ناشدتني إحدى الزوجات البائسات أن أكتب عن أهمية الجلوس في وضعية مناسبة صحيًا. وقالت: «زوجي يجلس لساعات كثيرة يوميًا عاكفًا على جهاز الكومبيوتر الخاص به. وقد حذرته مرارًا أن هذا ستكون له تداعيات سلبية على جسده، ونصحته بأن يجلس مستقيم الظهر، لكنه لم يعبأ بما أقول. وبما أنه يحرص على قراءة مقالاتك أسبوعيًا، فقد ينصت إليك».
ومن هنا نبدأ: نعم، سيدي العزيز، عليك الإنصات لزوجتك، ذلك أن الجلوس على نحو مترهل يضر بالصحة. ولا يقتصر هذا الضرر على الصحة البدنية فحسب، وإنما كذلك على سلامتك النفسية والاجتماعية. عليك التحرك فورًا نحو نقل هذا الكومبيوتر إلى سطح مرتفع على نحو مناسب والحصول على مقعد داعم يمكنك من الجلوس بظهر مستقيم يجعل رأسك متعامدا بشكل مباشر فوق كتفيك بينما تتركز عيناك على الشاشة.
* وضعية الجلوس
* كشخص قصير معرض لآلام الظهر، أدركت منذ أمد بعيد قيمة الجلوس في وضعية مناسبة، وأصبحت لدي معرفة بطريقة الجلوس التي تحد بأقصى درجة ممكنة من الضغط على عمودي الفقري والعضلات والأربطة الداعمة لها. وفي غضون ثوان من جلوسي على مقعد بسيارة ما، أدرك ما إذا كان المقعد سيتسبب لي بألم في الظهر أو الرقبة. وعندما أقدم على استئجار سيارة، أحرص على تجريب سيارة تلو الأخرى حتى أصل لواحدة يتناسب تصميم مقاعدها مع قوامي شديد القصر.
وقد اشتريت سيارتي الحالية، وهي سيارة «ميني فان» طراز تويوتا سينا، لأنني شعرت فور جلوسي بها خلف مقود القيادة، بالارتياح. وداخل السيارة، وجدت أن ظهري بأكمله مدعوم، وعليه لم أشعر بوخز في جسمي، على خلاف ما يحدث لي في كثير من السيارات الأخرى. في هذه السيارة، كان بمقدوري رؤية الطريق أمامي بسهولة من فوق مقود القيادة من دون الحاجة لحني رأسي نحو الخلف، الأمر الذي لا يتحقق في غالبية السيارات الأخرى. كما أن باستطاعتي الوصول إلى الدواسات في أرضية السيارة من دون الحاجة إلى مد قدمي بصورة مفرطة وشد الجزء الأسفل من ظهري.
في الواقع، فإن اتخاذ وضعية خطأ في الجلوس يمكن أن يخلف تأثيرات سلبية على مختلف أجزاء الجسم، مسببًا آلاما في الظهر والرقبة وإرهاقا بالعضلات ومتاعب بالتنفس والتهاب المفاصل ومشكلات بالهضم واضطرابات بالحالة المزاجية. ويمكن أيضًا أن يتسبب في خلق انطباع سلبي عند التقدم لوظيفة أو بدء علاقة جديدة أو بناء صداقات.
ويمكن كذلك أن يتسبب الجلوس أو الوقوف في وضعية غير مناسبة في جعلك عرضة لجرائم الشوارع، حيث خلصت مجموعة من الباحثين منذ سنوات عدة ماضية إلى أن النساء اللائي يسيرن ببطء مع تركز أبصارهن على الأرض، كما لو أنهن يحملن أعباء العالم فوق أكتافهن، أكثر عرضة للسرقة عن الأخريات اللاتي يسرن بخفة وقامة منتصبة.
* «طاقة» انتصاب القامة
* بوجه عام يمكن القول بأننا نعيش في حقل تجاذبي، وعندما تكون أجسادنا غير متسقة مع عضلات رأسية بعينها، فإن ذلك سيجبرنا على بذل مجهود أكبر عن الآخرين للإبقاء على أجسادنا مستقيمة. ويمكن أن يسفر ذلك عن إرهاق وتعب لا داعي لهما يمكن أن يستمرا لمدة طويلة.
وفي إطار دراسة شملت 110 طلاب بجامعة ولاية سان فرانسيسكو، جرى توجيه نصف الطلاب للسير على نحو مترهل، بينما جرى توجيه النصف الآخر للسير بسرعة ورشاقة عبر إحدى القاعات. وخلص الباحثون إلى أن المجموعة التي سارت برشاقة تمتعت بقدر أكبر بكثير من الطاقة على امتداد اليوم.
