كثيرًا ما يشعر أي غريب تطأ قدماه قرية كودينهي في ولاية كيرالا الواقعة جنوب الهند، بالحيرة والخوف، ذلك أنه من المواقف المتكررة بها أن تلتقي شخصًا ما بأحد الأسواق، مثلاً، ثم تلتقي شخصًا مطابقًا له في الشكل بمكان آخر. وربما تشعر بالفزع لدى رؤيتك شابا ما يلعب الكريكيت بمكان ما رغم أنك التقيت شخصا يشبهه تمامًا في السوق منذ بضع دقائق. وربما تشعر بأن مكروها ما أصاب عينيك برؤية مزدوجة لدى مشاهدتك لسيدات عجائز متطابقات تمامًا في الشكل يتحدثن إلى شابات متطابقات في الشكل أيضًا.
ورغم كل ما يعتليك من حيرة ودهشة، وربما خوف، فإن ما تراه يبقى واقعًا قائمًا وليس محض خيال. ويوجد هذا الواقع المميز داخل قرية كودينهي الهندية المشهورة عالميًا بارتفاع معدلات التوائم بها.
ورغم أن عدد السكان ليس ضخما، حيث يزيد قليلاً عن 13.000 نسمة، فإن القرية تضم قرابة 500 مجموعة من التوائم. ويعتبر محمد حاجي، 87 عامًا، أكبر التوائم سنًا في القرية، بينما توفي شقيقه منذ سنوات قلائل. أما أكبر التوائم سنًا الذين ما زالوا على قيد الحياة داخل القرية فهما باثوم ماكوتي وكونهي باثوم ماكوتي البالغان من العمر 68 عامًا. ويحمل كلاهما الاسم ذاته، مثلما الحال مع الكثيرين داخل القرية.
عالميًا، يشكل التوائم 6 في المائة فقط بين كل 1.000 مولود جديد، بينما يرتفع المعدل داخل قرية كودينهي إلى 46 بين كل ألف مولود، ما يمثل 750 في المائة زيادة عن المعدل السائد عالميًا. أما المفارقة فتكمن في أن الهند تحديدًا تعد بين أقل دول العالم من حيث معدل المواليد التوائم، في الوقت الذي تتصدر كودينهي مناطق العالم من حيث معدل التوائم.
عبر شوارع وطرق القرية، تقع عيناك على لوحات إعلانية تحمل صور عباءات على امتداد الطريق ومنازل ضخمة متعددة الطوابق تحيطها حدائق مليئة بأشجار الموز وجوز الهند، ما يعد دليلاً على الثراء. وعلى امتداد الطريق، كثيرًا ما تلتقي نسخا متطابقة من أطفال وشباب وكبار في السن في مختلف جنبات القرية من مدارس وأسواق ومتاجر ومكاتب. في الواقع، تضم كل أسرة من أسر القرية تقريبًا توائم. علاوة على ذلك، فإن هناك قرابة اثنتي عشرة حالة لثلاثة توائم، بينما ينتمي غالبية التوائم بوجه عام إلى الإناث.
يوسف أحد سكان القرية، وقد أنجب ثلاثة أزواج من التوائم ـ جميعهم إناث. كانت زوجته قد وضعت أول زوج من التوائم منذ سبعة أعوام، بينما أنجبت الزوج الأخير العام الماضي.
وتعد هذه الأرقام مثيرة للحيرة بالفعل. كما يتميز توائم القرية بصحة جيدة. جدير بالذكر أن ظاهرة الأعداد الضخمة من المواليد التوائم لا تقتصر على كودينهي، وإنما لوحظت أيضًا في مدينة إغبو ـ أورا النيجيرية. وتوصلت دراسة أجرتها جامعة لاغوس تيتشينغ هوسبيتال داخل إغبو ـ أورا إلى ارتفاع كميات الهرمون المنبه للجريب داخل النساء صاحبات البشرة السمراء بالمدينة، بجانب تأثير قشور كمأة يجري تناولها على نطاق واسع، وذلك باعتبارهما السبب وراء ظاهرة المواليد التوائم. إلا أنه داخل كودينهي لم يتم التوصل إلى تفسير واضح للأمر بعد، حيث لا يوجد اختلاف واضح بين العادات الغذائية لسكان القرية وباقي أرجاء كيرالا.
