وادي بردى.. مصيف النظام السوري ومصدر قلقه

لعنة الجغرافيا طوقت المدنيين وجذبت العسكر.. وحصارها حرّك الأمم

وادي بردى.. مصيف النظام السوري ومصدر قلقه
TT

وادي بردى.. مصيف النظام السوري ومصدر قلقه

وادي بردى.. مصيف النظام السوري ومصدر قلقه

رفع حصار بلدة مضايا في ريف دمشق الغربي بسوريا، خلال الأسبوعين الماضيين، ملف بلدات وادي بردى الملاصق لحدود لبنان الشرقية إلى الضوء، ذلك أن الأهمية الاستراتيجية والحيوية لتلك المنطقة، وانعكاساتها على الأزمة السورية، دفعت بها إلى واجهة الأحداث منذ نحو 8 أشهر.
فبلدات منطقة وادي بردى، تعد من أولى المناطق التي رفعت صوت معارضتها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وطردت الزبداني، إحدى أكبر مدن وادي بردى وبلداته، سلطة القوات الحكومية في وقت مبكر من عام 2011، ودفعت ضريبة موقعها الجغرافي، ما حال دون الخروج منها، والبقاء أسيرة الضربات الجوية والمدفعية المتواصلة.

وادي بردى الذي تصدر قائمة المناطق السياحية السورية قبل الأزمة التي اندلعت في مارس (آذار) 2011، عانى طوال 5 سنوات من أزمات إنسانية كبيرة، على ضوء المعارك التي لم تهدأ، حتى الآن، وتصاعدت بعد دخول المنطقة في موقع المواجهة المباشرة والمؤلمة مع العاصمة السياسية لسوريا.
فقد اتخذت قوات المعارضة فيها قرارًا مهمًا بالمواجهة، تمثّل في قطع مياه الشفة عن دمشق، ردًا على حصار الغوطة الشرقية، عاصمة المعارضة السورية في الريف الدمشقي، فضلاً عن قطع الطريق الحيوي الوحيد لدمشق من الحدود اللبنانية، خلال إغارات وهجمات عسكرية أدت إلى إقفال منفذ النظام الوحيد إلى العالم الخارجي مع لبنان، وهو ما دفع السلطات إلى شن حرب واسعة، لتستعيد السيطرة على المنطقة.
ولعبت المعارضة في منطقة وادي بردى دورًا حيويًا في العمليات العسكرية، كونها وجهت للنظام ضربات مؤلمة، على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، إلى جانب الضربة المتمثلة بقطع خطوط المياه التي تغذي دمشق، وتحديدًا نبع عين الفيجة الموجود في وادي بردى. حينها، شكل هذا الواقع تحديًا على النظام في عاصمته وضغوطًا ألزمته بالدخول في تسويات وصفقات، ليس أقلها الإفراج عن معتقلين مقابل إعادة تغذية العاصمة بالمياه.
تقع منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وهي تبدأ من منطقة جديدة يابوس التي تتضمن المعبر البري السوري إلى لبنان عند نقطة المصنع، وتمتد شمالاً حتى سلسلة القلمون الغربي. وتتضمن عدة بلدات، أهمها الزبداني وبلودان وبقّين ومنين ومضايا. ويسكن الوادي أكثر من 200 ألف نسمة يعملون في القطاعات السياحية والزراعية والتهريب عبر الحدود اللبنانية.