ويمكن القول إنه بوجه عام، يؤدي اتخاذ الجسم لأي وضع متكرر، أو لفترة طويلة، على تدريب عضلات الجسم وأوتارها على تقصير أو إطالة نفسها، الأمر الذي يخلق ضغوطًا على العظام والمفاصل على نحو يعيد تشكيلها لفترة طويلة، وربما بصورة دائمة.
ومثلما أن السير في أحذية عالية الكعب بإمكانه دفع أوتار كعب أخيل نحو تقصير وتضييق نفسها مع تعرض الجسد لوخز في عظام الربلة، فإن اتخاذ وضعية مترهلة في الجلوس ساعة بعد أخرى يمكنه خلق حالة دائمة من الترهل بالجسم حتى أثناء الوقوف والسير. علاوة على أن الترهل يمكن أن يتسبب في تقوس أبدي في الكتفين والجزء الأعلى من الظهر.
وفي الوقت الذي قضى البشر الأوائل الجزء الأكبر من ساعات صحوهم في السير والجري والوقوف، فإنه داخل الدول المتقدمة اليوم يجري أداء 75 في المائة من الأعمال أثناء الجلوس. كما يجلس غالبية الأفراد أثناء الذهاب إلى والقدوم من العمل، وكذلك أثناء فترة الراحة من العمل. وكلما طال أمد فترة جلوس الإنسان (أو وقوفه)، من دون تغيير في الوضعية والحركة، زادت احتمالات تعرضه لآلام في الظهر، تبعًا لما ورد بتقرير نشرته «دورية العلاجات التداخلية والفزيولوجية» (جورنال أوف مانيبيوليتيف آند فيزيولوجيكال ثرابيوتكس).
* أضرار الجلوس
* وقد أوضح دين إل. فيشمان، الأخصائي في علاج العمود الفقري بفلوريدا، أن قضاء ساعات بوضعية تدفع الرأس نحو الأمام والأسفل أثناء استخدام أجهزة إلكترونية يؤدي إلى شد متكرر في الرقبة. ويسفر ذلك بدوره عن شد بالعضلات خلف الرقبة والجزء الأعلى من الظهر. كما أن من يميلون نحو الأمام أثناء الجلوس قد يميلون كذلك بدرجة أكبر للشد على عظام الفك وعضلات الوجه، ما يسبب صداعًا وعرض خلل المفصل والصدغي الفكي.
كما أن الانحناء نحو الأمام أو اتخاذ وضعية مترهلة يمكن أن يحد من قدرة الرئتين بنسبة تصل إلى 30 في المائة، ما يقلل كمية الأكسجين التي تصل أنسجة الجسم، بما في ذلك المخ.
كما أن الجلوس على نحو متقوس يضغط على الأعضاء بمنطقة البطن وقد يحد من الحركة الاستدارية المهمة لعملية الهضم العادية وعمل الأمعاء.
ومن بين أخطر الأمور التي يتعرض لها الأفراد اليوم، خاصة الأطفال والمراهقين الذين لا يزال هيكلهم العظمي في طور النمو، حمل أثقال كبيرة للغاية على الظهر ذهابًا وإيابًا من المدرسة، الأمر الذي يجبرهم على الانحناء نحو الأمام، الأمر الذي قد تترتب عليه ذات التداعيات المترتبة على الوضعية المترهلة للجلوس أو الوقوف.
ومن بين العادات التي تنصح الخدمة الوطنية للصحة ببريطانيا بتجنبها ما يلي:
* الوقوف بظهر مسطح، مع دخول الحوض للداخل واتخاذ الجزء الأسفل وضعًا مستقيمًا (يوجد بالعمود الفقري الطبيعي ثلاثة منحنيات - في الرقبة، والصدر، والجزء الأدنى من الظهر).
* الوقوف مع ضغط الصدر نحو الأمام والضغط على الأرداف باتجاه الخلف (يطلق عليه وضعية البطة دونالد دوك).
* الميل نحو ساق واحدة، وفرض ضغط لا داعي له على جانب واحد من الجزء الأسفل من الظهر والفخذ.
* الميل بالرأس نحو الخلف ودفع الذقن نحو الأمام أثناء التطلع في شاشة كومبيوتر أو تلفزيون. بدلاً من ذلك، عليك بخفض الشاشة أو رفع المقعد لأعلى.
* حمل الهاتف باتجاه كتف واحد. بدلاً من ذلك، عليك استخدام سماعة خارجية.
ولا تنسوا أن تحسين وضعية الجلوس أو الوقوف يتطلب مجهودًا مستمرًا، وأحيانا تدريبات على المرونة لتصحيح التفاوتات بين العضلات، حسبما أوضح نيك سينفيلد، المعالج الفيزيولوجي المعني بتصحيح أوضاع العضلات.
* خدمة «نيويورك تايمز».