معرض فني يستلهم قصيدة الشاعر محمود درويش «قافية من أجل المعلقات»

إنجاز عمل فني باستخدام فن الكتابة والتطريز

من المعرض
من المعرض
TT

معرض فني يستلهم قصيدة الشاعر محمود درويش «قافية من أجل المعلقات»

من المعرض
من المعرض

تحولت قصيدة «قافية من أجل المعلقات» للراحل محمود درويش إلى عمل فني يستخدم الخط الكوفي والتطريز بالحرير على يد الفنان الفلسطيني فائق عويس الذي يعرضها حاليا في متحف درويش برام الله.
وعرض عويس، الحائز لشهادة الدكتوراه عن عناصر الوحدة في الفن الإسلامي في المعرض، 12 لوحة فنية حملت كل منها مقطعا من إحدى قصائد درويش مكتوبة بالخط العربي الكوفي مطرزة بالحرير. وللوحات المعروضة قصة جمعت الفنان مع الشاعر الراحل، ويروي الفنان في لقاء مع «رويترز» قصة اللوحات التي استغرق العمل فيها عاما كاملا، وشاركت في تطريزها لاجئات فلسطينيات في مخيم البقعة في الأردن.
يقول عويس «في صيف عام 2008 ذهبت إلى مكتب محمود درويش في مركز خليل السكاكيني في رام الله لإهدائه ملصقا من جدارية إدوارد سعيد التي رسمتها في جامعة فرانسيسكو، حيث استخدمنا كلمات من قصيدة درويش في رثاء إدوارد سعيد (أنا من هناك أنا من هنا)».
ولم يسعف الوقت عويس في توصيل الإهداء، فقد كان درويش في طريقه إلى تلقي العلاج في الولايات المتحدة حيث توفي هناك دون أن يرى اللوحة. ودفعت هذه الواقعة عويس إلى أن يبدأ في إنجاز عمل فني «تحية وتقديرا له (درويش). وكانت الفكرة أن أجمع بين كلمات درويش وفن الخط العربي والأشكال الهندسية وتصميمها على شكل معلقات». وأوضح عويس أن البداية كانت بتصميم هذه اللوحات طباعة على القماش، ولكن وفاة والدته التي كانت تطرز الأثواب الفلسطينية جعلته يقرر أن يخلد ذكراها بتنفيذ هذه اللوحات بالتطريز اليدوي، وهو الفن المعروف فلسطينيا.
ويقول عويس في نشرة وزعت مع المعرض «اخترت 10 أبيات أو جمل (مما قاله درويش) وصممتها على شكل معلقات، حيث تعتبر المعلقات من أشهر ما قيل في الشعر العربي القديم». ويضيف «ثم أضفت قطعتين.. الجملة الملهمة (أنا لغتي.. أنا معلقة.. معلقتان.. عشر.. هذه لغتي) ومقطع من قصائده الأخيرة (لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي)».
ويرجع عويس استخدامه إلى الخط الكوفي الهندسي في تصميم اللوحات الفنية إلى أنه «خط ثابت وقوي يناسب كلمات قوية ككلمات درويش». ويضيف «كما استخدمت الأشكال الهندسية والتماثل لتكوين أشكال ونماذج متكررة وغير متناهية للدلالة على قوة هذه الكلمات التي يمكن أن تتكرر إلى ما لا نهاية، وتعبيرا عن استمرار تمسكنا بكلمات درويش، وأنها باقية معنا ولن تنتهي».
واستخدم عويس خيط الحرير القريب إلى الأحمر في عمل هذه اللوحات، مشيرا إلى أن هذا اللون كان يطغى على الأثواب الفلسطينية المطرزة. وقال إن هذه المعلقات الاثنتي عشرة هدية منه إلى متحف محمود درويش الذي أقيم على تلة في رام الله مطلة على القدس، حيث وووري جثمانه الثرى فيها. وتستوقف اللوحات كل من ينظر إليها لمعرفة ما هو مكتوب فيها. ويكفي العارفين بأشعار درويش قراءة كلمة واحدة لإكمال باقي الجملة.
من جانبها، قالت تمارا فيري، الفنانة التشكيلية الفلسطينية، لـ«رويترز»، خلال تجولها في المعرض الذي ضم إضافة إلى المعلقات المطرزة بالحرير نسخا أخرى مطبوعة على القماش بنفس الطريقة «لقد تمكن (عويس) من ربط عدة أمور بعمل فني واحد من خلال الكلمات والتطريز». وأضافت «الخط العربي فيه فن عميق ومساحات وجدانية أحسن الفنان استخدامها».
ويستمر المعرض حتى يوم الخميس المقبل الذي يحيي فيه الفلسطينيون اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية والذي يصادف ذكرى ميلاد سيد الكلمة محمود درويش.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».