يترقب السودانيون وعشاق الأفلام انطلاقة الدورة الثالثة من «مهرجان السودان للسينما المستقلة»، لإرواء ظمئهم لسينما حرموا منها طويلاً، بسبب إغلاق معظم دور السينما في البلاد لسياسات ثقافية، رأت في السينما «منكرًا» يستوجب هدم أوكاره، وينتظرون منه منح السينما السودانية «قبلة حياة» تعيد إليها أنفاسها التي قطعتها الرقابة الآيديولوجية. وتفتتح أعمال المهرجان التي تستمر لأسبوع اليوم (الخميس) من الشهر الحالي بجزيرة توتي وسط الخرطوم، وتقدم فيه أكثر من 90 فيلمًا من 35 دولة، وتشهد هذه الدورة على وجه الخصوص تقديم جائزة السينمائي والفنان السوداني الراحل حسين شريف، وتحمل اسم «جائزة الفيل الأسود» لأفضل فيلم سوداني وتتنافس عليها 7 أفلام، وتشترك في اختيار الفيلم الفائز لجنة تحكيم دولية، كأول جائزة سينمائية من نوعها في البلاد.
ومن أهم الأفلام التي ينتظر عرضها في الدورة الجديدة للمهرجان الفيلم الأردني «ديب»، وهو من إخراج ناجي أبو نوارة، وهو من الأفلام المرشحة لأوسكار القائمة القصيرة لفئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، والفيلم القصير الحائز على السعفة الذهبية للعام 2015 «موج 98» من إخراج اللبناني «إيلي داغر».
واختار المهرجان دولة فلسطين دولة «شرف» المهرجان احتفاءً بسينما المقاومة الثقافية، وقدرة البشر على المقاومة، وتشارك فلسطين بعدد من الأفلام وأشهرها «السلام عليك يا مريم» للمخرج باسل خليل، المصنف ضمن القائمة المختصرة لأفضل فيلم قصير في أوسكار 2016.
ويقول رئيس المؤسسة المنظمة للمهرجان «سودان فيلم فاكتوري» ومديره، طلال عفيفي، إن الدورة الثالثة ستشهد تقديم عروض من الأفلام العالمية والعربية والأفريقية المميزة لم يعرض معظمها في الشرق الأوسط أو أفريقيا، اختارتها بإحكام لجنة مختصة، إضافة إلى استحداث جائزة حسين شريف لأفضل فيلم سوداني.
وتعمل «سودان فيلم فاكتوري» والتي بدأت في تنظيم «مهرجان السودان للسينما المستقلة» منذ عام 2014، في مجالات التدريب السينمائي، وقد دربت مجموعة الفنانين الشباب السودانيين، مستعينة بشراكات ذكية مع مؤسسات ومنظمات من بينها «اليونيسكو» التي تشارك أيضًا في المهرجان.
ويضيف عفيفي في إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن المهرجان يهدف لـ«لفت النظر والانتباه» لأهمية السينما وارتباطها بالثقافة والفنون والتعليم والتنمية، بمواجهة الظروف التي تعانيها في البلاد، ويقول: «من هذه الوجهة استطعنا تنظيم الكثير من ورش العمل، وخلقنا تعاونًا مع وزارة الثقافة الاتحادية، وبعض الثقة بيننا وبين المانحين في المراكز الثقافية الأجنبية».
ويرجع عفيفي تعثر - بل توقف السينما السودانية - إلى أسباب كثيرة، من بينها غياب التخطيط الاستراتيجي، ما جعل عبء السينما يقع على أفراد، لم يستطيعوا الاستمرار، إضافة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها البلاد، ما أدخل المريض – السينما – إلى «غرفة الإنعاش»، والمهرجان يهدف للحفاظ على حياتها، على ألاً تطول فترة النقاهة أكثر من 5 سنين.
وعلى الرغم من أن أول فيلم سينمائي تم تصويره وعرضه في السودان بمدينة الأبيض 1912، فإن السينما وعشاق السينما احتفلوا أخيرًا بعوده سينما «الزمالك» بمدينة ود مدني لعرض الأفلام مجددًا في الثامن من الشهر الحالي، بعد توقف معظم دور السينما في البلاد عن عرض الأفلام، وتحولت شاشاتها ومقارها إلى مبانٍ مهجورة، فيما أعمل التكسير والهدم معوله في معظم دور السينما في العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى.