وتعد هذه الظاهرة بمثابة لغز للكثير من الأطباء المحليين والعلماء ووسائل الإعلام. من بين هؤلاء د. لاليج سينغ، مدير مركز البيولوجيا الخلوية والجزيئية في حيدر آباد، والذي أعرب عن اعتقاده بأن القرية تعد بمثابة منجم ذهب جيني. وقد عكف فريق من الأطباء المحليين والدوليين على دراسة عينات من دماء التوائم وآبائهم وأمهاتهم في محاولة لفك طلاسم هذه الظاهرة. إلا أنهم لم يتوصلوا إلى أي نتائج حاسمة بعد، رغم اعتقادهم أن الظاهرة ربما يكمن وراءها مزيج من عوامل بيئية وغذائية ومعيشية.
وفي عام 2010. زار فريق من قناة «ناشيونال جيوغرافيك» العلمية الوثائقية القرية، وعكف على دراسة الظاهرة وتوثيقها. وبالفعل، قاموا بتصوير فيلم وثائقي مدته ساعة بعنوان «مدينة التوائم».
من ناحية أخرى وفي ظل وجود توائم في كل بيت من بيوت القرية تقريبًا، فقد تسبب هذا الأمر في وقوع الكثير من الأخطاء والمواقف الطريفة.
في هذا الصدد، اشتكى سليمان، صاحب متجر بالقرية والذي ربما يعد واحدًا من القلائل داخل القرية الذين لم يرزقوا بتوائم، بأنه يواجه مشكلة غير عادية، حيث قال: «تخيل أن صبيا صغيرا يأتي إلى المتجر ويطلب مزيجا معينا من الحلوى، وبمجرد أن تنتهي من تجهيزه تفاجأ بالصبي يطلب مزيجًا آخر مختلفا. وعندما أشرع في كيل السباب له، يقدم لي مبررًا صادقًا، وهو ببساطة أن الطلب السابق تقدم به شقيقه وليس هو. وفي معظم الحالات، أتولى تسليم طلب موجه لمتجر البقالة من سيدة ما إلى توأمها المتطابق، حيث إن غالبية السكان لهم نسخ طبق الأصل».
كما تعج القرية بقصص طريفة في المدارس حول مدرسين يجابهون صعوبة في تحديد التوائم، ما يضطرهم إلى إجبارهم على تسريح شعرهم على نحو مختلف كي يتمكنوا من التمييز بينهم.
وفي هذا الصدد، حكى عمران، المدرس بمدرسة القرية، قصة طريفة حيث قال: «أحيانًا ينجح تلاميذي التوائم في خداعي من خلال تشاركهم في نسخة من الواجب المنزلي وإظهاره أمامي واحدا تلو الآخر. وأحيانًا يتعرض تلميذ لعقاب عن خطأ ارتكبه شقيقه التوأم».
ويواجه باقي السكان مواقف مشابهة، ما يجعل من النادر مرور يوم على القرية يخلو من إثارة أو موقف طريف. كما تتكرر قصص عن أمهات يطعمن الطفل ذاته مرتين. من بين هؤلاء نورول، التي أنجبت زوجين من التوائم. وقالت: «عندما رزقت بأول زوج من التوائم، أحيانًا كنت أطعم الطفل ذاته مرتين، لكن لاحقًا بدأت أميز بينهما بعلامات، مثل جعلهما يرتديان ملابس مختلفة».
أيضًا، هناك نكات حول أزواج من المتزوجين حديثًا يخطئون في التعرف على شركائهم ويخلطون بينهم وبين أشقائهم التوائم في بداية الزواج. وعليه، كثيرًا ما تطلب السيدات من أزواجهن ارتداء ملابسهم بطريقة معينة بحيث يتمكن من التمييز بينهم وبين أشقائهم.
