لبنان: حزب الله محاصر خارجيًا بالعقوبات الأميركية.. ومحرج داخليًا إثر حصار مضايا وموقفه من الرئاسة

معارضون للحزب ينبهون من سطوته ماليًا على الطائفة الشيعية

لبنان: حزب الله محاصر خارجيًا بالعقوبات الأميركية.. ومحرج داخليًا إثر حصار مضايا وموقفه من الرئاسة
TT

لبنان: حزب الله محاصر خارجيًا بالعقوبات الأميركية.. ومحرج داخليًا إثر حصار مضايا وموقفه من الرئاسة

لبنان: حزب الله محاصر خارجيًا بالعقوبات الأميركية.. ومحرج داخليًا إثر حصار مضايا وموقفه من الرئاسة

بعكس ما قد توحي التطورات الأخيرة للبعض لجهة أن حزب الله يعيش مرتاحا في فائض القوة التي يتمتع بها بعد تمدده إلى خارج الحدود اللبنانية، فإن الحزب قيادة وعناصر يرزحون تحت ضغوط هائلة داخليا وخارجيا على حد سواء، خصوصا نتيجة الموضوع المالي والعقوبات الأميركية المتواصلة على نوابه وقيادييه والشخصيات التي يشتبه بها في تمويل أنشطته. وكذلك، جراء الأزمات الداخلية المتلاحقة التي يتقصد خصومه فيها إحراجه. ولعل أزمة الجياع في بلدة مضايا السورية شكلت أخيرًا التحدي الأكبر الذي اضطر الحزب إلى التعامل معه، بعدما بات واضحا أنه شريك في تجويع أهل البلدة المتاخمة للحدود اللبنانية.
لقد وجد حزب الله نفسه مضطرا في الساعات الماضية إلى إصدار بيان يوضح وجهة نظره من أزمة مضايا، بعدما تصاعدت ردود الفعل الغاضبة في وجهه مع انتشار صور أطفال البلدة السورية وهم يتضورون جوعا، مع العلم بأن الحزب لا يصدر بيانات مماثلة أو يتبع سياسة التبرير، إلا أن حجم الحملة عليه دفعه إلى حض وسائل إعلامه للاستنفار والعمل على سلسلة تقارير لنفي مسؤولية الحزب عن المجاعة في مضايا، وتكذيب ما يصدر عن وسائل الإعلام المؤيدة للمعارضة السورية.
ويوم أمس نفذ العشرات من السوريين واللبنانيين وقفة تضامنية مع البلدة السورية المحاصرة عند نقطة المصنع الحدودية في الداخل اللبناني، وللمرة الأولى منذ فترة طويلة رفعت لافتات منددة بممارسات حزب الله، وتم إطلاق شعارات معارضة له، مما يعكس حجم الاحتقان الشعبي في المجتمعين اللبناني والسوري على حد سواء من سياسات الحزب وأفعاله.
وفاقمت المستجدات على صعيد ملف الرئاسة اللبنانية، من وضعية الحزب في الداخل، خصوصًا بعدما فسر رفضه السير في ترشيح حليفه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للرئاسة، وتمسكه بترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح، العماد ميشال عون، بأنه يستخدم وإيران الورقة الرئاسية اللبنانية على طاولة المفاوضات الإقليمية، ويرفض تسليمها في الوقت الراهن، وبالتالي وضع حد للشغور الرئاسي المتمادي منذ مايو (أيار) 2014.
ويبذل حزب الله جهودًا كبيرة واستثنائية للتعامل مع كل هذه التحديات، إلا أن النقمة المتنامية في بيئته من مواصلة القتال في سوريا ومقتل المئات من عناصره في الحرب المستمرة هناك منذ عام 2011، تبقى التحدي الأكبر بالنسبة إليه، إضافة إلى موضوع الحصار المالي الذي يتعرض له. ولقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية يوم أول من أمس (الخميس) عقوبات على رجل أعمال لبناني يترأس شركة للاتصالات، بتهمة تقديم دعم مالي لحزب الله، فيما نبه معارضون للحزب من سطوته ماليًا على الطائفة الشيعية بعد فرض سطوة عسكرية وسياسية على البلد.
وارتأت الخزانة الأميركية إضافة اسم علي يوسف شرارة، رئيس مجلس إدارة شركة «سبكتروم إينفستمنت غروب هولدينغ» للاتصالات إلى القائمة الأميركية السوداء، متهمة إياه في بيان بـ«تلقي ملايين الدولارات من حزب الله بهدف استثمارها في مشاريع تجارية وتمويله في المقابل». وتقضي العقوبات المفروضة بـ«تجميد أصول شرارة في الولايات المتحدة ومنع أي شركة أو مواطن أميركي من التعامل معه أو مع شركته». ولا تقتصر أعمال «سبكتروم إينفستمنت غروب هولدينغ» على لبنان، بل تشمل منطقة الشرق الأوسط وغرب أفريقيا وأوروبا، وقد تم تأسيسها في عام 2003، بحسب أحد المواقع التي تعنى بمجال الأعمال، لتعذر الولوج لموقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.
وأفاد الموقع بأن مقر الشركة الرئيسي في لبنان هو في منطقة فردان بالعاصمة بيروت، وبأن ما بين 10 و19 موظفا يعملون فيها، موضحا أنها تعمل على توفير خدمات الاتصالات المتكاملة في خمسة أقسام رئيسية هي: الاتصالات المتنقلة، والاتصالات الصوتية، وبيانات الاتصال، وتقنية المعلومات والخدمات والدعم. ولكن ظلت المعلومات المتوافرة عن رئيس مجلس إدارة الشركة علي يوسف شرارة قليلة، بينما قال أحد المعارضين لحزب الله إنه من منطقة بنت جبيل الجنوبية.
من جهة أخرى، اعتبر لقمان سليم، مدير مركز «أمم» للأبحاث والتوثيق في لبنان، المعارض لحزب الله، أن فرض الولايات المتحدة عقوبات على شرارة وشركته «دليل واضح على حجم الاختراق المالي الذي يقوم به حزب الله لرجال الأعمال الشيعة الذين بات يلوث أعمالهم»، لافتا إلى أن «شرارة وغيره قد يكونون متورطين عن حسن أو سوء نية، إلا أن ذلك يظهر قدرة حزب الله على استمالة المتولين الشيعة ليصبحوا ملاذه المالي، مقابل إغرائهم بحماية ونفوذ في لبنان».
وقال سليم لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن حزب الله وبسبب الحصار المالي الذي يتعرض له، بات يحاول الانقضاض على أي عمل ناجح.. هو لم يعد يرهن الطائفة الشيعية عسكريا وسياسيا بل ماليا أيضا»، معتبرا أنه «قد يكون قد اقترب الوقت الذي ستندم فيه الطائفة على نشوة القوة التي وصلت إليها». جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة كانت قد أدرجت حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية عام 1995. والعقوبات بحق شرارة وشركته هي الأولى منذ القانون الذي أقره الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول)، والهادف إلى فرض عقوبات على المصارف المتهمة بتمويل حزب الله.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.