هل نجح نيتشه حقًا في تحطيم المقدس؟

ضرب المعنى الإنساني في الصميم وأغرق القرن العشرين في مزيد من العلمنة

فريدريك نيتشه
فريدريك نيتشه
TT

هل نجح نيتشه حقًا في تحطيم المقدس؟

فريدريك نيتشه
فريدريك نيتشه

يعد نيتشه (1844 - 1900) بحق، مدشن فكرة التفكيك التي راجت بقوة في القرن العشرين عند الكثير من الفلاسفة، أمثال هايدغر وفوكو ودريدا وغيرهم. وهو فيلسوف مثير للجدل. هناك من يحبه إلى أقصى درجة، ويعتبره الرجل الذي فاه بالحقيقة، على أساس أن الحقيقة مجرد وهم وقد نسينا أنها كذلك. فهو استطاع أن يقشر الأغلفة التي سميت قيما ومُثُلا، التي عمل بها الإنسان على ستر حقيقته، التي هي، في نهاية المطاف، أصله الحيواني. كأن الإنسان خلال مسيرته الطويلة، لا يريد الاعتراف بجذوره الغارقة في الطبيعة، فعمل على إيهام نفسه بنماذج مثالية، يختفي فيها خجلا وهربا من الحقيقة المرة، وهي أننا نصارع في الحياة من أجل البقاء، مثلنا مثل باقي الحيوانات، وأن ما يسمى العقل الذي يتبجح به الإنسان، هو مجرد سلاح كالناب والمخلب عند الأسد. وكيف لا يصدر ذلك عن نيتشه، وقد جاء في حقبة القرن التاسع عشر، المشحون بنظرية التطور، إلى درجة أن الفيلسوف جون ديوي قال: إن نيتشه هو ابن داروين وشقيق بسمارك. لكن هناك من يكرهه، ويحمله تبعات نزع القداسة عن كل شيء. انه من ضرب المعنى الإنساني في الصميم، وأغرق القرن العشرين في مزيد من العلمنة والأرضنة. لقد جعل حياة الإنسان كصحراء جدباء من دون بوصلة، ما عدا بوصلة الطاقة الحيوية القائمة على منطق القوة، التي يعتبرها البعض سببا في نشوب الحربين العالميتين وظهور الأنظمة الكليانية من فاشية ونازية. وبغض النظر عن حب الرجل أو كراهيته، فمن المؤكد أن الأمر لا يخلو من تطرف في الحكم عليه، باعتباره الفاعل الوحيد، واليه يعود كل ما حدث من تقويض للسير أو المرويات الكبرى، التي غذت المعنى لدى الإنسان، وأقصد بذلك، الأسطورة والدين والميتافيزيقا، بل حتى القيم الإنسانية التي أنتجتها الحداثة، كالحرية والديمقراطية والعدالة. فزمن العبقريات قد ولى. ونيتشه مجرد جزء من نسق شامل. انه، في حقيقته، حلقة ضمن مسار اللائكية، التي بدأت في القرن السابع عشر، مع رواد العلم الحديث، كغاليليو وكبلر وديكارت ونيوتن، ونزعتهم الآلية التي تعاملت مع العالم كساعة ضخمة وصماء، تشتغل بمنطق السبب والنتيجة. وهؤلاء أفرغوا الطبيعة من كل سحر وقداسة، ومن كل نزعة إحيائية. هذه النزعة الميكانيكية، التي مهدت للتفسيرات الغارقة في الدنيوية، ستستمر في الاشتغال كنموذج ذهني موجه، لتنفجر بقوة وبطريقة أكثر شراسة، ولتمس كل جوانب الشأن الإنساني في القرن التاسع عشر. لهذا فنيتشه هو، فقط، ترس في ماكينة النزعة الدنيوية التي سعت وما تزال إلى عزل الأرض عن السماء.
في مقالنا هذا، سنحاول إلقاء نظرة على تفكيكية نيتشه للقيم التي اعتادها البشر. كما سنبحث عن القيم البديلة التي بشر بها وجعل منها الخلاص البشري.
لقد اشتغل نيتشه بمنطق المطرقة لتحطيم الأوثان. فما المقصود بالأوثان عنده؟ إنها كل المثل العليا القديمة والحديثة، سواء كانت باسم الدين أو باسم الميتافيزيقا، أو حتى باسم كل الآيديولوجيات التقدمية التي تريد إخضاع الحياة لقيم متعالية، باسم العقل أو الأخلاق أو التاريخ.
