الضغوط الاقتصادیة أجبرت طهران على قبول «النووي».. وخسائرها 150 مليون دولار يوميًا

اقتصادي إيراني: المشكلات لم تكن وليدة العقوبات ورفعها لا يحمل علاجًا سحريًا

جدارية مناوئة لأميركا تطل على أحد شوارع طهران أمس (أ.ف.ب)
جدارية مناوئة لأميركا تطل على أحد شوارع طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

الضغوط الاقتصادیة أجبرت طهران على قبول «النووي».. وخسائرها 150 مليون دولار يوميًا

جدارية مناوئة لأميركا تطل على أحد شوارع طهران أمس (أ.ف.ب)
جدارية مناوئة لأميركا تطل على أحد شوارع طهران أمس (أ.ف.ب)

رغم التفاؤل الحذر في إيران عقب إعلان التنفيذ الرسمي للاتفاق النووي ورفع الحظر الدولي عن المؤسسات المالية الإيرانية من قبل «جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك»، فإن الحكومة الإيرانية تواجه تحديات كبرى في مساعيها لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتعويض الخسائر الكبرى جراء العقوبات الدولية منذ 2006. وأعلن البنك المركزي الإيراني أنه سيحصل على الدفعة الأولى من الأموال المفرج عنها الأسبوع المقبل، كما قالت واشنطن إنها ستفرج عن مليار و700 مليون دولار.
ويتوقع أن تحاول حكومة حسن روحاني تفعيل الوعود الاقتصادية المعطلة بسبب العقوبات، وأن تعيد «الازدهار» إلى الاقتصاد، وأن يستمر التضخم في تسجيل التراجع وفق تأكيد رئيس البنك المركزي الإيراني، ولي الله سیف، الذي أكد الإفراج عن ثلاثين مليار دولار الأسبوع المقبل. ونفى سيف وقوف «المركزي» الإيراني وراء ارتفاع أسعار الدولار في إيران لتوفير مصادرها المالية، كما أنه حذر من التوقعات بشأن عودة أسعار العملات بما فيها قيمة الريال الإيراني إلى سابقها بعد رفع العقوبات.
بدورها، تنفي الحكومة الإيرانية أن تكون الأموال المفرج عنها مائة مليار دولار، مؤكدة أن الرقم الحقيقي لا يتجاوز ثلاثين مليار دولار. وكان موقع «خبر أونلاين»، التابع لرئيس البرلمان الإيراني، قد قال في سبتمبر (أيلول) الماضي إن الخسائر الإيرانية عقب تراجع أسعار النفط والعقوبات الدولية تبلغ يوميا 150 مليون دولار، وهو الرقم الذي يعادل المساعدات الحكومية التي أقرت منذ فترة الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، دفعها إلى المواطنين بعد تنفيذ العقوبات ورفع أسعار السلع الأساسية.
بدوره، كان مصدر حكومي مقرب من الفريق المفاوض النووي قد كشف لأسبوعية «صدا» الإصلاحية أن الضغوط الاقتصادية والمراكز الاقتصادية الإيرانية توقعت تضاعف الخسائر في 2016 في حال استمرار العقوبات، الأمر الذي أجبر إدارة الرئيس الإيراني على مواصلة المفاوضات النووية بجدية، بهدف الوصول إلى الاتفاق النووي و«إنقاذ البلد من الانهيار» و«الحفاظ على الأمن الداخلي».
وعن أولويات إيران بعد رفع العقوبات قال خبير الشؤون الاقتصادية الإيرانية، جمشيد أسدي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يترتب» على الحكومة الإيرانية دفع الديون الخارجية والداخلية وكذلك «تأمين تكاليف استيراد ما يوفر حاجات المواطن الإيراني، واستيراد الاحتياجات العامة في البلد»، مؤكدا أنه لا يوجد خيار ثالث لحكومة حسن روحاني بعد رفع العقوبات عن إيران.
ونوه بأن أهم تحديات تواجه إيران في زمن ما بعد تنفيذ الاتفاق النووي محاولتها رفع أغلب مشكلاتها الاقتصادية عند حصولها على الأموال المفرج عنها، وهي ما تعادل 25 مليار دولار، وأضاف: «كما هو معروف أن النظام الإيراني لديه كمية من الديون الخارجية والداخلية، وبسبب تراجع أسعار النفط تدهور الوضع الاقتصادي»، مضيفا أن الحكومة تحمل أكبر «مديونية» للمؤسسة المالية.
وتوقع الخبير الاقتصادي «عجز» الحكومة الإيرانية عن تخصيص المبالغ المفرج عنها في تأمين تكاليف المشاريع العمرانية والاستثمار، وقال «إنما سيساعدها ذلك على تحسين الأوضاع الرفاهية والمعيشية في أفضل حالات».
وفي هذا السياق، أوضح أسدي أن المشكلات الاقتصادية الإيرانية لم تكن وليدة العقوبات الدولية حتى يتحسن الوضع الاقتصادي برفعها عن البلد، مضيفا أن الاقتصاد في إيران يعاني مشكلات «بنيوية» في عدم اعتماده على السوق، قائلا إنها مشكلات ناتجة عن الفساد المتفشي في إيران منذ سنوات وازدياد معدل البطالة الواسع وتراجع الإنتاج، متابعا أن سياسة الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة فشلت في توفير ثمانين ألف فرصة عمل سنويا للحد من اتساع رقعة البطالة، وأوضح أنه يمكن أن يحمل رفع العقوبات تحسنا مؤقتا في الاقتصاد، لكنه لن يحمل معه «علاجا سحريا» للاقتصاد الإيراني «المريض».
وتواجه الحكومة الإيرانية تحديًا كبيرًا في تشجيع الاستثمار الأجنبي في الداخل الإيراني، كما أن المستثمر الإيراني يفضل الاستثمار الخارجي على الاستثمار في الداخل الإيراني، نظرا لتحكم الحرس الثوري في الاقتصاد واستثماره الواسع في المشاريع الحكومية.
من جهته، دعا رئيس الغرفة التجارية الإيرانية الصينية، أسد الله عسكر أولادي، إلى أن تخصص الحكومة الإيرانية الأموال المفرج عنها لتعزيز التصدير والإنتاج الوطني وخلق فرص العمل في إيران. كما طالب الحكومة بتجنب التركيز على الاستيراد، بل التركيز على مشاريع إنشاء الطرق والبنية التحتية الإيرانية، وتأسيس المصانع في كل المحافظات. وفي إشارة إلى معدل البطالة المرتفع، شدد عسكر أولادي على أن توفير فرص العمل لأكثر من ستة ملايين إيراني يجب أن يتصدر أولويات الحكومة بعد حصولها على مليارات الدولارات.
في غضون ذلك، قال مساعد وزير الصناعة والمعادن والتجارة الإيرانية، مجتبى خسروتاج، في تصريح لصحيفة «تعادل» الاقتصادية، إن الحكومة الإيرانية تتطلع بعد الإفراج عن ثلاثين مليار دولار إلى توفير الذخائر المالية للحكومة وتفعيل قطاع السياحة وتفعيل الملاحة الجوية عبر شراء الطائرات وتحديث الأسطول الجوي الإيراني، وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، وتقليل تكاليف تعامل المصارف الإيرانية في التعاملات الخارجية والشفافية في التجارة الداخلية والخارجية.
لكن وسائل الإعلام الإيرانية في الأيام الأخيرة تؤكد أن الحكومة الإيرانية تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب حجم التوقعات الكبيرة في الداخل الإيراني في ترتيب أولويات الحكومة، خصوصًا مع رهان الرئيس الإيراني على رفع العقوبات لتنفيذ عشرين وعدًا معطلاً من أصل 24 وعدًا اقتصاديًا قطعها على نفسه في الحملة الانتخابية.