* مركز سياحي وخزان مائي
هذه المنطقة المرتفعة تمثل الخزان المائي للعاصمة السورية، ومنفذها السياحي، وتتضمن الأنهار، بينها نهر بردى الذي ينبع في الجبال شمال غربي مدينة دمشق وعلى مقربة من الزبداني، ويسير بين الجبال متعرجا ناشرا في طريقه الخصب والطبيعة الجميلة وصولا إلى منطقة ربوة دمشق.
فضلاً عن ذلك، يسير في وادي بردى خط القطار التاريخي الذي يسمى «قطار المصايف»، حيث ينطلق خط القطار من دمشق عبر وادي بردى إلى الحدود اللبنانية وتحديدًا إلى رياق، وكان قد أنشأه العثمانيون في مطلع القرن العشرين، على أن تمتد شكة الحديد إلى حلب عبر الأراضي اللبنانية في البقاع في شرق لبنان، إلى حمص ثم حماه وحلب.
وتشكل منطقة وادي بردى أهم منطقة مصايف وسياحة في ريف دمشق حيث يوجد اعرق المصايف الدمشقية مثل دمّر والهامة وعين الخضرة وعين الفيجة، بجانب الكثير من مناطق السياحة الواقعة ضمن خط سير الوادي. هذه المنطقة، هي حقًا قلب المناطق السياحية في المحافظة، وتتناثر فيها المطاعم ومواقع النزهة والفنادق بين السلاسل الجبلية. وعلى جنبات الوادي بالذات يوجد الكثير من المصايف السورية العريقة وعشرات المطاعم والمقاهي والكازينوهات الفخمة من المعالم المهمة فيها مصيف بلودان الشهير المتربع على رأس الجبل، إضافة إلى الزبداني وبقّين الشهيرة بمياهها الصحية.
تعتبر المنطقة الملاصقة للحدود اللبنانية امتدادًا للقلمون الغربي، والزبداني جزء منها. هذا الامتداد يكتنف أربع أهميات استراتيحية. الأولى تتمثل في أنها المنطقة الفاصلة بين لبنان ودمشق، وبالتالي منفذ دمشق إلى العالم في ظل الحرب الدائرة في الأراضي السورية، بينما تتمثل الأهمية الثانية بأن محيط منطقة وادي بردى، يتضمن القطع العسكرية الحساسة التابعة للجيش السوري، كونها تعد خط الدفاع الأخير عن دمشق في وجه أي حرب خارجية. وتنتشر تلك القطع في يعفور والديماس، فضلاً عن أنها تتضمن مساكن الضباط وقصور ومقرات إقامة صيفية لأركان النظام.
الأهمية الثالثة تتمثل في أن المنطقة تمتاز بتضاريس مميزة، وهي عبارة عن سلاسل جبلية، استفادت منها المعارضة خلال العمليات العسكرية ضد القوات النظامية، ولا تزال تشكل خطرًا على القوات النظامية، كون الطرقات إليها مكشوفة من جميع النواحي. أما الأهمية الرابعة فتتمثل في أنها تسقي دمشق مياه الشفة، انطلاقًا من نبع عين الفيجة.

* بعد الحرب
تلك الميزات تلاشت بعد بدء الأزمة السورية. خرجت الزبداني عن سلطة النظام، لتكون «أولى المدن السورية المحررة من سيطرة النظام في لعام 2011»، كما يقول عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن الأهمية العسكرية برزت منذ اليوم الأول لانطلاق العمليات العسكرية في سوريا. ويضيف الداراني: «كان صعبًا على النظام اقتحامها، كونها عبارة عن أودية وجبال، والطرقات التي تصل إليها مكشوفة. حاول النظام حسم المعركة، لكنه لم يستطع. وعليه، ذهب إلى محاولة التوصل إلى اتفاقات».
تدخل الجيش السوري النظامي بقصف مدفعي استمر حتى منتصف يناير (كانون الثاني) من عام 2012، حيث جرت معركة الزبداني بين «كتائب حمزة بن عبد المطلب» التابعة للجيش السوري الحر في مقابل نحو 30 ألفا من الجيش السوري النظامي مدعومين بـ50 دبابة و9 قطع مدفعيّة، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
ثماني محاولات هي أعداد الاتفاقات التي حاول النظام إبرامها مع السكان، أسوة باتفاقات عقدها في ريف دمشق، لكنها كانت تنتهي بالفشل، ذلك أن حصارها كان مستحيلاً بالنظر إلى طبيعتها الجغرافية، وامتدادها الحيوي إلى القلمون الغربي. وهدد الجيش الحر الذي كان يسيطر على المدينة، الجيش النظامي باستهداف مواقع استراتيجية وعسكرية هامّة للنظام منها معسكر بردى وأماكن الكهرباء والماء. وانتهت المعركة في عام 2014 باتفاق بين الجيشين بالانسحاب من أبواب البلدة حقنًا للدماء وفرصةً لعودة أهالي المدينة، إلا أن كلا الطرفين كان يريد السيطرة على البلدة لاعتبارها هامة استراتيجيًا.
ومع أن عدد السكان كان 100 ألف نسمة قبل الأزمة، فإنه تضاءل بعد الهجمات العسكرية النظامية إلى أقل من النصف، واصلوا نزوحهم باتجاه بلدات أخرى في منطقة وادي بردى، حتى تقلص إلى أقل من 20 ألفًا قبل الهجوم الأخير على الزبداني.
إثر الفشل العسكري استعان النظام بقوات من حزب الله اللبناني التي بدأت معركة واسعة في الزبداني في يوليو (تموز) الماضي، أسفرت عن السيطرة على نحو 80 في المائة من المدينة، بعد نزوح سكانها باتجاه بلدة مضايا. وفي رد على هذا الهجوم، ضيق مقاتلو الفصائل الخناق على الفوعة وكفريا اللتين يعيش فيهما مواطنون شيعة في محافظة إدلب بشمال سوريا. وتمكن ائتلاف فصائل «جيش الفتح» من السيطرة على محافظة إدلب بالكامل الصيف الماضي باستثناء هاتين البلدتين اللتين تدافع عنهما ميليشيات موالية للنظام.
وتوصلت قوات النظام والفصائل المقاتلة إلى اتفاق في 24 سبتمبر (أيلول) بإشراف الأمم المتحدة يشمل في مرحلته الأولى وقفا لإطلاق النار في المناطق الثلاث ومن ثم إدخال مساعدات إنسانية. ونصت المرحلة الثانية على السماح بخروج الجرحى والمدنيين من المناطق الثلاث على أن يبدأ بعدها تطبيق هدنة لستة أشهر.
الموقع الجغرافي الهام للزبداني كان السبب الأبرز في تدخل حزب الله اللبناني للسيطرة على الزبداني. فهي تمثل نقطة تماس مع منفذ النظام الوحيد إلى العالم عبر الحدود اللبنانية، بعد توقف عدد كبير من الطائرات المدنية عن الهبوط في مطار دمشق الدولي، في حين يعد مطار اللاذقية صغيرًا وبعيدًا، ويستخدم أيضًا لأغراض عسكرية. وبالتالي، يشكل المقاتلون فيها خطرًا على العاصمة السورية التي يحاول النظام تأمينها.
هذا، ويشكل المقاتلون في الزبداني تهديدًا لبيئة حزب الله على الجانب اللبناني من الحدود، بالنظر إلى أن القرى والبلدات اللبنانية الواقعة خلف الحدود، تسكنها أغلبية شيعية مؤيدة لحزب الله، وهو ما دفعه للتدخل، استكمالاً لخطة سابقة وضعها بالسيطرة على المناطق السورية الحدودية مع لبنان وتعزيز دور القوات الحكومية فيها.

