهنئة قلبية للفوز بالمنصب وأتطلع للعمل المشترك وبشكل جيد معها»، وهذا مع العلم أنها عمالية يسارية وهو زعيم حزب الشعب اليميني المحافظ. والحقيقة، أن فيلدرز، رئيس حزب الحرية المتطرف، وحده وجه انتقادات لهذا الاختيار، بل وغادر البرلمان عقب التصويت من دون تقديم التهنئة للرئيسة الجديدة التي تلقت التهاني المألوفة والتقليدية في هذه المناسبات من رؤساء الكتل الحزبية وأيضا من المتنافسين معها على المنصب خلال الانتخابات التي أجريت مساء الأربعاء قبل الماضي.
كما سبقت الإشارة، فيلدرز آخذ على الرئيسة الجديدة أنها لا تزال تحتفظ بجنسيتها المغربية إلى جانب الهولندية، واعتبر أن يوم انتخابها «يوم أسود في تاريخ البرلمان». وتابع في تصريح تلفزيوني أن «الأمر لا يتعلق بها كشخص. ولكن لا يجوز أن يتولى من حمل جنسيتين رئاسة مجلس النواب الهولندي».
هذه الحملة المغرضة المركزة حاولت عريب مرارًا مواجهتها عبر تشديدها في وسائل الإعلام المحلية أنها تشعر أنها هولندية الانتماء وأن السبب الوحيد وراء احتفاظها بالجنسية المغربية هو أن المملكة لا تسمح لرعاياها بالتخلي عن هويتهم. وردت على انتقادات فيلدرز قائلة لوكالة «إيه إن بي» للإعلام «أنا بكل بساطة أقوم بعملي، ويمكن أن أتولى أيضا رئاسة الحزب من أجل الحرية فنحن نعيش في ديمقراطية». وفي هذا السياق، فيما يتعلق بمسألة الجنسية المزدوجة، يعيش في هولندا نحو 1.3 مليون نسمة يحملون جنسيتين أو أكثر حسب أرقام المكتب الوطني للإحصائيات نشرت أخيرًا. وتغطي أرقام المكتب الفترة السابقة لأول يناير 2014. وهو تاريخ تعليق السلطات الهولندية تسجيل الجنسيات الأجنبية لحاملي الجنسيات المزدوجة في السجل الهولندي. وحسب المصدر ذاته فإنه من أصل 1.3 مليون مقيم مزدوج الجنسية، فإن الربع يحمل جواز سفر مغربيا ويحمل كثيرون الجنسية التركية. وأضاف المصدر أن 50 في المائة المتبقية تغطي عددًا كبيرًا من الجنسيات، مضيفا أنه يعيش في هولندا ما لا يقل عن 170 جنسية. وكانت هولندا قد أصدرت عام 2013 قانونًا جديدًا ينظم تسجيل حاملي الجنسيات المزدوجة في السجل البلدي للسكان. ويمنع هذا القانون ذكر جنسية أخرى غير الجنسية الهولندية في هذا السجل الذي يضم جميع المعطيات الشخصية للمقيمين.
عندما دخلت عريب البرلمان لأول مرة عام 1988 ممثلة حزب العمل الهولندي قالت: «لم أكن أفكر قط في الدخول إلى البرلمان». وحقًا وضعت جلّ قدراتها وإمكانياتها طيلة 17 سنة. ولقد صرحت غير مرة، أنها كفتاة من عائلة مهاجرة «بدأت تجربتها السياسية عضوًا عاديا في صفوف الحزب الذي اجتذبها سياسيا لتعاطفه مع قضايا الدول النامية والفئات المهمّشة في المجتمع الهولندي». وأضافت أن نشاطها في ميادين الصحة والهجرة والمرأة، كان دافعا لها للترشح باسم حزب العمل لانتخابات 1998. وهي تعتز كثيرًا بأنها ما زالت تمارس مهامها تحت قبة البرلمان لحد الآن بفضل تجديد الثقة فيها من قبل ناخبي دائرتها والاحترام الذي تلقاه من زملائها.
والواقع أن خديجة عريب التي استقرت بعد هجرتها إلى هولندا في العاصمة أمستردام، وكانت من مؤسسات اتحاد النساء المغربيات في هولندا، وتولت مسؤوليات ووظائف مختلفة قبل أن تصبح برلمانية في العام 1998، وذلك بهدف مبدئي تصفه كما يلي «لقد دخلت عالم السياسة لأن أمورًا كثيرة لم تكن تعجبني، بل قل كانت تضايقني، وأرى أنها يجب أن تتغير. الآن كبرلمانية، ما زلت أحتفظ دائما بالملفات نفسها التي أردتها للتغيير من الوضع». ولذا ما زالت اهتمامات عريب السياسية تتمحور حول قطاعات الخدمات الاجتماعية، وبالأخص، بقطاع الصحة، وتحديدًا الرعاية الصحية للنساء المغربيات والتركيات. وهنا تقول شارحة «من الإحصائيات يتبين أن نسبة الوفيات أثناء الولادة مرتفعة بنسبة تفوق الضعف لدى الأطفال المغاربة مقارنة بالأطفال الهولنديين. ولكنني، بالتعاون مع وزير الصحة نجحت في تحقيق أن تحظى المرأة الحامل بزيارة طبية إلى بيتها وأيضا بحث الظروف التي تلد فيها، وأن تخصص القابلات وقتا أطول مما كان متاحًا لتقديم المساعدة اللازمة».
أخيرًا، وفق أحدث الإحصائيات الرسمية في هولندا، فإن 380 ألف هولندي أصولهم مغربية يعيشون داخل البلاد، البالغ تعداد سكانها 17 مليون نسمة. ويقدر البعض أن حجم الجالية المسلمة الهولندية إجمالاً بأكثر من مليون نسمة. وكان الجيل الأول من المغاربة قد وصل إلى هولندا منذ خمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي وجاء هؤلاء للعمل في إصلاح ما دمرته الحرب العالمية الثانية. واليوم هناك أجيال متعاقبة من المغاربة، السواد الأعظم منهم نجحوا في الاندماج في المجتمع واحتلوا مناصب مرموقة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.