وظل جمهور السينما منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، ينتظر مهرجانات الأفلام التي تنظمها المراكز الثقافية الأجنبية في البلاد، مثل «أسبوع الفيلم» الأوروبي، أو اللجوء إلى دور العرض «المتبقية» القليلة، ليشاهد أفلام التيرسو الهندية، أو أفلام الحركة «أكشن» التي لا تحمل أي مضامين ثقافية أو فنية.
وبعد أن شهدت الفترة ما بعد الاستقلال وحتى ثمانينات القرن الماضي دورًا متعاظمًا واهتماما كبيرًا بفن السينما، فإن انقلاب 1989 ذا التوجه الإسلامي، شرع في إغلاق دور العرض واحدة تلو الأخرى، ولم يبقَ منها سوى بضع دور تعرض أفلاما هندية رخيصة، دون إظلام القاعات، كسابقة في تاريخ السينما، ما أوقف بشكل كامل الإنتاج السينمائي في البلاد، بعد تصفية مؤسسة الدولة للسينما ووقف عمل قسم السينما في مصلحة الثقافة، ووحدة السينما في التلفزيون، وإغلاق نادي السينما السوداني.
وفرضت السلطات الحكومية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي رقابة «دينية» مشددة على الإنتاج السينمائي، بلغت حد منع عرض فيلم تسجيلي قصير عن الحياة البرية، ولا يعرف ما هي أسباب المنع، لكن الرواية الشعبية المتداولة أن عرض الفيلم منع لأن «أرداف الزرافة موحية».
وفيما يعتبر فيلم «أحلام وآمال» من إخراج إبراهيم ملاسي وأول فيلم روائي طويل في تاريخ السودان عام 1970 البداية الفعلية للفيلم الروائي الطويل في البلاد، فإن فيلم «شروق» لأنور هاشم يعد أول فيلم تمنعه الرقابة السودانية.
وأنتج المخرج الكويتي خالد الصديق عام 1976 لفيلم «عرس الزين» المأخوذ عن رواية الطيب صالح التي تحمل ذات الاسم، بجانب الأفلام التي سبقته مثل «تاجوج، بركة الشيخ» للمخرج جاد الله جبارة، وتعد من أشهر أفلام الإنتاج السينمائي السوداني.
وتعتبر أفلام التشكيلي والسينمائي حسين شريف، والذي استحدثت لجنة المهرجان «جائزة الفيل الأسود» احتفاءً بذكراه، مثل «انتزاع الكهرمان» من روائع الأفلام القصيرة عربيًا ودوليًا، فيما تجسد أفلام شيخ السينمائيين السودانيين إبراهيم شداد حال الإنسان السوداني في فيلميه «جمل، الحبل».
ويعتبر رئيس قسم برمجة المهرجان المخرج أمجد أبو العلا الأسبوع إضافة للسينما السودانية، ويقول في إفادته لـ«الشرق الأوسط» إنه بالإضافة لتنشيطه للإنتاج السينمائي، يستضيف صناع سينما عالميين ليبذلوا خبرتهم وتجاربهم للسينمائيين السودانيين، ويأتي بأفلام مميزة لجمهور السينما، بما يسهم في إرجاع السينما السودانية لحيز الفعل بعد أن توقفت طويلاً.
ويوضح أن مبادرات سينمائية أخرى إضافة إلى مهرجانه، مثل «سينما شباب، تهارقا» وغيرها تعمل إلى إعادة الحياة للسينما السودانية، وتنير الدرب بما يتيح للناس معرفة التطور الذي بلغته السينما العالمية، ويفتح أمامها آفاقًا تعطيها قبلة الحياة.
وتأسست «سودان فيلم فاكتوري» عام 2010، ونظمت عددا من ورش التدريب المتطورة في السيناريو والتصوير والإخراج والمونتاج، وأنتجت عددا من الأفلام الروائية والوثائقية والتوعوية، بلغت 44 فيلمًا، شاركت الكثير منها في مهرجان سينمائية حول العالم، ثم أطلقت مهرجان السودان للسينما المستقلة عام 2014، باعتباره واحدًا من المشاريع الثقافية المتميزة فنيًا وتنظيميًا.
مهرجان السودان للسينما المستقلة يستحدث جائزة «الفيل الأسود»
90 فيلمًا بينها «ديب» و«السلام عليك يا مريم»
مهرجان السودان للسينما المستقلة يستحدث جائزة «الفيل الأسود»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة