مقاهي فيينا.. تتبارى بتاريخها وأثاثها الفاخر

تستضيف فعاليات ثقافية ورسمية

مقاهي فيينا.. تتبارى بتاريخها وأثاثها الفاخر
TT

مقاهي فيينا.. تتبارى بتاريخها وأثاثها الفاخر

مقاهي فيينا.. تتبارى بتاريخها وأثاثها الفاخر

بعد أجواء دافئة على غير المعتاد في مثل هذا الوقت من السنة، فوجئ سكان فيينا بموجة ثلوج مع قراءات لأحوال الطقس تبشر بمزيد من البرد ومزيد من الجليد.
ومع نزول الثلوج وانخفاض درجات الحرارة، اكتست المدينة روحا جديدة، وفي ظل برد قارس كهذا، لجأ النمساويون لزيارة المقاهي لتناول المشروبات الساخنة.
ومن جانبها، زادت المقاهي من كفاءاتها لمواجهة الضغط وكثافة عدد الزوار ممن يحتاجون لملجأ دافئ يحميهم من البرد ويرحب بهم ويوفر لهم أجواء ثقافية واجتماعية مسترخية ومبهجة.
ولا تقتصر خدمات المقاهي الكبيرة على تقديم المشروبات والحلويات والأطعمة، بل تستضيف ندوات ونقاشات سياسية وصفقات تجارية ومؤتمرات صحافية، وهذه ميزة من مميزات المقاهي النمساوية التي تؤجر قاعات مجهزة لاستضافة المؤتمرات الصحافية والفعاليات الثقافية لتقديم قراءات شعرية ونقاش كتب بالإضافة لإمكانية عقد لقاءات واجتماعات ودعوات بما في ذلك تلك الرسمية بالغة الأهمية.
وحسب ما روته المؤرخة غيترود غوزنباور لـ«الشرق الأوسط»، فإن النمسا وفيينا على وجه الخصوص لحقت مدنا أوروبية أخرى عرفت قبلها ثقافة المقاهي عن طريق الصدفة بعد الحصار التركي الثاني للمدينة عام 1683، وذلك عندما طلب ضابط بولندي من الإمبراطور مكافأته على خدمات تجسسية بمنحه جوالات البن التي خلفها الأتراك وهم ينسحبون. وحسب تلك الرواية المتداولة، فإن الضابط واسمه، جورج فرنس كولشتسكي، كان قد لاحظ ما يفعله الأتراك بتلك الحبوب ذات الرائحة النفاذة، وتذوق طعم مشروبها وأعجبه، وهكذا كان أول من منح ترخيصا لافتتاح مقهى.
من جانبها، ترجح مراجع أخرى أن يكون الجاسوس الأرمني، يوهانس ديادوتو، هو أول من افتتح مقهى في فيينا حسب ما تعلمه في بلاده.
على كل، فقد كرمت فيينا الجاسوسان بإطلاق اسم كولشتسكي على شارع، واسم ديادوتو على ميدان، وللمفارقة كلاهما يقع بالمنطقة الرابعة المعروفة بـ«الحزام الدبلوماسي»!
عبر التاريخ عاصرت مسيرة المقاهي بالعاصمة فيينا وغيرها من المدن تغييرات تعد ثورية، ومن ذلك إدخال الصحف وتوفيرها للزبائن يوميا منذ عام 1720، وهو لا يزال تقليدا متبعا رغم انتشار الصحف الإلكترونية وقلما يتجاهله مقهى من المقاهي المعروفة؛ بل أصبحت مقاهي أكثر ثراء توفر مجلات أسبوعية تعلق على مقبض خشبي لضمان بقائها بالمقهى، وخشية أن ينسى زبون إرجاعها والخروج بها.
بعد هزيمة نابليون للنمسا عام 1797 وخلال «الحصار القاري» ساءت أحوال المقاهي بالنمسا، ففكر أصحابها في تقديم وجبات بسيطة علها تزيد من المداخيل، فطوروا خدماتهم من مجرد مشروبات خفيفة، لتقديم الوجبات، وتوسعت المطابخ مقدمة الأكلات النمساوية التقليدية مثل «الفيينا شنتزل» و«القلاش».