إن ما أنتجه الزمن الحديث، بدءا من القرن السابع عشر، من نزعة إنسانية ظهرت تارة كشيوعية وتارة أخرى كديمقراطية، والتي نادت بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، يعتبره نيتشه، مجرد أوثان أيضا. وهذا ما جعل منه عنوان كتاب له هو: «أفول الأوثان». كان قصد نيتشه الأساسي، هو فضح الحوافز الخفية لدى المثاليين بكل أصنافهم المذكورة أعلاه، والعمل على خلع قناعاتهم المزيفة التي يظهرون من خلالها مشروعيتهم. لكن في الحقيقة، كان الأمر مجرد وهم، أي أنه كان يسعى نحو بيان النوايا المتسترة وراء الظاهر الذي ليس سوى بهرج كاذب. وهذا العمل الباحث عن المخفي وراء الظاهر، هو ما يسمى عنده «الجينيالوجيا» أي دراسة الجذور والطبقات الأصل التي تعود إليها الأشياء، وكأنها تقشير للأغلفة السطحية والمزيفة التي تغطي جوهر الإنسان، الذي هو في حقيقته إرادة بقاء. وهذا ما سنعمل على توضيحه هنا:
إن نيتشه هو ابن القرن التاسع عشر - الذي ورث كل الإرث الأنواري، بما هو نقد للجاهز - والذي بدأ مع ديكارت، وتم تتويجه بكانط. لكنه أراد أن يذهب بالنقد إلى أقصى مداه، وبطريقة جديدة لا هوادة فيها، تقوم على التحطيم والتفكيك، وإبراز البهرج الكاذب للظاهر المزعوم، والحفر في الجذور الخفية. بعبارة أخرى، يعد نيتشه حليفا للأنوار في الأساس، لكنه خصم لها في الآن نفسه، لأنها هي أيضا، لن تسلم من مطرقته. فالنزعة الإنسانية التي خلقتها الأنوار، هي وثن جديد من حيث لا تحتسب. فالأنوار من وجهة نظره، مذنبة، لأنها وقفت في الطريق أثناء صراعها ضد الأوثان الميتافيزيقية. فنحن نعلم أن النقد الحداثي نشأ على فكرة الوضوح الديكارتي. فكل ما هو غامض، يجب استبعاده من مجال الحقيقة، لأنه يكون بؤرة للخداع والتلاعبات. وهنا بالضبط، نلمس عتابا لنيتشه للأنوار، فهو يراه قد خذلنا ولم يسر إلى نهاية الطريق. ناهيك عن أنه خلق بدوره، مُثلا جديدة هي أيضا أوهام، من قبيل: الذات، الوعي، الإرادة، العقل، التاريخ، التقدم، الحرية، الديمقراطية. فكلها تصورات سيعمل نيتشه على جعلها تتصدع، لأنها، في الأصل، ذات جذور دينية بلبوس دنيوي، وترفض الحياة، وتجعل من نفسها قناعات يمكن التضحية من أجلها. بل هي تدين من لا ينصاع لها، وترى في نفسها المصدر المشروع والوحيد للمعنى. فلماذا يرفض نيتشه كل فكرة تنفي الحياة، لأنها وهمية وخطيرة وشاذة؟ وكيف ذلك؟
إن القيم المتعالية وهمية، لأنها ستجعلنا، بحسب نيتشه، نحكم على الحياة ونحن في قلبها من الخارج، وهو تشويه فظيع للواقع. وهي أمر خطير، لأنها ستؤدي إلى إضعافنا، وإلى إخماد قوانا الحية. أما كونها شاذة، فلأن فيها كبت لغرائزنا التي هي الطبيعة الحقيقية لن. وهو ما سيحملنا على إعادة إيجادها خلسة، بحيث سيتسرب المكبوت قصد الإشباع، ولكن بغير وضوح، أي بأقنعة وألبسة تنكرية كاذبة.
