6 صعوبات «رئيسية» تعوق تقدم جهود المبعوث الدولي إلى سوريا

مصادر دبلوماسية غربية ترجح تأجيل انطلاق المفاوضات وتشكك في حظوظ نجاحها

المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في اجتماعه أمس في جنيف مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في اجتماعه أمس في جنيف مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (أ.ف.ب)
TT

6 صعوبات «رئيسية» تعوق تقدم جهود المبعوث الدولي إلى سوريا

المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في اجتماعه أمس في جنيف مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في اجتماعه أمس في جنيف مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (أ.ف.ب)

بعد 11 يوما، يفترض أن تنطلق في 25 يناير (كانون الثاني) الحالي محادثات جنيف الجديدة بين ممثلين عن النظام في سوريا وآخرين عن المعارضة، تحت إشراف وبوساطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، وذلك لتنفيذ القرار الدولي رقم «2254» الهادف إلى وضع حد للأوضاع الجارية في سوريا منذ عام 2011. لكن رغم الإجماع الذي تحقق في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي خلال اجتماعات نيويورك لمجموعة الدعم، ثم في مجلس الأمن؛ الأمر الذي سمح بصدور القرار الدولي الأخير، فإنه يبدو اليوم أن هناك عقبات كبيرة تحول دون الانطلاق في المفاوضات الجديدة، أو ستكون كفيلة بإجهاضها في حال نجح دي ميستورا في جمع الأطراف السورية في غرفة واحدة أو في غرفتين متجاورتين.
تقول مصادر دبلوماسية غربية تتابع الملف السوري عن قرب إن قرار مجلس الأمن يمثل «الإطار العام»، لكن ترجمته إلى خطة عمل وإلى أجندة تفاوضية «ما زال أمرا بعيد المنال» لتضارب المواقف ولوجود شروط وشروط مضادة، «مما يجعل عمل دي ميستورا شديد الصعوبة وأشبه بالبهلوان». وترى هذه المصادر أن «الطرف الأكثر حرجا» ليس النظام، بل المعارضة «رغم الاختراق الذي تمثل في وثيقة الرياض» التي تشكل أوسع قاعدة تفاهم لعدد مهم من الفصائل المقاتلة وللمعارضة السياسية، وكذلك رغم الاتفاق على تشكيل مرجعية للمفاوضين واختيار منسق عام للعملية التفاوضية ممثلا في رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب.
تكمن الصعوبة الأولى، وفق المصادر الدبلوماسية الغربية، في وضع المعارضة المهتز، التي تتعرض ميدانيا لضغوط عسكرية متزايدة خصوصا بسبب القصف الجوي الروسي والعمليات الأرضية؛ فالعمليات الجوية الروسية وإن لم تنجح حتى الآن في إحداث تغيير حاسم ميدانيا، إلا أنها بتركيزها بالدرجة الأولى على الفصائل المعتدلة والقابلة بالذهاب إلى جنيف وبالحل السياسي، فإنها تضعها في موقع دفاعي وتوجد «شرخا» بينها وبين الواجهة السياسية التي عليها مراعاة مطالبها. وترى المصادر الغربية أن غرض القصف المركز واستهداف المدنيين في المدارس والمستشفيات والأسواق هو «إحراج المعارضة ودفعها لرفض الذهاب إلى جنيف». وبموازاة ذلك، يمارس حلفاء المعارضة ضغوطا سياسية قوية لثنيها عن المقاطعة وللسير في الخطة المرسومة دوليا «من غير توفير الضمانات» التي تحتاجها لتبرر مشاركتها.
هذا الواقع كان واضحا خلال زيارة رياض حجاب إلى باريس وفي اللقاءات التي عقدها. وحجاب لم يخف حرجه حين أعلن، في لقاء مع الصحافة الدبلوماسية الفرنسية أول من أمس، أن المعارضة «ستواجه خيارا صعبا» بشأن المشاركة في محادثات السلام المرتقبة. وحاول حجاب الخروج من «الزاوية» بالمطالبة بفصل المسار الإنساني عن المسار السياسي، والمطالبة بتفعيل بندين أساسيين من بنود القرار «2254» اللذين يدعوان لإطلاق سراح الموقوفين ووقف القصف ووضع حد للحصار وفتح الطرق للوصول إلى المدن والبلدات المعزولة عسكريا. ولخص حجاب ما تجنب تسميته «شروطا» بـ«توفير الظروف الملائمة» للمفاوضات. والحال أنه «لا أحد» حتى الآن قادر على توفير هذه الضمانات أو قابل بإعطائها.