برلمان كوريا الجنوبية يعزل الرئيس... ويون: سأتنحى ولن أستسلم

TT

برلمان كوريا الجنوبية يعزل الرئيس... ويون: سأتنحى ولن أستسلم

رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي في 7 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي في 7 ديسمبر (أ.ف.ب)

صوّت البرلمان في كوريا الجنوبية، السبت، على عزل الرئيس يون سوك يول، بعد محاولته الفاشلة لفرض الأحكام العرفية وعرقلة عمل المؤسسة التشريعية عبر اللجوء إلى الجيش في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقال يون سوك يول، عقب قرار عزله، إنه «لن يستسلم أبداً»، داعياً في الوقت ذاته إلى الاستقرار.

واحتشد عشرات آلاف المتظاهرين أمام الجمعية الوطنية في أثناء إجراء عملية التصويت، معبرين عن فرحتهم لدى إعلان رئيس البرلمان وو وون شيك نتيجة التصويت. وصوّت 204 نواب لصالح مذكرة العزل، في حين عارضها 85 نائباً، وامتنع ثلاثة نواب عن التصويت، وأُبطلت ثماني بطاقات تصويت. وكان ينبغي أن يوافق البرلمان على مذكرة العزل بأغلبية 200 صوت من أصل 300. ونجحت المعارضة، التي تضم 192 نائباً، في إقناع 12 من أصل 108 من أعضاء حزب السلطة للشعب الذي ينتمي إليه يون، بالانضمام إليها. وبذلك، عُلق عمل يون في انتظار قرار المحكمة الدستورية المصادقة على فصله في غضون 180 يوماً. ومن المقرر أن يتولّى رئيس الوزراء هان دوك سو مهام منصبه مؤقتاً.

