مطاعم ماكدونالدز.. «مأوى» للمشردين في الصين

يلجأون إليه في الليل عندما تقل حركة الزبائن ليغادروه مع بزوغ الفجر

مطاعم ماكدونالدز تصبح ملاذات آمنة للمضطهدين في ساعات الليل (نيويورك تايمز)  -  سلسلة المطاعم الأميركية تحولت إلى ملجأ للمحرومين من الإيواء في مدن آسيا الكبرى (نيويورك تايمز)
مطاعم ماكدونالدز تصبح ملاذات آمنة للمضطهدين في ساعات الليل (نيويورك تايمز) - سلسلة المطاعم الأميركية تحولت إلى ملجأ للمحرومين من الإيواء في مدن آسيا الكبرى (نيويورك تايمز)
TT

مطاعم ماكدونالدز.. «مأوى» للمشردين في الصين

مطاعم ماكدونالدز تصبح ملاذات آمنة للمضطهدين في ساعات الليل (نيويورك تايمز)  -  سلسلة المطاعم الأميركية تحولت إلى ملجأ للمحرومين من الإيواء في مدن آسيا الكبرى (نيويورك تايمز)
مطاعم ماكدونالدز تصبح ملاذات آمنة للمضطهدين في ساعات الليل (نيويورك تايمز) - سلسلة المطاعم الأميركية تحولت إلى ملجأ للمحرومين من الإيواء في مدن آسيا الكبرى (نيويورك تايمز)

