افتتاح مسرحية «الفارس» المستوحاة من أشعار الشيخ محمد بن راشد في دبي اليوم

عمل من بطولة غسان صليبا وبلقيس وأخرجه مروان الرحباني

جانب من الأوركسترا المصاحبة لمسرحية «الفارس» لحظة إعدادها («الشرق الأوسط»)
جانب من الأوركسترا المصاحبة لمسرحية «الفارس» لحظة إعدادها («الشرق الأوسط»)
TT

افتتاح مسرحية «الفارس» المستوحاة من أشعار الشيخ محمد بن راشد في دبي اليوم

جانب من الأوركسترا المصاحبة لمسرحية «الفارس» لحظة إعدادها («الشرق الأوسط»)
جانب من الأوركسترا المصاحبة لمسرحية «الفارس» لحظة إعدادها («الشرق الأوسط»)

تنطلق اليوم في مدينة دبي الإماراتية مسرحية «الفارس»، العمل الفني المستوحى من أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ويستمر العرض حتى التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي.
ويتقاسم بطولة الإنتاج كل من المطرب اللبناني المعروف غسان صليبا الذي يقوم بدور الشخصية الرئيسية للعرض (فارس) والفنانة الإماراتية بلقيس والتي تقوم بدور بطلة الملحمة (شموس). ويخرج العرض الذي ستصاحبه ترجمة إلى اللغة الإنجليزية مروان الرحباني بما يحمله من تاريخ طويل قدم من خلاله مجموعة من الأعمال المهمة في مجال المسرح الغنائي العربي انطلق أبرزها بالتعاون مع دبي والتي بدأت بمسرحية «المتنبي» في العام 2001 ومن بعدها مسرحية «زنوبيا» في العام 2007.
من جانبها، أكدت منى المري المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي أن هذا الإنتاج الكبير يعتبر وسام تميز يكلل ما قدمه «براند دبي» من مشاريع ومبادرات نوعية هدفت في مجملها إلى إبراز البعد الإنساني والإبداعي الغني وراء قصة نجاح دبي التنموية. كما قالت إن «الإبداع كان وسيظل الشعار الأشمل لكل المبادرات التي جعلت من دبي مدينة عالمية من الطراز الأول بفضل قيادة طموحة صاحبة رؤية تتوق دائما إلى الأفضل والأرقى». وأضافت: «ومن ثم حرصنا على تقديم عمل مبدع يعكس رؤية الشيخ محمد بن راشد، وما يدعو له من قيم نبيلة ضمنها شعرا في قصائده بينما يأتي تقديم هذا العمل في وقت يشهد فيه العالم تطورات تجعله في أشد الحاجة لإحياء تلك القيم أملا في تحقيق غد أفضل للإنسان».
واستغرق الإعداد لمسرحية «الفارس» قرابة العام، حيث يشير مروان رحباني مخرج العمل إلى أنه تم تنفيذ العمل في وقت قياسي، والذي يحتاج إلى نحو عامين إلى ثلاثة أعوام من الإعداد، إلا أن تضافر الجهود وتوفير كل المقومات اللازمة لإنجاح العمل وإصرار جميع المشاركين على تقديمه في أفضل صورة كفلت له أن يأتي على الوجه المنشود من الدقة والكمال في مدة زمنية قصيرة عكس من خلالها فريق العمل روح الإنجاز والتحدي التي طالما ميزت دبي تلك المدينة المبدعة التي لا تلبث أن تثبت كل يوم أنها مدينة التحدي والقدرة على الإنجاز.
وشارك في إعداد هذا العمل الفني الكبير فريق عالمي يضم أكثر من 800 فنان وعارض وخيال وموسيقي وتقني يمثلون ما يزيد على 30 جنسية مختلفة بالتعاون مع فريق من الكوادر المحلية، في وقت عكس المزيج الثقافي روح مجتمع دبي المتنوع والمتناغم والذي يعيش ويعمل فيه جاليات أكثر من 200 جنسية مختلفة.
وطاف العمل الكثير من الدول في مرحلة الإعداد والتسجيل الموسيقي وتصوير المشاهد السينمائية التي ستستخدم خلال المسرحية كخلفية للعرض الحي وشملت جولة الفريق كلا من أوكرانيا وماليزيا وبريطانيا ولبنان وذلك لتقديم عمل فني بالغ التميز بخبرات وطاقات فنية توزعت حول العالم وبالاستفادة من المشاهد الطبيعية التي تخدم قصة العمل.
وتحتفي المسرحية التي تأخذ قالب الفانتازيا بعيدا عن حدود الزمان والمكان بمجموعة كبيرة من القيم التي ترمز لها شخصية «فارس» وتم استقاؤها من أكثر من 30 قصيدة وقع عليها الاختيار بعد دراسة عميقة لما يناهز 150 قصيدة من قصائد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث تعكس الأبيات الداخلة في البناء الدرامي للمسرحية الطموح إلى عالم يسوده الود والوئام والسلام وتجمع فيه روابط المحبة والتعاون بين شعوب الأرض ليكون الأمل حافزا للناس على التطوير والبناء نحو مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)