* محنة المدنيين
ولم تنحصر انعكاسات الموقع الجغرافي لبلدات وادي بردى على السياق العسكري، فالتماس مع قرى حدودية لبنانية مؤيدة للنظام السوري، ضاعف المصاعب أمام المدنيين فيها من الخروج منها، وألزمهم بإجراء عمليات نزوح داخلية بين القرى والبلدات الواقعة في منطقة وادي بردى، بسبب صعوبة الانتقال إلى معقل النظام في العاصمة السورية.
يقول الداراني إن هذه المناطق «لم تشهد هجرة إلى خارجها، بل نزوحًا من مدينة إلى أخرى، لأن المناطق كانت آمنة، فيما تتضاعف المصاعب أمام النزوح باتجاه لبنان بسبب غياب الظروف المهيئة». وأشار إلى أن البقاء في منطقة مشتعلة عسكريًا «ضاعف أعداد (الشهداء) المدنيين فيها، وتم اعتقال أفراد من المنطقة، وتم اعتقال نساء وأطلق سراحهم».
ميزة الزبداني، وريف دمشق عمومًا، بحسب ما يقول الداراني، أن الثوار فيها «لم يكونوا متشددين. تشكيلاتها من أبناء المناطق، ولم ينضوِ معظمهم في تيارات متشددة»، لافتًا إلى أن «مدينة الزبداني منذ بداية الثورة تشكلت فيها تشكيلات عسكرية وضباط منشقون، لذلك كانت نقطة ارتكاز للجيش الحر في القلمون الغربي وريف دمشق». ويوضح أن دورها «لم يقل أهمية عن دور يبرود التي كانت نقطة عبور ونقل السلاح في القلمون ريف دمشق».
اتسمت علاقة أهالي منطقة وادي بردى مع جيرانهم اللبنانية، بعلاقات اقتصادية قائمة على التهريب، إضافة إلى الزيجات المتبادلة والمصاهرة. وتحولت المناطق الحدودية إلى منصات لتهريب المحروقات والسجائر، فضلاً عن البضائع اللبنانية المهربة. ويقول ناشطون في مضايا إن البلدة «كانت قبل الثورة تتضمن أكثر من 90 نقطة تهريب عبر الحدود اللبنانية، وكنت تجد البضائع الأجنبية من ملابس وأحذية وغيرها في البلدة، حتى باتت مقصدًا للبضائع المهربة وسوقا مفتوحة للباحثين عن البضائع الأوروبية».
خرجت الزبداني من المعادلة بعد العملية العسكرية لحزب الله، التي أفضت إلى اتفاق، نفذ جزآن منه، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان آخرها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث أخرج الجرحى من البلدة، مقابل إخراج الجرحى من كفريا والفوعة الشيعيتين في شمال البلاد. وبعدها، ظهرت أزمة النازحين في مضايا، ومعظمهم من سكان الزبداني، إثر الحصار الخانق الذي نفذته القوات الحكومية السورية على البلدة، ما تسبب بتفاقم الوضع الإنساني في البلدة السورية.

