ساعدت الاستراتيجية المعروفة باسم «التفكير التصميمي» «design thinking» الكثير من رجال الأعمال والمهندسين على تطوير منتجات جديدة وشركات ناجحة. ولكن هل تنجح تلك الاستراتيجية في تطوير عادات أفضل؟ يقول برنارد روث، وهو أستاذ الهندسة البارز في جامعة ستانفورد، إن بإمكان التفكير التصميمي مساعدة الجميع على تشكيل نوع من العادات مدى الحياة التي تساعد على حل المشكلات، وتحقيق الأهداف، وجعل حياتنا أفضل.
ويقول الدكتور روث، مؤسس معهد هاسو بلاتنر للتصميم بجامعة ستانفورد ومؤلف كتاب بعنوان «عادة الإنجاز»: «إننا نمتلك جميعا القدرة على التجديد. ولقد طبقت التفكير التصميمي على حياتي الشخصية خلال الشهور القليلة الماضية، ويبدو أنه يؤتي ثماره. فلقد فقدت 25 رطلا (الرطل 153 غراما تقريبا) من وزني، وأعدت التواصل مع أصدقائي القدامى، وأعدت تركيز طاقتي على أهداف وعادات معينة».
ويضيف الدكتور روث قائلا: «ساعدني التفكير التصميمي على تحديد العوائق التي كانت تعترض طريقي وتمنعني من تحقيق أهدافي، كما ساعدني في إعادة صياغة مشاكلي حتى تكون أسهل على الحل». وعلى حد قول الدكتور روث، فإن التفكير التصميمي ساعده في «تجاوز الفشل في حياته».
* خمس خطوات
وللبدء في ذلك النهج، يركز أنصار التفكير التصميمي على خمس خطوات. ولكن أول خطوتين هما الأكثر أهمية. الخطوة الأولى هي «التعاطف» - بمعنى معرفة المسائل الحقيقية التي يجب التعامل معها. والخطوة الثانية هي «تحديد المشكلة» - وهي مهمة صعبة بصورة مذهلة. والخطوة الثالثة هي «التفكير» - أو العصف، أو الشحذ الذهني، ووضع القوائم، وكتابة الأفكار، والخروج بالحلول الممكنة. والخطوة الرابعة هي بناء النموذج الأولي أو وضع خطة العمل. والخطوة الخامسة والأخيرة هي اختبار الفكرة وتلقي ردود الفعل من الآخرين.
يتم تطبيق التفكير التصميمي في العادة من قبل الأشخاص الذين يحاولون إنتاج منتج جديد أو إيجاد حل لمشكلة اجتماعية أو تلبية احتياجات المستهلكين.
وعلى سبيل المثال، ذهب طلاب جامعة ستانفورد إلى ميانمار للعمل على مشروع للري هناك. وكانت الخطوتان الأوليان للتفكير التصميمي - التعاطف وتحديد المشكلة - تعنيان قضاء الطلاب لفترة مع المزارعين لتفهم مشاكلهم مع ري المحاصيل.
وأثناء تنفيذ ذلك، اكتشف الطلاب أن مشكلة المزارعين الحقيقية لم تكن في الري بل في الإضاءة، حيث استخدم المزارعون الشموع أو مصابيح الكيروسين للإضاءة، وبالتالي امتلأت أكواخهم بالدخان. وكانت إدارة احتياجاتهم للضوء من دون وجود مصدر للطاقة الكهربائية من الجهود المضنية التي تستهلك قدرا كبيرا من الوقت والمال.
نتيجة لذلك، استخدام طلاب التفكير التصميمي خطوة التعاطف لتحويل تركيزهم نحو المشكلة الحقيقية التي بحاجة للحل. وقاموا بتطوير لوحات إضاءة، منخفضة التكلفة، وتعمل بالطاقة الشمسية ومصابيح (LED) الرخيصة. ومن ثم تمكنوا من توفير ملايين المصابيح إلى 42 دولة، وإيجاد حلول للإضاءة في متناول الجميع في أجزاء من العالم لم تصلها الطاقة الكهربائية بعد، أو مشتركين في خدمات غير مستديمة.
* حلول لمشاكل شخصية
يقول الدكتور روث إن نفس طريقة التفكير التي ساعدت في حل مشكلة الإضاءة للمزارعين الفقراء في ميانمار يمكن تطبيقها ذاتيا. وللبدء، عليك التفكير حول المشكلة التي تريد حلها. ثم اسأل نفسك السؤال التالي: «ماذا سوف أصنع لنفسي إذا تمكنت من حل هذه المشكلة؟».
أحد الأمثلة التي يستخدمها الدكتور روث هو شخص يريد العثور على شريكة لحياته. فاسأل نفسك: «ما المشاكل التي سوف يحلها وجود شريكة أو رفيقة لحياتي؟» وإحدى الإجابات قد تكون أن وجودها يحل مشكلة الوحدة. والخطوة التالية تكمن في إعادة صياغة المشكلة: «كيف يمكنني العثور على رفيقة؟»، وهناك إجابات كثيرة وسهلة على ذلك السؤال - حيث يمكنك الالتقاء مع الأصدقاء على الإنترنت، أو حضور الدورات التدريبية، أو الاشتراك في النوادي، أو الخروج في رحلة جماعية، أو شراء حيوان أليف، أو قضاء بعض الوقت في الحدائق والمتنزهات.
يقول الدكتور روث «إن العثور على الزوجة الآن أصبح من السبل الكثيرة السهلة والممكنة للعثور على الرفقة في حياتك. وعن طريق تغيير السؤال المطروح، تمكنت من تغيير وجهة نظري للأمور ومن ثم ازدادت الحلول الممكنة لمشاكل حياتي».
* إنقاص الوزن
لسنوات، كنت دائما ما أقول إن أكبر مشاكلي هي زيادة الوزن، ولكنني لم أفلح في العثور على برنامج التخسيس المناسب لي. ولكن التفكير التصميمي ساعدني كثيرا في إعادة صياغة مشكلتي.
حدث ذلك قبل بضعة أشهر عندما رفضت دعوة لحضور حفل يوجد فيه الكثير من الأصدقاء الذين لم أقابلهم منذ سنوات. ولم أذهب بسبب أنني كنت محرجا للغاية من وزني الزائد، ولم أكن أميل لمقابلة الناس الذين كنت أقابلهم عندما كان وزني منخفضا. وأدركت أن مشكلتي مع الوزن الزائد باتت تعترض طريق حياتي.
كان الوقت مناسبا حينئذ للتفكير التصميمي. وعند هذه المرحلة، يقوم صاحب التفكير التصميمي بطرح السؤال التالي «ما الذي سوف يحققه فقدان الوزن بالنسبة لك؟».
ولقد كانت الإجابة مفاجئة بالنسبة لي. كنت أريد لشعوري نحو ذاتي أن يكون أفضل، وأقلل من الإحساس بالإجهاد، والاستمتاع بالمزيد من الطاقة والثقة للتواصل اجتماعيا مع الناس والأصدقاء. ولقد ساعدني تنفيذ خطوة التعاطف ذاتيا على إدراك أن فقدان الوزن لم يكن مشكلتي الحقيقية. بدلا منها، كنت في حاجة إلى التركيز على صداقاتي، وعلى تعزيز طاقتي للعمل، وأن أنعم بنوم أفضل.
ولذا صارت إعادة التواصل مع الأصدقاء والحصول على نوم أفضل هما التركيز الأول عندي. ومن ثم اشتريت ملابس جديدة، والتي سهلت علي كثيرا التخطيط لتواصلي الاجتماعي مع الناس.
وعلى نحو مفاجئ، فإن ذلك المنهج التعاطفي الجديد حيال احتياجاتي ومشاكلي أضاء لي بعض السبل لتحسين نظامي الغذائي. وعرفت أن زيادة الكربوهيدرات قرب وقت الغداء تصيبني بالتعب خلال النهار، ومن ثم توقفت عن تناول المزيد من السكريات والكربوهيدرات المعلبة ووجدت النتيجة في مزيد من الطاقة والقدرة على العمل. ومن خلال تحويل التركيز من فقدان الوزن إلى المشكلات الحقيقية الكامنة التي لها تأثير مباشر على حياتي، انتهى بي الأمر لفقدان 25 رطلا من وزني.
ولا يزال الطريق أمامي طويلا، ولكن تطوير خطوة التعاطف من الناحية الذاتية كان له أبلغ الأثر من واقع إمكانية التطبيق الفعلي للتفكير التصميمي.
ويقول الدكتور روث أخيرا إن «التفكير التصميمي، في مستواه الأعلى، أسلوب لإعادة صياغة الطريقة التي تنظر بها إلى العالم حولك وأسلوب للتعامل مع المشاكل، والفكرة الرئيسية في ذلك هي فكرة التعاطف. فإذا جربت طريقة لم تعمل أو تنجح، فربما أنك تحاول معالجة المشكلة الخاطئة».
* خدمة «نيويورك تايمز»