استيقظ على صوت حارسة الصباح، وهي تقول: «ارتد حذاءك». وبعدها هزت الحارسة الكرسي الذي يجلس عليه قائلة: «هذا ليس منزلك، استيقظ». فتح «دينغ شين فنغ» عينيه جزئيا. حدث ذلك عقب بزوغ الفجر. فمن داخل مطعم ماكدونالدز الذي يعمل على مدار 24 ساعة في وسط العاصمة الصينية بكين، يبدأ أكثر من اثني عشر شخصا بلا مأوى روتين حياتهم اليومية.
رفع السيد دينغ رأسه، فظهرت بعض بقع الطعام والشعارات المزخرفة على الطاولة أمامه. وينص أحد تلك الشعارات على: «استيقظ كل صباح مع فكرة أن شيئا رائعا على وشك أن يحدث».
قد لا يتمكن السيد دينغ من قراءة اللغة الإنجليزية، لكنه قال إنه يحب دفء تلك الطاولة، الموجودة في زاوية المطعم، المكان الذي يسميه منزلا طوال سنوات كثيرة.
في كل ليلة عبر شرق آسيا، في المدن الكبرى مثل بكين وهونغ كونغ وطوكيو، تلجأ طبقة غير مرئية من الناس - محرومة من أنظمة الإيواء، وملعونة من قبل أسرها، ولم يحالفها الحظ - إلى منارة أميركانا كمكان دافئ وجاف للنوم.
خلال النهار، تستضيف مطاعم ماكدونالدز حفلات أعياد الميلاد ونوادي الكتب. وأثناء الليل، عندما تقل الحركة ويخفض صوت موسيقى البوب، تصبح ملاذات آمنة للمضطهدين، الذين ينقضون على سندوتشات البرغر نصف المأكولة والبطاطس المقلية البالية، ويحصلون على أماكن نوم ثمينة في مقصورات مبطنة.
ويختفي هؤلاء المشردون - الذين يسمون غالبا لاجئي ماكدونالدز - عند شروق الشمس. ويمشط بعضهم شعرهم بالأشواك البلاستيكية قبل الانسلال خارجا إلى عامة الشعب.
وفي صباح يوم عابس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث كانت الرياح تعوي بالخارج، امتلأ مطعم ماكدونالدز الذي يأوي السيد دينغ بتلاميذ المدارس وباعة البطاطا الحلوة والمتقاعدين المزودين بقطع الشطرنج وأفراد دوريات الشوارع المحمرة أعينهم.
بدأ السيد دينغ في الالتفاف على الناس لجمع التبرعات. وقال: «تتوسل أسرتي للحصول على الطعام منذ سلالة مينغ الحاكمة. أنا من جيل القرن التاسع عشر. لن يكون هناك متسولون في الصين بعد موتي».
أعطاه رجل صحيفة، وأعطته امرأة 50 سنتا، فيما أعطته فتاة صغيرة بطاطا مقلية. بعد ذلك، عاد السيد دينغ إلى مقعده، وفتح الصحيفة، وبدأ في قراءة الأرقام الفائزة في اليانصيب.
وفي حين قد تطردهم بعض المطاعم الأخرى، إلا أن مطاعم ماكدونالدز بشكل عام تحتضن المشردين مثل السيد دينغ، الذين يتدفقون إلى سلسلة ماكدونالدز التي تدير مطاعم كثيرة مفتوحة طوال 24 ساعة في آسيا. وتفتح ماكدونالدز أكثر من نصف مطاعمها وعددها 2200 مطعم في الصين على مدار 24 ساعة في اليوم.
قضت ماكدونالدز عقودا في زرع صورتها داخل المجتمع هنا، ببناء مطاعم مشرقة وأنيقة، مع تعديل القوائم وفقا للأذواق المحلية. وعلاوة على وجبات البرغر والبطاطس المقلية التقليدية، تقدم مطاعم بكين فطائر القلقاس وحليب الصويا مع الخبز المقلي. وأصبحت كثير من المطاعم مؤسسات حيوية في الحي، ورموزا للحالة والنظافة، وأماكن شعبية لمجموعات الدراسة واجتماعات العمل والدردشات الجانبية.
وقالت «ريجينا هوي»، المتحدثة باسم سلسلة مطاعم ماكدونالدز في الصين: «ترحب ماكدونالدز بزيارة الجميع مطاعمها في أي وقت».
ويعتمد مدى الترحيب بصاحب كل فرع. وكتبت «بيكا هاري»، المتحدثة باسم مقر الشركة في أوك بروك بولاية إلينوي الأميركية، في رسالة بريد إلكتروني تقول: «نحن بالتأكيد مكان ترحاب، لكنني لا أود أن أطلق عليها اسم سياسة».
ويظل التوتر بشأن الحد المسموح به من الترحيب محل جدل لماكدونالدز منذ وقت طويل في جميع أنحاء العالم. ففي عام 2014، استدعى مطعم ماكدونالدز في مدينة نيويورك الشرطة لإزاحة مجموعة من الزبائن الكوريين القدماء الذين حولوا المطعم إلى ناد اجتماعي، يقضون فيه وقتا أكبر من المال الذي ينفقونه. وشب حريق في مطعم ماكدونالدز في مانشستر بإنجلترا العام الماضي لرفضه خدمة زبون كان يرتدي ملابس قذرة، لاعتقادهم أنه مشرد.