* معاناة مضايا
مضايا اليوم تؤوي بقي أكثر من 15 ألف نسمة من سكانها، بالإضافة إلى آلاف النازحين من الزبداني، وتقول تقارير للأمم المتحدة إن أعداد كل من في المدينة نحو 42 ألف شخص، عرضة للموت نتيجة نقص الغذاء أو التدهور الصحي نتيجة نقص الأدوية، حيث تحولت أجساد سكان المدينة إلى هياكل عظمية يكسوها الجلد، كما اضطروا إلى أكل الحشائش وأوراق الشجر. وتحاصر المدينة بحواجز عسكرية وبنحو 6 آلاف لغم أرضي، يمنع السكان من الخروج، وأدى تدخل الأمم المتحدة مطلع الأسبوع الحالي إلى إدخال قافلتي مساعدات إغاثية.
وبعد الاستنكار الدولي الذي أثاره الوضع الإنساني في مضايا، وافقت السلطات السورية قبل أسبوع على السماح بدخول قافلة أولى من 44 شاحنة الاثنين نقلت مساعدات إنسانية إلى البلدة التي يقطن فيها حاليا 42 ألف نسمة، بحسب الأمم المتحدة.
وكانت الأمم المتحدة، قالت الثلاثاء الماضي، إن المعاناة في مضايا «لا تقارن» بكل ما شهدته طواقم العمل الإنساني في باقي سوريا. وقال ممثل رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة سجاد مالك في مؤتمر عبر دائرة الفيديو من دمشق «ما رأيناه مروع، لم تكن هناك حياة. كل شيء كان هادئا للغاية. تقول تقارير جديرة بالمصداقية إن عددا من الأشخاص قضوا جوعا»، مضيفا: «ما رأيناه في مضايا لا يقارن (..) بمناطق أخرى من سوريا». وأبدى «هوله» لما رآه موضحًا أن «الأطفال كانوا يقتاتون من أعشاب يقتلعونها من أجل البقاء على قيد الحياة وأنه لم يعد لديهم ما يأكلونه سوى الماء الممزوج بالتوابل».
وتمكنت الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة الاثنين من إدخال 44 شاحنة محملة بالمساعدات الغذائية والطبية إلى بلدة مضايا التي تحاصرها قوات النظام بشكل محكم منذ ستة أشهر. وقال مالك إنه من المقرر دخول قوافل أخرى في الأيام المقبلة. وحذرت الأمم المتحدة بأن 300 إلى 400 شخص بحاجة إلى مساعدة طبية عاجلة.

* الأهمية السياحية لمنطقة وادي بردى
تتضمن منطقة وادي بردى أبرز المواقع السياحية في ريف دمشق، تتوزع على الربوة والزبداني وبلودان. وتعتبر الربوة، منطقة طبيعية تقع في وادي بردى في الجهة الغربية لمدينة دمشق، حيث تؤلف واحة طبيعية تملؤها المطاعم والمتنزهات الصيفية والشتوية.
أما الزبداني، فهي منطقة جبلية في ريف دمشق من أهم المصايف تحولت هذه البلدة إلى مدينة سياحية نموذجية. وتبعد نحو 45 كيلومترا إلى الشمال الغربي من دمشق وترتفع عن سطح البحر 1175 مترا وتشرف المدينة على سهل ومتسع جميل بزرع بالأشجار المثمرة الجبلية وحولها أهلها إلى منتجع حقيقي بسبب بنائهم للبيوت بشكل قصور وفيلات سياحية ويزورها عدد كبير من السائحين العرب سنويا.
وأما بلودان، فهي أعلى مناطق وادي بردى، وتقع على مرتفع شاهق وبارد، وتبعد 55 كيلومترا عن دمشق إلى الغرب أيضًا، وترتفع 1500 متر عن سطح البحر. وتحقق خدماتها السياحية رغبة زائرها، فتوجد فيها مطاعم وفنادق من الدرجة الممتازة شهد بعضها مؤتمرات عربية ودولية تاريخية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.