والد السعودي الذي أطلقت «ناسا» اسمه على كوكب : الهدوء دفعه للتميز والبحث العلمي

عبد الجبار الحمود.. مشوار من التميّز والمثابرة من أجل النهضة

عبد الجبار الحمود
عبد الجبار الحمود
TT

والد السعودي الذي أطلقت «ناسا» اسمه على كوكب : الهدوء دفعه للتميز والبحث العلمي

عبد الجبار الحمود
عبد الجبار الحمود

لم يكن يعلم أن شغفه بالعلوم سيقوده إلى وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية، لكن ما حصل له كان أكثر مما طمح إليه. الشاب السعودي عبد الجبار الحمود الذي حاز مشروعه العلمي على لقب أفضل مشروع حول العالم، وتبنته وكالة «ناسا»، معلنة عزمها تسمية أحد الكواكب باسمه، كان له مشوار طويل مع الإنجازات العلمية، بدأه في بلاده السعودية، ثم في دول خليجية وصولاً إلى الولايات المتحدة.
حقق عبد الجبار نجاحًا في إمكانية عزل الفيروسات عن النباتات الغذائية، وهي فرضية اشتغل عليها مبكرًا قبل التحاقه بالجامعة، وكانت الدراسات السابقة تفترض حقن النباتات بفيروسات تساعدها على التكيف البيئي وتحسن السلالات والإنتاج، لكن الحمود أثبت أن هذه الفيروسات يمكنها أن تتعدى إلى المنتجات نفسها، ومن ثّم تنتقل إلى الإنسان مما يجعل تناولها غير آمن.
هذا الإنجاز حمله إلى هيئة علماء نوبل، وتلقى تكريمًا خاصًا من وكالة ناسا، حيث أطلقت اسم «الحمود» على الكوكب الجديد الذي اكتشفه من قبل فريق البحث لديها في مختبرات لينكون بولاية نيومكسيكو الأميركية، نسبة إلى عبد الجبار الحمود، وذلك لما حققه من نجاح في أبحاثه العلمية، ونظير الثورة العلمية الجديدة التي قدمها في بحثه في مجال علم النبات الحيوي.
من جانبه، قال والده عبد الرزاق الحمود لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نعومة أنامله، كان عبد الجبار يتمتع بالهدوء وذا شخصية رزينة، يعتمد على جهده وفهمه في شؤونه المدرسية، يطلب المساعدة من والديه وإخوته عند الحاجة، لكن اعتماده على الصحف الإلكترونية العلمية، والبحوث العالمية منذ المرحلة الابتدائية، صقلت تفكيره وإدراكه ليتعدى مستوى الدرس المنهجي».
وأضاف: «خاض عبد الجبار تجارب عدة في المسابقات العلمية، منها مسابقات الروبوت العالمية التي بعثت فيه روح القيادة، ومشاركاته في مؤتمرات الأمم المتحدة التي أظهرت فيه حب المعرفة في مختلف المجالات. وقال والده عبد الرزاق الحمود، الذي تقاعد من العمل في شركة أرامكو السعودية العام الماضي، إن الإنجاز الذي حققه ولده عبد الجبار كان نتيجة مثابرة طويلة.
وبحسب والده، «شارك عبد الجبار في المسابقات العلمية على مستوى السعودية في نهاية المرحلة المتوسطة بمجهود شخصي وبدعم الوالدين المادي والمعنوي ودعم المدرسة في مجال الروبوت وكان حليفه الفوز بميدالية ودرع، وكذلك بجوائز رمزية، كما شارك في مسابقة المجال العلمي ببحث عن الطاقة، وتأهل على مستوى الشرقية ومن ثم تنافس على مستوى السعودية». وتابع والده: «في مرحلته الثانوية تأهل للنهائيات في بحث نظام الحماية من الحرائق (آي إس إس) الذي أقيم على مستوى المنطقة الشرقية، ثم على مستوى السعودية، ولم يتأهل لشرف المنافسة على المستوى العربي».
وأضاف: «كما شارك في المرحلة الثانوية مع زميل له في برنامج (ايسك) في قطر، ودخل مسابقة في الولايات المتحدة الأميركية في بحث استخراج الذهب من بكتيريا الستونيا باستخدام البيئة المعدنية الرملية».
أجرى عبد الجبار بحوثه في مختبرات جامعة الملك عبد الله للبحوث (كاوست) كجزء من دعم هذه الجامعة للموهوبين. وتوج عبد الجبار في مسابقة «إنتل آيسيف» العالمية، وحصل على المركز الأول، وتلقى دعوة من مركز نوبل للعلوم والأبحاث أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمدة عشرة أيام، بالإضافة إلى جوائز مادية.
وفي 9 ديسمبر 2015 ألقى عبد الجبار محاضرة في مركز نوبل في جامعة كارولينا للطب والأحياء عن مشروعه مع زميلين آخرين، وهو الفريق الذي حقق الفوز في مسابقة العلوم «إنتل آيسيف»، وشهدت كلمته إقبالاً من نحو 1500 باحث من مختلف المستويات حول العالم، وتضمن البرنامج لقاء وديًا بين عبد الجبار وبعض العلماء الحائزين على جوائز نوبل.
وتلقى عبد الجبار إشادة من عدد من العلماء المشاركين، معتبرين أن فحوى البحث الذي قام به عبد الجبار ومساعدوه، المتعلق بعلم الجينات للنباتات، يحمل تميزًا نوعيًا، وتوصل الفريق إلى مخاطر حقن النباتات بالفيروسات على الصحة العامة، فقد كان المتعارف في السابق حقن النبات بفيروس ليناسب ملاءمته للظروف البيئية وتحسين نوع النبات، ولكن النتيجة أن ذلك الفيروس يبقى في النبات، وقد يسبب ضررا جانبيا أو أساسيا للإنسان عندما يأكل الثمار، ويؤدي إلى حظر دخول المنتجات التي تحمل هذا الفيروس في الكثير من البلدان.
واستطاع عبد الجبار في بحثه العلمي والتطبيقي أن يتخلص من هذا الفيروس بحقن النبات بفيروس مضاد، بحيث يستطيع النبات التخلص من الفيروس المضر، وتصبح النبتة صالحة وخالية من الفيروسات المضرة، وكذلك إمكانية زرع النباتات المثمرة في غير بيئتها كصحراء السعودية، وهي الفرضية التي أثبتها في مختبرات (كاوست).
يدرس عبد الجبار اليوم في السنة التحضيرية جامعة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأميركية، ويطمح في الحصول على قبوله لبرنامج البكالوريوس والماجستير في الهندسة الحيوية، ثم تعزيزه بتكملة درجة الطب في واحدة من الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية.
يذكر أن عبد الجبار ينحدر من مدينة القطيف، بالمنطقة الشرقية، وتلقى تعليمه في الظهران، وكان يحرص كثيرًا على الالتحاق بالمسابقات والمهرجانات العلمية في العالم، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو اليابان أو دول أخرى تقدم منافسات ودورات علمية. وهو الأخ الأصغر لأربعة إخوة، تحمل شقيقته الكبرى حوراء درجة البكالوريوس في علوم وهندسة الحاسب من الولايات المتحدة الأميركية، كما يحمل شقيقه محمد درجة البكالوريوس في هندسة الكهرباء من الولايات المتحدة، ثم لجين الحاملة لدرجة بكالوريوس في نظم المعلومات من الولايات المتحدة أيضًا، أما شقيقه الأصغر مصطفى فيدرس في سنواته الأخيرة لإنهاء درجة الطب من جامعة الدمام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».