وفي هونغ كونغ، قال مدير ماكدونالدز «ستيفكس هو» إنه اضطر للتعامل مع حشد من مدمني الهيروين والأشخاص الذين يبدو أنهم مرضى عقليون.
وأوضح: «لا يمكننا طردهم. إنما يمكننا فقط مطالبتهم بالرحيل».
ويقول كثير من المشردين إنهم ليس لديهم خيار آخر، نظرا لندرة خيارات المأوى، والعار الذي يلحق بهم من النوم في الشارع. وفي الصين تسمح الحكومة للمشردين بالبقاء في ملاجئ لمدة أقصاها 15 يوما.
وصل «يب هين مينغ»، 57 عاما، إلى هونغ كونغ قبل أربعة عقود، مدفوعا بالقصص حول أضواء النيون والمصانع المجلجلة بالصوت. وفي أبريل (نيسان)، بعد عمله كرسام لمدة عقدين، اضطر للاستقالة بعد أن أصبح الألم من جراء إصابة الذراع بسبب الشغل فظيعا. وأضاف: «كانت هذه هي النهاية، لم أعد قادرا على العمل». حزّم حقيبة بها فرشاة أسنان وورق حمام، وعثر على مكان هادئ تحت لوحات البصل والطماطم في مطعم ماكدونالدز في كولون بهونغ كونغ.
في يوم من الأيام، قال إنه أصيب بالفزع من جراء عمله بوفاة امرأة في أحد مطاعم ماكدونالدز بالمدينة. فقد جلست منحنية على الطاولة لمدة 24 ساعة، مغطاة بمعطف رمادي اللون، قبل أن يلاحظ أي شخص أنها غادرت الحياة. وذكر السيد يب: «لا أحد يعرف من نحن، وأين نعيش. ولا أحد يهتم بشأننا عندما نموت. نحن غير مرئيين».
وقال تشان واي كوان، 63 عاما، حارس سابق كان يعيش في ماكدونالدز من الساعة السادسة مساء حتى الساعة السادسة صباحا كل يوم لمدة ثلاث سنوات، إن هونغ كونغ فقدت معانيها الإنسانية.
وتوجه بسؤال للسيد يب قائلا: «سوف تخبر أسرتي إذا حدث لي أي شيء، أليس كذلك؟ هل ستتأكد من إخبارهم إذا توفيت؟». أومأ السيد يب برأسه، لكنه بدا يائسا.
وأضاف تشان: «أسرتي لا تعرف أي شيء عن حياتي هنا. وأنا لا أريد أن أخبرهم. إنها بائسة للغاية».
وبالإضافة إلى السعي اليومي من أجل الحصول على الطعام والمتطلبات اللازمة لكن بالاستجداء المهين، يتصارع سكان الليل في ماكدونالدز مع الشعور بأنهم كسالى وغير شريفين. ويكون موظفو المطعم متجهمين في تصرفاتهم أحيانا؛ إذ ذكرت السيدة «تشين»، موظفة في ماكدونالدز ببكين، رفضت ذكر اسم عائلتها لأنها غير مخولة بالحديث مع وسائل الإعلام: «يمكنهم العثور على وظائف. إنهم فقط يشعرون بالكسل عن البحث. إنهم ينفرون زبائننا، لأن رائحتهم سيئة للغاية». وقالت «تشانغ وي»، 56 عاما، وهي بائعة خضراوات فقدت أسنانها، إنها تتوق للحياة الطبيعية، لكنها منبوذة من عائلتها. وأضافت: «كم هو رائعا أن تكون قادرا على الطهي وتناول الطعام في منزلك، حيث يمكنك الحصول على زلابية وكعك، والنوم على سريرك. إن لم يكن لديك المال، لا يمكنك النوم إلا بالكاد».
يمتلك السيد دينغ سمعة في ماكدونالدز أنه مشاكس. لديه عادة التعليق الاجتماعي الفظ وبصوت عال، والقول للموظفين الحكوميين إنهم فاسدون، وللرجال الذين يرتدون سترات إنهم جشعون.
ومع ذلك، إنه يعمل. ففي معظم الأيام، يغادر ماكدونالدز نحو الساعة الثامنة صباحا لتمشيط صناديق القمامة وسلال الأزقة الخلفية في سبيل الحصول على قصاصات النحاس والصلب، حيث يبيع القطعة الواحدة لصديق له بـ80 سنتا. وبعد ذلك، يعود في وقت الغداء، منتظرا تخلي الزبائن عن بعض البطاطس المقلية والعصائر. وقال السيد دينغ: «هذا هو عملي. هذه طريقتي للمعيشة. ليس لدي أي سبيل آخر».
وتحدث مازحا عن بيع مقلتي عينيه، أو الانتقال إلى أميركا، حيث سمع أنهم يعاملون المشردين هناك بشكل أفضل. وتابع قراءة اليانصيب، وتدوين سلاسل طويلة من الأرقام. وحسب احتمالاته واحد من 10 ملايين. هذا لا يهم، على حد قوله. وتابع: «جئت إلى العالم عاريا، وسأغادرها عاريا. لا شيء آخذه معي عندما أموت».

*خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».