وفي ما بعد انعقاد مؤتمر فيينا (1814 – 1815) الذي أعاد رسم خريطة أوروبا وفق تحالفات سياسية ضد التغيير بقيادة وزير الخارجية النمساوي الأشهر الأمير كليمنس فون مترنيش، شهدت فيينا كثيرا من الحفلات والبذخ، كما استمتعت المدينة بالفخامة والحياة الإمبراطورية المرفهة، مما أعاد لمقاهيها الرواج والمكانة، فازدانت بأثاث الصالونات والثريات الكبيرة، مما أكسبها سمعة رفيعة حاولت بعض العواصم الأوروبية تقليدها.
وحتى اليوم تفتخر مقاه حول قصر «هوفبورغ» وقصر «شونبرون» بزيارات الإمبراطور والإمبراطورة لهما، ناهيك بسيدات البلاط ورجال الجيش والدولة ممن كانوا يفضلون مقهى «ديميل» ومقهى «هوفبورغ» ومقهى «زاخر» و«كافي سنترال» الذي لا يزال كأنه قاعة من قاعات القصر الإمبراطوري بأعمدته الشاهقة ومعماره المميز.
وقوبل ذلك الانفتاح تجاه المقاهي بالترحيب، خصوصا من قبل سيدات الطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية؛ فمع مرور السنين والثورات الاجتماعية والمساواة أصبح أمرا غير مستهجن ألبتة أن ترتاد المرأة المقهى وحيدة دون الحاجة لرفقة.
وحتى بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار إمبراطورية الهابسبرغ، لم يجد مفكرون وعلماء وفلاسفة مكانا يناسب لقاءاتهم كالمقاهي، فانتشروا من مقهى لآخر. وفي هذا السياق، ارتبطت مقاه معينة بأسماء شخصيات عامة اهتمت بالعلم والأدب والفن والسياسة، فعرف مقهى «الميوسيم» بكثرة زبائنه من الفنانين أمثال غوستاف كليمت، وايقون شيلا، وعدد من المعماريين، في مقدمتهم هندرت فاسر، فيما اشتهر مقهى «لانتدمان» بزيارات أشهر الأطباء النفسانيين سيغموند فرويد، وفي فترة الحرب الباردة بلقاءات الجواسيس من المعسكرين، ثم في فترة أقرب بزيارات المشاهير من الممثلات والمغنين أمثال مارلين ديتريتش قديما، وحديثا أمثال بول ماكارتني، ومن السياسيين هيلاري كلينتون وزوجها، ولا يزال المقهى المفضل للسياسيين النمساويين لقربه من دور الأحزاب والبرلمان ورئاسة حكومة إقليم فيينا ومقر عمدتها. ورغم أن المقاهي التقليدية تعرضت لضربة بعد انتشار ثقافة المقاهي الإيطالية وظهور مقاه أميركية، فإن النمسا عموما، ومدينة فيينا على وجه الخصوص، نجحت مرة أخرى في فرض ثقافة مقاهيها الفخمة بأجوائها المميزة ذات السحر الهادئ الخاص، التي ترحب بالزائر ضيفا وليس مجرد عميل تتم معاملته بطريقة تجارية بقصد الربح، فالزبون عندهم ضيف يخدمه صاحب المقهى بكل أدب واحترام، وما دام الضيف جالسا، فبإمكانه طلب كوب ماء بارد مجاني دون أن يشعر بالحرج.
وقد تتساوى المقاهي النمساوية التقليدية في الجاذبية وزخم تاريخها، إلا أن زائر فيينا لا بد له من أن يزور، ولو لمجرد النظر «مقهى ديميل» الذي لا يبعد غير بضعة أمتار من قصر «هوفبورغ» الذي كان المقر الشتوي للإمبراطور وأمسى حاليا مقر الرئاسة والمستشارية والمكاتب الوزارية وسط قلب المدينة القديم.
يفتخر المقهى الذي أسس عام 1786 على نمط المعمار الباروكي الجديد، بأن الإمبراطور فرنس جوزيف وزوجته الإمبراطورة الجميلة سيسي كانا من أهم زبائنه.
ولا يزال «ديميل» محافظا على التقاليد ذاتها التي كانت متبعة إبان العهد الإمبراطوري، ويفتح أبوابه يوميا من التاسعة صباحا حتى السابعة مساء. وتلتزم العاملات فيه، ويسمونهن «الدميليترينن» بزي أسود مع كولة ومريلة بيضاء، ويخاطبن الزبائن، عكس المتبع في كل المقاهي الأخرى، بما هو معهود في اللغة الألمانية بلفظ المفرد الثالث وكأنهن يعرفنهم معرفة شخصية حميمية.
لمقهى «ديميل» بالطبع صفحة على الشبكة العنكبوتية؛ بل له متحف خاص يحفظ تاريخه، كما يتميز بنافذة أو فاترينة هي الأشهر في المدينة، لما تعرضه من تشكيلات لحلويات تعكس ما تعيشه فيينا من أنشطة حالية وفق الموسم، أضف إلى ذلك، يوفر المقهى ركنا بداخله يسمح للزوار بمشاهدة عملية صنع الكيك وتزيينه.
في عام 1963 وبعد معركة قانونية طويلة، حسم مقهى «ديميل» بالتراضي قضية دارت بينه وبين فندق «زاخر»، أفخم فنادق فيينا الذي أقدم على بيع قالب الكيك النمساوي الأشهر المعروف باسم «قالب زاخر» على أنه الأصلي، مما يعني أن ذلك الذي يبيعه مقهى «ديميل» ليس الأصلي.
الكيكة محل النزاع القانوني يمكن وصفها بأنها قالب «تورتة» من طابقين قوامهما شوكولاته داكنة بينهما حشوة من مربى المشمش، وتكسوهما طبقة شوكولاته براقة (جاناش).
نشبت المعركة قانونيا بعدما ادعى كل بأن قالبه يصنع وفقا للوصفة الأصلية كما ابتكرها في عام 1832 المتدرب فرانز زاخر لتقديمها للأمير فينزل فون ميترنخ.
وكانت الكيكة قد انتقلت من قصر الأمير ميترنخ إلى مقهى «ديميل» حيث كان إدوارد زاخر ابن فرانز زاخر يتلقى دروسه مع رئيس الطهاة بالمقهى.
وحسب ما ينشط النمساويون في روايته، فإن الطرفان لم يحسما المعركة إلا بعد قبولهما شهادة من أكد علمه بأن زوجة فرانز زاخر لم تكن تشق كيكتها إلى نصفين لحشوها بمربى الخوخ كما أنها لم تغطها بطبقة شوكولاته، وأن ادوارد زاخر هو الذي كان يفعل ذلك، وبهذا سميت كيكة مقهى ديميل باسم «إدوارد زاخر الأصلية» وكيكة الفندق باسم «زاخر الأصلية».
وحسب ما يقوله العارفون بصناعة الحلويات والذواقة، فإن روعة الكيكة تعود أساسا لكونها هشة رغم دسامتها، ولطبقة الشوكولاته التي تغلفها والتي تصنع في سرية عالية بمزج نوعين من أفخم أنواع الشوكولاته المستوردة من ألمانيا وبلجيكا.
إلى ذلك، تقدم سواء هذه أو تلك أو غيرهما مما تجتهد مقاه أخرى في محاولة تقليده، مع كمية من الكريمة البيضاء غير المسكرة، فيما ينشط المقهى والفندق وغيرهما في التكسب منها بوصفها أفخم الحلويات النمساوية وإرسالها، حسب الطلب، لجميع أنحاء العالم بعد إضافة قيمة التوصيل بالطبع.
هذا، وتحتفل النمسا، الدولة الأوروبية الثرية والمحايدة سياسيا والمرفهة معيشيا، في الخامس من كل ديسمبر (كانون الأول) بـ«يوم تورتة زاخر» القومي.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.