اليونان.. ألفا جزيرة قابلة للحياة من أصل خمسة آلاف

إحدى هذه الجزر يقطنها شخص واحد.. يعمل حارسا لها

الجزر تلعب دورا كبيرا في مستقبل البلاد
الجزر تلعب دورا كبيرا في مستقبل البلاد
TT

اليونان.. ألفا جزيرة قابلة للحياة من أصل خمسة آلاف

الجزر تلعب دورا كبيرا في مستقبل البلاد
الجزر تلعب دورا كبيرا في مستقبل البلاد

على الرغم من اختلاف علماء الجغرافيا حول عدد الجزر اليونانية بالتحديد، وعدد الجزر القابلة للمعيشة والأخرى من الأرخبيلات الصخرية، لكن تقريبًا تشمل اليونان نحو خمسة آلاف جزيرة، منها نحو ألفي قابلة للحياة، ويمكن أن يسكنها الناس، وإن كانت إحدى هذه الجزر يقطنها شخص واحد فقط كحارس وهي جزيرة ديلوس الغنية بالآثار، ويوجد نحو 117 جزيرة فقط مأهولة بالسكان، منها 79 جزيرة عدد سكانها أكثر من 100 نسمة، و53 جزيرة فقط عدد سكانها يزيد عن ألف نسمة.
واليونان هي دولة تقع في جنوب شرقي أوروبا، على الرأس الجنوبي لشبه الجزيرة البلقانية، يحدها شمالا كل من بلغاريا، مقدونيا وألبانيا، تركيا ومياه بحر إيجة شرقًا، مياه البحر الأيوني والبحر الأبيض المتوسط غربا وجنوبًا، وتملك اليونان إرثا حضاريا عريقا، يعود تاريخه إلى آلاف السنين، ويعتبر المؤرخون الغربيون اليوم أن بلاد اليونان هي مهد الحضارة الغربية، وترتبط اليونان بعلاقات تاريخية وتجارية وطيدة مع الدول العربية.
ويقول عدد من المراقبين أن اليونان تتكون من جزر متناثرة في بحر إيجه الفاصل بين تركيا واليونان، كما أن بعضها ما زال موضع نزاع بينهما وهي أرخبيلات صخرية غير قابلة للحياة، ولكن تقع ضمن الخريطة الجغرافية لليونان، وتلعب هذه الجزر في الوقت الحالي دورًا كبيرًا في مستقبل البلاد الاقتصادي، خصوصًا منذ أن رصدت الأبحاث الجيولوجية مخزونات نفطية في محيطها.
في حين أن الجانب الآخر للجزر اليونانية أنها تتمتع بجمال طبيعي لا يقارن وتراث فني ومعماري ما زال يشهد على واحدة من أعرق الحضارات القديمة، ويصف المفكّر والشاعر والروائي اليوناني الشهير نيكوس كازاتزاكيس جزر بلاده على لسان بطل رائعته «ألكسيس زوربا» التي خلّدها الممثل أنطوني كوين في فيلم «زوربا اليوناني»، والتي ما زالت مرجعا لكل مهتم بالآداب المكتوبة بلغة هوميروس: «هنيئًا لمن قدّر له، قبل الرحيل الأخير في عشايا الخريف الهانئة، أن يبحر في هذا اليمّ النيلي الزرقة.. مترنحّا في ثنايا جزر سابحة في النور، يردد أسماءها المألوفة بشغف الصبي الذي يقع بصره فجأة على خلاّن طفولته أطيافا خلف خمار من الرذاذ المتهالك كسوة على جسد اليونان العاري منذ الأزل».
واستطاعت الجزر اليونانية، رغم الأزمات وصراع الحروب في المنطقة، أن تحافظ على ما يشبه العذرية والتفرّد في هويتها وتقاليدها، حتى السياحة التي تزحف عليها منذ سنوات لم تعكّر صفاء العيش فيها، ولم تنل من الوتيرة الحالمة للحياة بين منازلها المطليّة بالكلس، وأزقتها المسكونة بالشمس الصافية.
ومن أهم الجزر اليونانية جزيرة هيدرا، التي تبعد ساعة عن أثينا، والتي كانت منطلق حرب التحرير ضد العثمانيين العام 1821، وهي محظورة على السيارات والدراجات وتشتهر دون جاراتها من الجزر الأخرى بمنازلها العريقة والأنيقة المعلقة على منحدرات شديدة أمام البحر.
وجزيرة أخري هي كورفو أو كيركيرا كما يطلق عليها باليونانية، وهي تشبه إلى حد كبير البندقية بمعمارها، وتذكّر بالاستعمار الإيطالي الذي استقر فيها للمرة الأولى عام 1387 ولم يغادرها حتى نهايات القرن الثامن عشر، وتعتبر واحدة من أجمل جزر العالم، وتستقبل مئات الآلاف من السياح والزائرين سنويا، حيث تعد مقصدا لهؤلاء الذين يرغبون في الابتعاد عن الضوضاء والزحام ويفضلون الانسجام والاسترخاء، حيث تشتهر بشواطئها البلورية.
ولا تشتهر كورفو بجمالها فحسب، بل معروف أيضًا عن أهلها الكرم تجاه الأجانب من الزوار واللاجئين، كما أنها موطن للكثير من المواقع التي ذُكرت في الأساطير والخرافات والملاحم اليونانية القديمة، وهي موطن للكتاب والفنانين، وفيها الكثير من المعالم الكلاسيكية التي تعتبر من التراث الإنساني، الذي يُفترض الحفاظ عليه دون تغيير.
والثالثة هي جزيرة ساندوريني التي تبدو وكأنها وليدة كوكب آخر لغرابة جغرافيتها، والتي يؤكد العلماء أنها من بقايا الزلزال الهائل الذي ضرب المتوسط في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وكان مركزه على ساحل الإسكندرية، ونشأت هذه الجزيرة نتيجة تراكم طبقات اللافا التي نجمت عن الحمم البركانية المتتابعة التي تعرضت لها المنطقة قبل ثلاثة آلاف وستمائة عام، مما أدى إلى تشكيل الهضبة الرئيسية للجزيرة ومنحدراتها الساحرة، التي تحيط بها الأشجار الخضراء البديعة والأراضي الخصبة.
وتعتبر أيضًا ساندوريني مقصدًا للزوار الباحثين عن ملذات الطعام والشراب التي تتميز بها اليونان، والذين يقدرون أنها مقصد سياحي يستحق عناء الرحلة، كما تحفل الجزيرة بالمزارات السياحية وأماكن التسوق والمنازل ذات الطابع التقليدي، بالإضافة إلى المتاحف الأثرية.
أما جزيرة خيوس المدهشة، التي تحدثت عنها «الشرق الأوسط» في الأعداد السابقة، تلك الجزيرة التي يدمع فيها الشجر، وهي المكان الوحيد في العالم الذي ينبت فيه الشجر الذي تستخرج منه مادة المستيكا التي ما زالت أيضًا تحتفظ ببقايا قلاع إسلامية بناها العرب في القرن الثالث عشر، إبان تعقبهم فلول الصليبيين بعد خروجهم من القدس ولجوئهم إلى قبرص ورودوس. ومن المعروف أن ثقافة اليونان الحديثة مرتبطة بشكل وثيق بالإرث الحضاري العريق لليونانيين القدماء أو الإغريق، ويفتخر اليونانيون بأنهم أول من وضع أسس الديمقراطية والحضارة المدنية، كما أن انتشار الثقافة اليونانية قد يكون مرتبطًا إما بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي تعتبر نفسها مركزًا للكنائس الشرقية، أو بالمهاجرين اليونانيين في دول المهجر، حيث كان اليونانيون ينتشرون قبل الفتح الإسلامي في مناطق عدة خارج حدود اليونان الحالية.
يُذكر أن بلاد اليونان كانت عبارة عن تجمع من المدن المستقلة قامت هذه المدن بإنشاء مستعمرات تجارية على طول البحر الأبيض المتوسط، كما قاومت محاولات توسع الفرس في المنطقة، وشكلت ثقافة هذه المنطقة المنبع الرئيسي للحضارة الهيلينية، إذ انتشرت هذه الحضارة في أرجاء واسعة من العالم بعد قيام إمبراطورية الإسكندر الأكبر المقدوني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».