داخل كودينهي، يجري النظر إلى التوائم باعتبارهم هدية من السماء تحمل الحظ السعيد. وعليه، يجري التعامل معهم حب وود واحترام. ويعد مولد توأم فألا جيدا. ومن المعتقد كذلك أن التوائم يملكون قوى خارقة والقدرة على إيذاء من يثير سخطهم.
من جهته، ادعى تي. كيه. عبد الرزاق، 60 عامًا، أنه يعلم السر وراء ذلك، معربًا عن اعتقاده بأن التوائم هم منحة من الله. وقال: «نرغب في قدوم من حرموا من الإنجاب من أبناء مناطق أخرى إلى هنا والبقاء لفترة ومعاينة البركات التي ستحل عليهم».
المثير أن الأزواج المنتمين في الأصل إلى كودينهي وهاجروا لمناطق أخرى من البلاد، ظلوا متمتعين بقدرتهم الاستثنائية على إنجاب توائم!
وأوضحت دكتورة ليلى التي تدير مستشفى خاصا بها، أن ولادة التوائم لم تقتصر على أفراد ولدوا وترعرعوا هنا فحسب. واستطردت بأن: «الكثيرات من النساء ممن أتين إلى كودينهي بعد الزواج من أحد أبناء القرية أنجبن توائم أيضًا. لذا، فإن الأمر ربما له علاقة بعنصر غامض في البيئة».
وأضافت: «في وقت سابق، أجرينا اختبارات على المياه، لكننا لم نصل لنتائج حاسمة».
ونظرًا للاهتمام العالمي البالغ الذي اجتذبته مسألة ولادة التوائم لطابعها الفريد، جرى تشكيل «اتحاد التوائم والأقارب» الذي يقوم على الاعتقاد بأن كودينهي تضم أكبر تركز لأعداد التوائم في العالم، ويسعى الاتحاد للتواصل مع مسؤولين من مؤسسة غينيس للأرقام القياسية لإدراج اسم القرية لديهم.
في الوقت ذاته، وبعيدًا عن كودينهي، تحديدًا 1.000 كيلومتر إلى شمال الهند، توجد قرية أخرى باسم محمد بور أوماري في ولاية غوغارات الهندية، وتضم 120 زوجًا من التوائم بين سكانها البالغ عددهم 4.000 نسمة. ويتمثل العامل المشترك بين القريتين أن المسلمين يغلبون على سكانها. ويعود عمر ظاهرة ولادة التوائم هنا أيضًا لما بين 70 و80 عامًا. بيد أن الاختلاف الوحيد بين القريتين أن أومري تتسم بفقر سكانها، بينما تتمتع غالية أسر كودينهي بالثراء لعمل الكثير من أبنائها بمنطقة الخليج العربي.
من المنظور الطبي، تدور التكهنات حول أن ولادة التوائم يقف وراءها أنماط معينة من الجينات والحامض النووي، لكن هذا الأمر غير قاطع لأنه لا يفسر السبب وراء ولادة توائم في أسر غير مسلمة لا يكون فيها الزوجان من أبناء العمومة، على خلاف الحال مع غالبية الأسر المسلمة، حسبما أوضح سريبيجو إم كيه، الطبيب الذي يعكف على دراسة ظاهرة كثرة التوائم في كودينهي منذ عقد حتى الآن.
ويرفض سريبيجو فرضية أن زواج الأقارب هو السبب وراء الظاهرة، معربًا عن اعتقاده بأنه: «لا بد أن هناك شيئا ما يحفز المبايض على إنتاج البيض». ويعتقد أن هذا الأمر موجود بالبيئة الطبيعية المحيطة داخل مثل هذه القرى. وقال: «قمت بتجميع عينات من الهواء والماء والتربة وما إلى غير ذلك، وجميع العناصر الطبيعية الممكنة في كودينهي. وهي مهمة بالغة الضخامة..». وينوي سريبيجو زيارة أومري قريبًا للقيام بالأمر ذاته.
قرية كودينهي الهندية بها 500 توأم.. ويشكلون 6 % بين ألف مولود
بلدة التوائم تشعرك بالحيرة والخوف لتشابه الأشخاص
قرية كودينهي الهندية بها 500 توأم.. ويشكلون 6 % بين ألف مولود
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة