هولاند ينعى المغني ديلبيش: مات من دون أن يشيخ

المرض يودي بالفنان الذي انتقد ديغول وغنى للمطلقين

ميشال ديلبيش بين سنوات الشباب والمرض
ميشال ديلبيش بين سنوات الشباب والمرض
TT

هولاند ينعى المغني ديلبيش: مات من دون أن يشيخ

ميشال ديلبيش بين سنوات الشباب والمرض
ميشال ديلبيش بين سنوات الشباب والمرض

ليس معتادًا أن تفتتح نشرات الأخبار في القنوات والإذاعات الفرنسية بخبر رحيل مغن تراجعت شهرته في السنوات الأخيرة. لكن ميشال ديلبيش، 69 عامًا، ظل نجمًا يحفظ الناس كلمات أغانيه ويرددونها في مناسباتهم المختلفة، سواء كانت سعيدة أو أليمة. والمغني الذي أودى به المرض الخبيث، ليل السبت، كان ملحنًا أيضًا وشاعرًا يكتب نصوص أُغنياته ويتناول القضايا الاجتماعية الداخلية الحساسة بكثير من الشفافية، مثل هجرة الشباب من الريف إلى المدينة، والحفاظ على البيئة، كما كان أول فنان يخصص أغنية لموضوع الطلاق بين الزوجين.
حال إذاعة الخبر، أصدر الرئيس فرنسوا هولاند بيانًا نعى فيه المغني، جاء فيه: «مات ميشال ديلبيش من دون أن يشيخ. وقد مستنا أغنياته لأنها تتحدث عنا وعن أحاسيسنا وتجاربنا. لقد عبر أكثر من أي كان عن مرحلة السبعينات من دون أن تتحول أغنياته إلى موضة قديمة». واستعاد هولاند بعض عناوين الأغاني الشهيرة للفنان الراحل، ومنها «كم أن ماريان جميلة»، قائلاً إن ماريان (رمز الجمهورية الفرنسية) ستبكي في مطلع هذا العام واحدًا من أفضل من تغنوا بها.
وعلى غرار هولاند، أدت وزيرة العدل كريستين توبيرا التحية للفنان الراحل بلغة تنطق شعرًا، ونشرت تغريدة جاء فيها: «لقد عرف أن الرحابة تكمن في الحب وأدرك منذ زمن طويل أن عليه التطلع نحو النجوم التي رحل ليكون بينها». أما وزيرة الثقافة فلور بيلران، وهي من جيل لم يعاصر فترة سطوع ميشال ديلبيش، فقالت إن هذا الفنان الشعبي جعل أجيالاً تغني. وحتى مارين لوبين، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، أدلت بدلوها في التعازي، وغردت بأن من يكون صاحب كل تلك الأغنيات الجميلة لا بد أن ينال حصته من الخلود.
وكان ديلبيش أكثر المغنين مبيعًا في سبعينات القرن الماضي، وذاعت شهرته بعد أن قدم، عام 1965، أغنيته الأولى «في مطعم لوريت». وقال فيما بعد إنه استلهم كلماتها من حادثة حقيقية. كما لفت الأنظار بالأغنية التي انتقد فيها الجنرال ديغول خلال انتفاضة الطلبة عام 1968، ومع ظهور موضة الغناء الشبابي وموسيقى «الروك» المستوردة من الولايات المتحدة، رفض المغني الفرنسي أن يركب الموجة وواصل تقديم أغان ذات مذاق فرنسي وكلمات شاعرية وحميمة وموسيقى هادئة. وكانت النتيجة تراجع شهرته بين الجيل الجديد وخفوت نجمه. ثم ظهر ديلبيش مجددًا قبل 5 سنوات وعاد للغناء لجمهور من الكهول الذين ما زالوا يطلبونه ويحفظون قديمه. كما وجد له موضع قدم في السينما وظهر في فيلمين فرنسيين قبل أن يهاجمه سرطان اللسان والحنجرة، فيقاومه لثلاث سنوات ثم ينتكس ويستسلم له وينطفئ في مستشفى ضاحية بوتو، شمال باريس، حسبما أعلنت زوجته.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».