هل سيعجز الناس عن منع طائرات من دون طيار من اختراق خصوصيتهم؟

حادثة «سفاح الدرون» تشعل سجالاً حول ملكية المجال الجوي

الأميركي ويليام مريديث أصاب طائرة من دون طيار حلقت فوق منزله ببندقيته ليلقب بـ{سفاح الدرون} (واشنطن بوست)
الأميركي ويليام مريديث أصاب طائرة من دون طيار حلقت فوق منزله ببندقيته ليلقب بـ{سفاح الدرون} (واشنطن بوست)
TT

هل سيعجز الناس عن منع طائرات من دون طيار من اختراق خصوصيتهم؟

الأميركي ويليام مريديث أصاب طائرة من دون طيار حلقت فوق منزله ببندقيته ليلقب بـ{سفاح الدرون} (واشنطن بوست)
الأميركي ويليام مريديث أصاب طائرة من دون طيار حلقت فوق منزله ببندقيته ليلقب بـ{سفاح الدرون} (واشنطن بوست)

كان ويليام ميريديث قد انتهى للتو من إعداد عشاء الشواء لأسرته عندما لمح طائرة دون طيار أو «درون» تحلق فوق بيته، حينها فعل ما وصفه بأنه التصرف البديهي لأي شخص يعيش في ولاية كنتاكي، أمسك ببندقيته طراز «بينيلي إم 1 سوبر 90» وصوبها تجاه الطائرة وأفرغ محتوى ثلاث خزن من طلقات الخرطوش.
ووفق ميريديث، مالك شركة تأجير الشاحنات الذي لُقب مؤخرا بـ«سفاح الدرون»، «جاءت التعليقات السلبية الوحيدة من الليبراليين الذين يعارضون حيازتنا للأسلحة، وكذلك من كل من يمتلك طائرة دون طيار»، مضيفا أن إسقاط الرجل للطائرة دون طيار «كوادوكوبتر» التي تحمل كاميرا جاء تأكيدا على حقه في صون خصوصياته وممتلكاته.
وصرح جون بوغز، مالك الـ«كوادوكوبتر» وهاو لهذا النوع من الطائرات، بأنه كان فقط يحاول التقاط صور للمشهد من أعلى. وفى إفادته أثناء جلسة الاستماع في الدعوى التي أقامها ضد ميريديث في محكمة بولاية لويسفيل، قال بوغوز إنه ليس من حق ميريديث إطلاق النار على الكوادوكوبتر لأن الحكومة الأميركية وحدها هي من تسيطر على كل بوصة في سماء الولايات المتحدة.
وعلى مدى عقود طويلة، لم يشغل السؤال عمن له حق السيطرة على المجال الجوي للبلاد بال كثيرين، فالطائرات تحلق بعيدا على ارتفاع مئات الأقدام من سطح الأرض، غير أن الطائرات دون طيار التي تستطيع الإقلاع أو الهبوط في أي مكان، والتي تحلم شركات التكنولوجيا بأن تستخدمها في توصيل الطلبات إلى باب بيتك، أشعلت الجدل حول من يمتلك المجال الجوي الذي لا يتخطى ارتفاعه أمتارا قليلة عن أسطح المنازل متوسطة الارتفاع.
وحسب جيرمين سكوت، مستشارة الأمن القومي في مركز خصوصية المعلومات الإلكترونية، «هناك مساحة رمادية تحدد مجال ملكيتك للعقار، وسوف يناقش هذا الأمر في القريب العاجل بعد أن زاد وجود الطائرات دون طيار في مجالنا الجوي».
أصبح الأمر أكثر إلحاحا بعد أن ملأ ذلك النوع من الطائرات سماء الولايات المتحدة، وبحسب اتحاد مستهلكي التكنولوجيا، يقدر عدد الطائرات دون طيار التي جرى بيعها العام الماضي فقط بنحو 700,000 طائرة.
ووفق وكالة الطيران الفيدرالي، كل بوصة فوق عشب حديقة بيتك هي ملك للحكومة. وقال متحدث باسم وكالة الطيران مستندا إلى القوانين المدونة على الموقع الإلكتروني للوكالة، إن «وكالة الطيران هي المسؤولة عن أمان وإدارة المجال الجوي بدءا من الأرض».
عودنا القانون العام أن ملاك العقارات «لا يتمتعون بحقوق»، لكن اليوم من الواضح أنهم أصبحوا يتمتعون ببعض الحقوق. فكثير من المصممين وحتى المدن نفسها أصبحت تبيع حق استغلال مساحات الجو فوق مبانيهم، وحتى لو أن أفرع شجرة جارك تدلت فوق أرض بيتك فمن حقك قطعها.
وأثار ازدياد عمليات النقل الجوي التساؤلات عن النطاق الذي تنتهي عنده تلك الحدود وتبدأ عنده حقوق استخدام المجال الجوي. ففي الأربعينات من القرن الماضي، وصل الأمر إلى أروقة المحكمة العليا في قضية حملت اسم الولايات المتحدة ضد كوسبي بعدما أقام مُزارع دعوى ضد الحكومة بسبب استخدام الطيران العسكري للمجال الجوي فوق مزرعته أثناء الهبوط والإقلاع من مطار قريب. وقال المزارع إن الضوضاء أجبرته على ترك عمله في تربية الدجاج، الأمر الذي جعله يطالب بتعويض.
حكمت المحكمة بتعويض للمزارع، وأفادت بأن صاحب الملكية يمتلك «المساحة التي تعلو عقاره»، غير أن القضاة لم يحددوا بدقة مساحة المجال الجوي التي يحق للمالك السيطرة عليها، لكنهم تركوا مساحة رمادية كتلك التي يأمل بوغز في استغلالها في السوق المزدهرة للطائرات دون طيار. و«نمت هذه الصناعة بسرعة كبيرة، لكن ما يقيدها هو غموض تشريع الاستخدام من الناحية القانونية»، وفق جيمس ماكلر، محامٍ بمؤسسة فروست براون التي تمثل بوغز.
فإذا كان ملاك شركات التكنولوجيا يسعون إلى توصيل بضائعهم إلى بيوت المستهلكين بتلك الطائرات، فسوف يتحتم حينها تحديد مسار طيران الطائرة. هل مسموح للطائرة التي توصل الطلبات إلى بيتك بالتحليق على ارتفاع 50 قدما؟ أم عليها التحليق على ارتفاع مئات الإقدام ثم النزول إلى فناء بيتك لتجنب التحليق فوق بيوت أخرى قريبة من بيتك؟
ويطالب بوغز بمبلغ 1500 دولار أميركي كتعويض عن طائرته المحطمة، لكن الأهم هو طلب بوغز من المحكمة أن تحدد ما إذا كان الارتفاع الذي كانت طائرته تحلق فيه فوق بيت ميريديث، خصمه في الدعوى، كان هو الارتفاع المسموح به أم أنه أقل من المسموح وفق قوانين الحكومة الفيدرالية.
المعقد في الأمر أن بوغز وميريديث رويا قصتين مختلفتين بشأن يوم الحادثة. فوفق بوغز، كانت الطائرة تحلق على ارتفاع نحو 200 قدم من الأرض، وهو الزعم الذي عززته صور التقطت بواسطة الطائرة. غير أن ميريديث أفاد بأن الطائرة كانت أقرب إلى بيته بكثير من هذا الارتفاع، وقامت قاضية بتبرئة ميريديث في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، معتمدة في حكمها على كثير من شهود العيان الذين أفادوا بأن الطائرة كانت تحلق تحت مستوى الأشجار.
وفى عام 2012، كلف الكونغرس الأميركي وكالة الطيران الفيدرالي بضم الطائرات دون طيار إلى المنظومة التي تخضع لإشرافها. ولم تنتهِ وكالة الطيران الفيدرالي حتى الآن من إتمام صياغة القوانين المتعلقة بذلك النوع من الطيران ومن المتوقع الانتهاء منها في يونيو (حزيران) القادم. ولا تقدم القوانين المقترحة سوى القليل عن مسألة حقوق الملكية، إلا أن الوكالة قالت إنه من غير المسموح للطائرة بالتحليق فوق منزل شخص لا تعنيه الصفقة المراد إتمامها. ولم تتعرض القوانين كذلك للطائرات التي يمتلكها هواه مثل حالة بوغز.
يقول البعض إن وكالة الطيران الفيدرالي هي من تمتلك الصلاحية القانونية لمعالجة قضية الخصوصية التي أثارتها تلك الطائرات. وبحسب ريان كالو، أستاذ القانون بجامعة واشنطن، فإن «وكالة الطيران لا تعبر مسألة الخصوصية دورها أو أمرا يتعلق بخبرتها».
وقالت وكالة الطيران إن البيت الأبيض يبذل جهدا بالتعاون مع بعض الوكالات وبيوت الخبرة وشركات إنتاج تلك الطائرات لمعالجة أمر الخصوصية الذي تنتهكه الطائرة دون طيار، غير أن النقاشات لن تسفر عن قوانين حازمة وسريعة. وفي الوقت الحالي، يعتمد ملاك المنازل على القوانين المحلية للتغلب على مضايقة تلك الطائرات، وفي بعض الحالات يقاضي ملاك المنازل مشغلي الطائرات الذين يحلقون على ارتفاعات منخفضة، وفق كالو. وقد يستطيع ملاك المنازل كذلك إقناع المشرعين بمقاضاة مشغلي تلك الطائرات في ظل قوانين انتهاك الخصوصية، والإزعاج والتلصص النافذة حاليا.
وبحسب المؤتمر الوطني للتشريع، في الوقت الذي تحركت فيه الحكومة الفيدرالية ببطء لصياغة قوانين الطائرات دون طيار، قامت 32 ولاية بسن قوانينها الخاصة وقراراتها بهذا الشأن، واختلفت القوانين من ولاية لأخرى. وتركت بعض الولايات الأمر برمته للقضاء للفصل في حالات انتهاك حرمة المنازل.
ويقول ميريديث إن اليوم الذي حلقت فيه طائرة بوغز، طراز «دي جي إي فانتوم» مزودة بكاميرا، فوق منزله كانت المرة الثالثة خلال 18 شهرا التي يرصد فيها ذلك النوع من الطائرات في محيط بيته، فقد استدعى الشرطة في المرتين السابقتين، لكنهم لم يفعلوا شيئا.
وأفاد ميريديث: «في المرة التي حلقت فيها طائرة بوغز فوق بيتي بعد أن جالت في المكان عدة مرات شعرت بضيق شديد». واختتم بقوله: «في رأيي إن الأمر لم يكن ليختلف كثيرا لو أن صاحب الطائرة وقف في ساحة بيتي ممسكا بكاميرا تصوير فيديو».

* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ{الشرق الأوسط}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».