«انتصار عظيم»

قال زعيم الحزب الديمقراطي الذي يمثّل قوى المعارضة الرئيسة في البرلمان، بارك تشان داي، بعد التصويت، إن «إجراءات العزل اليوم تمثّل انتصاراً عظيماً للشعب والديمقراطية»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقبل التصويت، أكد بارك في كلمة أمام البرلمان، أن فرض الأحكام العرفية يشكّل «انتهاكاً واضحاً للدستور وخرقاً خطيراً للقانون»، مضيفاً أن «يون سوك يول هو العقل المدبر لهذا التمرد».

رئيس الجمعية الوطنية وو وون شيك يوقّع على قرار عزل رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في 14 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأضاف: «أحضكم على التصويت لصالح العزل من أجل ترك درس تاريخي مفاده بأن أولئك الذين يدمّرون النظام الدستوري سوف يُحاسبون»، لافتاً إلى أن «يون سوك يول هو الخطر الأكبر على جمهورية كوريا». وفي السابع من ديسمبر الحالي، فشلت محاولة أولى لعزل يون عندما غادر معظم نواب حزب السلطة للشعب الجلسة البرلمانية لمنع اكتمال النصاب القانوني.

مظاهرات واسعة

عند إعلان عزل يون، عبّر نحو 200 ألف متظاهر كانوا محتشدين أمام الجمعية الوطنية عن فرحهم، ورقصوا على أنغام موسيقى البوب الكورية الصاخبة، كما احتضنوا بعضهم فيما كانوا يبكون، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وقالت تشوي جانغ ها (52 عاماً): «أليس من المدهش أننا، الشعب، حققنا هذا معاً؟».

كوريون جنوبيون يحتفلون بعد عزل البرلمان الرئيس يون سوك يول في 14 ديسمبر (رويترز)

في المقابل، تجمّع آلاف من مناصري يون في وسط سيول، حيث حُملت أعلام كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وقال يون للتلفزيون إنه «محبط للغاية»، مؤكداً أنه «سيتنحى جانباً لبعض الوقت». ودعا إلى إنهاء «سياسة الإفراط والمواجهة» لصالح «سياسة التروي والتفكير». وأمام المحكمة الدستورية ستة أشهر للمصادقة على قرار البرلمان أو نقضه. ومع تقاعد ثلاثة من قضاتها التسعة في أكتوبر (تشرين الأول) من دون أن يجري استبدالهم بسبب الجمود السياسي، سيتعيّن على الستة المتبقين اتخاذ قرارهم بالإجماع. وإذا تمّت الموافقة على العزل فستُجرى انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة ستين يوماً. وتعهّد رئيس المحكمة مون هيونغ باي باتخاذ «إجراء سريع وعادل»، في حين دعا بقية القضاة إلى أول اجتماع صباح الاثنين.

تحديات قانونية

ويون سوك يول (63 عاماً) هو ثالث رئيس في تاريخ كوريا الجنوبية يعزله البرلمان، بعد بارك جون هيي في عام 2017، وروه مو هيون في عام 2004، غير أن المحكمة العليا نقضت إجراءات عزل روه موه هيون، بعد شهرين على اتخاذ القرار بعزله من قبل البرلمان. وباتت الشبكة القضائية تضيق على يون سوك يول ومعاونيه المقربين، بعد إبعاده عن السلطة وخضوعه لتحقيق جنائي بتهمة «التمرد» ومنعه من مغادرة البلاد.

زعيم الحزب الديمقراطي لي جاي ميونغ يُدلي بصوته خلال جلسة عامة للتصويت على عزل الرئيس يون سوك يول في 14 ديسمبر (أ.ب)

وكانت النيابة العامة قد أعلنت، الجمعة، توقيف رئيس القيادة العسكرية في سيول، كما أصدرت محكمة مذكرات توقيف بحق قائدي الشرطة الوطنية وشرطة سيول، مشيرة إلى «خطر إتلاف أدلة». وكان وزير الدفاع السابق كيم هونغ هيون، الذي يُعدّ الشخص الذي دفع الرئيس إلى فرض الأحكام العرفية، أول من تم توقيفه واحتجازه في الثامن من ديسمبر الحالي.

وأحدث يون سوك يول صدمة في كوريا الجنوبية ليل الثالث إلى الرابع من ديسمبر، عندما أعلن الأحكام العرفية للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود في البلاد، وأرسل الجيش إلى البرلمان، في محاولة لمنع النواب من الاجتماع. مع ذلك، تمكّن النواب من عقد جلسة طارئة في قاعة محاطة بالقوات الخاصة، وصوّتوا على نص يطالب بإلغاء الأحكام العرفية، الأمر الذي كان الرئيس ملزماً دستورياً على الامتثال له. وكان يون سوك يول مدعياً عاماً في السابق، وقد دخل السياسة متأخراً وانتُخب رئيساً في عام 2022. وبرر انقلابه الأخير بأنه لـ«حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تشكلها القوات الشيوعية الكورية الشمالية والقضاء على العناصر المعادية للدولة»، مُتهماً البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة بنسف كل مبادراته وتعطيل البلاد.