ويطرح هذا الواقع، كما تقول المصادر الغربية، إشكالية وقف إطلاق النار وآلياته والجهات التي يمكنها أن تضمن العمل به واحترامه. والحال أن مصادر فرنسية رفيعة المستوى قالت لـ«الشرق الأوسط» إن ما يتم التداول فيه حتى الآن «ليس الإعلان عن وقف إطلاق نار شامل» ووجود مراقبين دوليين يضمنون العمل به؛ بل «وقف إطلاق نار محلي في عدد من الجبهات يمكن أن يتطور لاحقا»، ويمكن التحقق منه «عبر عناصر محلية وبواسطة وسائل مراقبة إلكترونية». وتعترف المصادر الغربية أن وضعا كهذا «مرشح لأن ينتهك» من الطرفين، فيما الصعوبة الملازمة أنه لن يشمل تنظيمي «النصرة» و«داعش». ولذا، فالسؤال يتناول كيفية العمل بوقف النار على الجبهات التي تتداخل فيها المواقع بين الفصائل المقاتلة وتلك العائدة للتنظيمين الموجودين على لائحة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية.
بموازاة الواقع الميداني، ترى المصادر الدبلوماسية الغربية أنه «لا يمكن الفصل بين وقف النار والتزام المعارضة به، ووجود رؤية واضحة حول مسار العملية التفاوضية والانتقال السياسي». وتشرح باريس هذا المعطى بالقول إن وقف النار يرتبط بـ«وجود أجندة دقيقة وواضحة للعملية التفاوضية ولما يمكن أن تؤول إليه مع تحديد روزنامة ومحطات للتغيرات السياسية المنتظرة». وبهذا الطرح، يعود مصير النظام ورأسه بشار الأسد إلى طاولة البحث؛ حيث إن المواقف متناقضة تماما بين مفهوم وفد النظام، وما تريده المعارضة وتتمسك به وما نصت عليه وثيقة الرياض التي تطالب بأن يترك الأسد المشهد السياسي مع بدء العملية الانتقالية. لكن مشكلة المعارضة أنها «قد تكون الوحيدة» التي ما زالت تطالب بذلك فيما لا يأتي القرار الدولي تحديدا على هذه النقطة؛ بل يكتفي بوضع جدول زمني يمتد إلى 18 شهرا. والحال أن المعلومات المتوافرة والمواقف تفيد بأن الغربيين قابلون ببقاء الأسد لـ«مرحلة معينة» قد تطول أو تقصر. ورغم هذا القبول، فإن الصعوبة ستكون في تحديد شكل وصلاحيات الحكومة المنتظر أن ترى النور بعد ستة أشهر من انطلاق العملية التفاوضية، خصوصا صلاحيات رئيس النظام وسيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية وعلى مفاصل الدولة كافة. وتلخص المصادر الفرنسية هذه الصعوبة بأسئلة ثلاثة؛ أولها: كيفية الاتفاق على آلية ومعايير اختيار الأشخاص الذين ستشكل منهم الحكومة العتيدة. وثانيها انتقال الصلاحيات التنفيذية إليها، فيما ثالثها يتناول آلية وروزنامة نزع الصلاحيات الخاصة بالإشراف على الجيش والقوى الأمنية والاستخبارية من يدي الأسد. وبحسب هذه المصادر، فإنه في ظل «عدم توافر رؤية واضحة» بشأن المسائل الثلاث، فإن المحادثات «ستدور في حلقة مفرغة وستؤول إلى ما آلت إليه مفاوضات (جنيف2)» التي أفشلها وفد الحكومة لأنه رفض مناقشة الجوانب السياسية وعملية الانتقال السياسي قبل الانتهاء من الإرهاب. وهذا الأمر ثابت وأقر به المبعوث الدولي السابق الأخضر الإبراهيمي.
تبقى هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية؛ منها تصاعد التوتر في الخليج والإقليم وما له من انعكاسات على الأجواء العامة رغم تأكيدات دي ميستورا بأنه حصل على تعهدات بألا يصيب المسار التفاوضي السوري. وقبل كل ذلك، يبدو من المؤكد أن تشكيل وفد المعارضة التفاوضي، والتوصل إلى لائحة موحدة للتنظيمات المعتبرة إرهابية، سيثيران كثيرا من المشكلات بحيث إن الوقت المتبقي قبل الانطلاق «النظري» للمفاوضات لم يعد كافيا للتغلب على كل الصعوبات قبل أن ترسل الدعوات وتتوجه الوفود المفاوضة إلى مقر الانعقاد. ولذا، فإن المصادر الغربية ترجح تأجيل انطلاق المفاوضات في الموعد المنتظر، وتشكك في إمكانية نجاحها، بسبب عمق الهوة القائمة بين الأطراف الداخلية والخارجية على السواء.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.