السودان: هدوء حذر يسود دارفور بعد أيام من العنف

السلطات تعترف بمقتل 12 شخصًا.. و«العدل» تكون لجنة تقصي حقائق

السودان: هدوء حذر يسود دارفور  بعد أيام من العنف
TT

السودان: هدوء حذر يسود دارفور بعد أيام من العنف

السودان: هدوء حذر يسود دارفور  بعد أيام من العنف

تخيم على الأوضاع بمدينة الجنينة، غرب إقليم دارفور السوداني المضطرب، حالة من الهدوء الحذر، نتجت عن أحداث عنف شهدتها المدينة خلال الأيام الماضية، وأدت إلى مقتل 12 مواطنا، وجرح العديدين.
وظلت أسواق المدينة الرئيسية والفرعية مغلقة لليوم الثالث على التوالي أمام حركة التبادل التجاري، بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية، في وقت تتردد فيه أنباء عن حالات سرقات أثناء الليل في بعض أحياء المدينة، على الرغم من حالة الاستنفار التي وضعت السلطات الأمنية نفسها عليها.
وعادت الأوضاع للتوتر مجددا في إقليم دارفور المضطرب بعد هدوء نسبي شهده طوال أشهر، في أعقاب عمليات حرق وقتل في مدينة الجنينة، حاضرة ولاية غرب دارفور، راح ضحيتها أكثر من 12 قتيلا وعدد كبير من الجرحى والمصابين، وجرى إحراق قرى بكاملها ونزح مواطنوها إلى العاصمة الجنينة.
وأصدر وزير العدل عوض الحسن النور قرارا، شكل بموجبه لجنة لتقصي الحقائق في الجنينة والأحداث ذات الصلة، وتحديد الخسائر في الأرواح والممتلكات، على أن ترفع تقريرها خلال أسبوع يبدأ من مساء الاثنين، وقبله أرسلت السلطات تعزيزات أمنية لنزع فتيل التوتر.
وتضاربت المعلومات حول أعداد الضحايا، ففيما قال معتمد (حاكم) الجنينة الطاهر عبد الرحمن بحر الدين في تصريحات إن عدد قتلى الأحداث بلغ 12 قتيلا خلال يومين من التوتر، بجانب أعداد غير محصاة من الجرحى، ذكر والي الولاية خليل عبد الله أن العدد لا يتجاوز ستة قتلى.
وفي غضون ذلك، ضجت مواقع النشطاء السياسيين والمعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات للتضامن مع الضحايا في الجنينة، واعتبرت الأحداث ناتجة عن استخدام العنف المفرط من قبل الحكومة، وعودة إلى نهج الأجهزة الأمنية القديم، فيما اعتبرها البعض الآخر انتفاضة شعبية سلمية، أتت من الهامش، ودعوا إلى تصعيدها في أنحاء البلاد كافة.
وشهدت المدينة أعمال عنف واحتجاجات بسبب حرق مجموعة مسلحة مجهولة قرى مُلي، وعاتية، قرقور (15 كيلومترا جنوب الجنينة)، ونزح مواطنوها للاحتماء بالولاية. وقال مواطنون إنها امتداد لميليشيا «الجنجويد» سيئة الصيت، وإن الولاية لم تستجب لمطلب حمايتهم بسبب انشغال الوالي بوزيرة اتحادية تزور الولاية، فقاموا برمي المبنى الحكومي بالحجارة، ثم دخلوا المبنى بدوابهم وأحرقوا بعض الممتلكات داخله، كما أحرقوا مسكن حاكم الولاية والسيارات حول المكان.
وذكر شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن صداما حدث أثناء محاولة الشرطة إخراج المواطنين بالقوة، أدى لسقوط عدد من الضحايا داخل المبنى، تراوحت أعدادهم بين اثنين وخمسة رميا بالرصاص، وهو الأمر الذي تنفيه السلطات الرسمية، فيما جرح 27، بالإضافة للذين أصيبوا باختناقات بالغاز المسيل للدموع.
وتفاقمت الأوضاع في اليوم التالي أثناء مراسم تشييع ضحايا الأحداث، مما زاد من ضراوة الأحداث، ليقر معتمد المدينة الطاهر بحر الدين في تصريحات بأن 12 من المواطنين لقوا حتفهم.
ونقلت تقارير صحافية عن المتحدث باسم الحكومة عبد الله مصطفى أن أحد أفراد مجموعات الرعاة وجد قتيلا في قرية مُولي، قرب الجنينة، وقال إن الأهالي خشوا رد فعل ذويه ففروا باتجاه العاصمة، أملا في الاحتماء بأحد مخيمات اللاجئين. وأفاد مصطفى بأن جهات سياسية، لم يسمها، استغلت الموقف فحرضت المواطنين الفارين على الاحتجاج داخل مبنى أمانة الحكومة، وقال إن بعضهم شرعوا في تخريب سيارات وإحراقها، وأشاعوا الفوضى، مما اضطر السلطات للتدخل للسيطرة على الأوضاع.
إلا أن النازحين قدموا رواية أخرى، تقول إن ميليشيات مسلحة موالية للحكومة هددت السكان، وأحرقت القرى في أعقاب العثور على جثة الراعي القتيل، وخيرتهم بين دفع الدية أو تسليم قاتله، وحين رفضوا الاستجابة شنت الميليشيات هجمات عنيفة عليهم، أحرقت خلالها القرى الثلاث ونهبت ممتلكات المواطنين، مما أدى لنزوحهم إلى عاصمة الولاية طلبا للحماية، ثم احتلوا مبنى الحكومة، وقدرت أعدادهم بأكثر من ألف، أغلبهم نساء وأطفال.
ونددت أحزاب المعارضة المدنية والمسلحة بالأحداث، واعتبرتها امتدادا لعمليات الحرق والسلب والقتل، التي ظلت تسود الإقليم منذ أكثر من 12 عاما، فيما أعربت بعثة حفظ السلام المشتركة في دارفور (يوناميد)، في بيان حصلت عليه الصحيفة أمس، عن قلقها إزاء استمرار التوتر في مدينة الجنينة وحول قرية مولي. وقالت إن مجموعة مسلحة مجهولة الهوية هاجمت القرية، مما أدى لنزوح كبير وسط السكان. وأوضح البيان أن المتأثرين المدنيين تظاهروا أمام مكتب الوالي بالجنينة، مما أدى إلى إقفال المدارس والأعمال التجارية في المدينة، وذكرت أنها تتلقى باستمرار تقارير حول استمرار الاضطرابات وإطلاق نار متقطع في مدينة الجنينة ومولي، فيما لا يزال عدد الضحايا غير معلوم.
وبينما دعت «يوناميد» السلطات الحكومية إلى «بذل أقصى جهودها لاحتواء الموقف والتحقيق في هذه الأحداث»، وإلى ضبط النفس من الجهات كافة، مبدية استعدادها لمساعدة السلطات المحلية وأهل الإقليم لحل الوضع عبر الطرق السلمية، تبنى نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي حملة تضامن مع الجنينة، جاء فيها أن «النظام يعيد مجازر سبتمبر (أيلول) في يناير (كانون الثاني)، وسقط 10 في مظاهرات مطلبية أمس»، و«لون بروفايلك بالأسود.. تضامن مع شهداء ومتظاهري الجنينة ورفضا للعنف المفرط من قبل أجهزة النظام تجاه احتجاجات سلمية».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.