محمود صباغ: السينما السعودية جاهزة للخروج للعالم

المخرج الشاب يقدم «بركة يقابل بركة» في مهرجان برلين الدولي

مشهد من فيلم «بركة يقابل بركة».. وفي الإطار المخرج محمود صباغ
مشهد من فيلم «بركة يقابل بركة».. وفي الإطار المخرج محمود صباغ
TT

محمود صباغ: السينما السعودية جاهزة للخروج للعالم

مشهد من فيلم «بركة يقابل بركة».. وفي الإطار المخرج محمود صباغ
مشهد من فيلم «بركة يقابل بركة».. وفي الإطار المخرج محمود صباغ

يبدو أن طموح المخرج محمود صباغ تخطى حدود العربية، وهو ليس بالأمر المستغرب لذلك الشاب السعودي الطموح صاحب الرؤية الإبداعية العميقة.
الصباغ عاشق «الكاميرا والكلمة» طيلة الأشهر قضى جل وقته في تصوير عمله المرتقب «بركة يقابل بركة» قصة روائية وضعها في 84 دقيقة وهو إنتاج سعودي كامل. صور جميع مشاهد فيلمه في مدينته «جدة» استغرق العمل من تحضير وبروفات وتصوير ومونتاج سنة كاملة.
كل الممثلين يظهرون في السينما كتجارب أولى. أغلبهم لم يسبق له التمثيل إطلاقا. حيث قام المخرج بتدريبهم طيلة أربعة أشهر والعمل بطولة: هشام فقيه وفاطمة البنوي.
يتطرق الفيلم لقصة جيل الشباب؛ أحلامهم وطموحاتهم، أمام تقلص الفرص وانسداد الآفاق الاجتماعية. والصباغ في فيلمه يقوم بمقاربة فنية مثيرة بين الجيل القديم الذي عاش في ظروف اجتماعية واقتصادية أكثر انفتاحًا ومرونة من الجيل المعاصر.
اسكريبت جديد مكتوب بأسلوب فني خالص. كتب العمل محمود صباغ، وهو من نوع المخرجين الذين يكتبون أعمالهم.
هشام فقيه وفاطمة البنوي من النجوم المحلية الصاعدة التي سيكون لها شأن كبير بعد صدور هذا الفيلم. الأصداء الأوليّة حتى الآن مبشرة جدا بالخير. يؤمن النجمان الشابان بأهمية السينما كأداة فنية تثقيفية ومعرفية. ويخلصان بموهبتهما مع متطلبات صناعة الممثل أو الفنان. يمثلون بتلقائية وعفوية بعيدًا عن أي تصنع أو تمثيل مبالغ فيه.
ويفضل الصباغ دائما الاستعانة برفيقه فيكتور كريدي وهو من أهم مديري تصوير السينما الشبان في مصر آخر أفلامه مع المخرج العملاق محمد خان اختير في مهرجان دبي الأخير. بين كريدي وصباغ انسجام وتوافق فني واضح وهو ثاني أعمالهما معا في ثلاث سنوات.
ومضى صباغ بعد نهاية التصوير في أعمال المونتاج والمكساج وتصحيح الألوان في استوديوهات تعود لفنانين مستقلين في ضاحية بوشويك بنيويورك - انسجاما مع روح الفيلم المستقلة والحديثة. أمضى 8 أسابيع كاملة في أعمال ما بعد الإنتاج للحاق بدورة سنة 2016.
وأكد محمود صباغ لـ«الشرق الأوسط» أن العمل «يتبع قوانين السينما المستقلة وهو غير تجاري، وبميزانية اقتصادية». غلّب المخرج القيمة الفنية على الإبهار التقني. حسب رأيه أن هذا هو التحدي الأكبر. لم يستخدم المخرج أي معدات تصوير باهظة ولم يستعن بأي لقطات مبهرجة. يقول صباغ عن فيلمه: «سرّ روحه في بساطته».
والحدث الأبرز للصباغ أن «بركة يقابل بركة» سيكون العرض الدولي الأول للفيلم في مهرجان برلين السينمائي في دورته 66 ابتداء من فبراير (شباط). و«بركة يقابل بركة» هو أول فيلم سعودي طويل منذ تاريخ نشأة المهرجان. سيشارك الفيلم في قطاع أفلام «فوروم» الخاص بالتجارب السينمائية الجديدة. يقول صباغ: «أشعر بالمسؤولية.. وأتمنى أن يكون هذا الفيلم باكورة نجاحات متتالية للسينما والإنتاج الثقافي السعودي في العالم».
وأضاف صباغ قائلا: «هذه لحظتنا. نحن لم نستعجل أي شيء. لم نتوسل أي أساليب دعائية أو تسويقية في صعودنا. الفيلم غير مدعوم من أي جهة رسمية.. وهذا ما يميزه. خُلق راشدًا وعفويا في آن. السينما السعودية أصبحت جاهزة للخروج للعالم. نحن الآن أكثر ثقة».
من المتوقع أن ينخرط الفيلم ضمن روزنامة ماراثونية طيلة عام 2016 تدور على أغلب المهرجانات الدولية والإقليمية. يقول صباغ: «التواجد في المهرجانات وسيلة لإبراز الفيلم وعناصره في أفضل منصات العرض. أمام جمهور دولي منفتح على كل التجارب. أمام النقاد والسوق في آن. كل هذا يخدم توزيع الفيلم».
ثم يقول صباغ: «في النهاية الغاية هي أن يشاهده أكبر شرائح ممكنة من الجمهور. وأولهم المشاهد الشاب المحلي. هذا الفيلم صُنع من أجله. أنا أصنع سينما محلية.. تحكي قصصنا وتشبهنا وتقول ما نريد أن نقوله. هذا الفيلم من أجل الجمهور المحلي أولاً».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».