مما سبق، سنفهم عبارة شهيرة مرتبطة بنيتشه، هي العدمية التي لا يقصد بها ذلك المعنى المعتاد والمتعارف عليه. ففي اللغة المتداولة يقصد بالعدمي: الشخص الذي لا يعتقد في شيء. لكن نيتشه سيضخ في لفظة العدمية معنى خاصا، يتمثل في الإيمان بمثل متعالية، تنفي الحياة وتشوهها. بعبارة أخرى، يعد العدمي، هو كل من يرتبط بقيم عليا تنفي الأرض باسم السماء، وتنفي الدنيا باسم الآخرة. فماذا يطلب نيتشه بالضبط؟ انه يطلب المحايثة عوضا عن المفارقة. أي على الإنسان أن يبقى لصيقا بقيم الأرض وهي قيم البقاء. وأن لا يحلق بعيدا نحو قيم مفارقة للواقع، تجعله يستنزف طاقاته من أجل ما يعتبره نيتشه السراب. لكن، أليس نزع القيم التي أضفت على الإنسانية المعنى، وأعطته مبرر الوجود عبر التاريخ، وجعلته يحس بالأمن، تحت دعوى أنها أوهام، أمرا خطيرا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يقترح نيتشه كبديل للخلاص؟
يرى نيتشه أن نسف الأوثان بالمطرقة والعمل على تهشيمها، سوف لن يزيدنا وضوحا في الرؤية، أو يخلصنا من القيود التي تفرضها علينا تلك الأوثان فقط، بل سيحرر طاقاتنا واستعداداتنا الحيوية المقموعة، ويجعلنا ننطلق في حياة أكثر قوة وثراء.
إن القيم التي يقترحها نيتشه يجب أن لا تخرج عن المحايثة، بمعنى أنها لا ينبغي أن تصدر إلا من صلب الأرض، وأن لا تعلو أبدا على الحياة. إن المخرج الذي وجده نيتشه مرتبط بالزمن الحاضر. فعندما يعيش المرء لحظة قوية وبحرية قصوى، أو عندما يحب بجنون، أو عندما يبدع عملا، أو عندما يكتشف مجهولا من العالم، فإنه يكون متصالحا مع الواقع، ويحس بما يسميه نيتشه «بخفة الراقص»، إلى درجة أن المرء يتمنى استمرار هذه اللحظات إلى الأبد.
إذن يعد الرجاء في دوام لحظات الذروة، باعتبارها توافقا كاملا مع الحاضر من دون قيود الماضي، أو هواجس المستقبل قمة الخلاص الإنساني. إذ يصبح الحاضر مستحقا وليس مجهضا، ويعاش كأنه بذرة من الأبدية. وهنا بالضبط، تزول المخاوف والحيرة من الموت. إذن التصالح مع الحاضر وملامسة تلك اللذة الأبدية، التي تصبح كالمطلق الذي نرجو إحياءه والى الأبد، هو العود الأبدي عند نيتشه. إن نيتشه ينشد أبدية ليست مثالية تتم بعد الموت، بل أبدية محايثة يمكن بلوغها. إنها الجنة الموعودة في الأرض. وربما هنا بالضبط، يكون نيتشه قد رهن الفكر، وخصوصا الغربي منه، في مزيد من اللائكية، بحيث جرى الترويج لإمكانية انبعاث الحياة الطيبة في هذه الدنيا، وليس تأجيلا لما بعد الموت.
في الختام، هل حقا تعد إرادة سحب الخلاص من السير والقيم الكبرى، تحت دعوى أنها متعالية، وفيها تزييف للواقع وإهدار للطاقة الإنسانية، وإجهاض للوجود الأصيل للإنسان، وجعله مغتربا وممزقا عن حقيقته، والاكتفاء فقط، بما هو محايث ودنيوي، قد جلب الخلاص للبشرية؟ إن المشهد التاريخي خلال القرن العشرين والقرن الواحد العشرين، يبرز، في بعض الأحيان، عكس ذلك. إذ دخلت الإنسانية في أزمة معنى رهيبة، جعلت المطالبة بعودة المقدس والديني ملحة، وبدا الهجوم الضاري على النزعات التفكيكية الهدامة واضحا، بما فيها نيتشه، إلى درجة عكس الآية تماما. فعوضا عن الحديث عن تصدع المتعالي، أصبحنا نتحدث عن تصدع الدنيوي واعتباره تأويلا بائسا ومريضا للعالم. وهنا أستحضر عنوان كتاب المفكر طه عبد الرحمن «بؤس الدهرانية».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.