نجوم المغرب يتألقون في برامج المسابقات الغنائية العالمية

مراد بوريقي نجم «ذا فويس» يقول لـ {الشرق الأوسط} إنها «قدمت لنا فرصة ثمينة لتقديم أصواتنا»

المغني المغربي مراد بوريقي الفائز بلقب برنامج ذا فويس في موسمه الأول
المغني المغربي مراد بوريقي الفائز بلقب برنامج ذا فويس في موسمه الأول
TT

نجوم المغرب يتألقون في برامج المسابقات الغنائية العالمية

المغني المغربي مراد بوريقي الفائز بلقب برنامج ذا فويس في موسمه الأول
المغني المغربي مراد بوريقي الفائز بلقب برنامج ذا فويس في موسمه الأول

أصوات شجية ورائعة، ومواهب متميزة وفريدة، وخبرة واحتراف ميزت المتسابقين المغاربة خلال مشاركاتهم في برامج الغناء العربية، التي من أبرزها برنامج «ذا فويس ـ أحلى صوت» و«أراب أيدول» و«إكس فاكتر»، وهي برامج شهيرة كان لها الفضل في منح شباب مغاربة فرصة الوصول إلى النهائيات عن جدارة واستحقاق.
الأصوات المغربية تمكنت من نقل عدوى المنافسة بين المشاركين إلى لجان التحكيم في تلك البرامج، التي تنافست فيما بينها بشراسة للظفر بهذه المواهب اللامعة ومن أبرزها المغنية دنيا باطما، التي كانت بدايتها الحقيقية عند مشاركتها في الموسم الأول من برنامج «أراب أيدول» الذي انطلق عام 2012 على شاشة «إم بي سي»، حيث وصلت إلى التصفيات النهائية وحصلت على المركز الثاني، ورغم خسارتها أمام المتسابقة المصرية كارمن سليمان، فإنها أبهرت العالم العربي بحنجرتها الذهبية ودقة أدائها لأغاني النجوم، كما أنها كانت خير سفير للفن المغربي بعد أن انتزعت إعجاب الجمهور العربي، ونالت تقدير أعضاء لجنة التحكيم المؤلفة من الفنانة الخليجية أحلام، والفنان راغب علامة، والملحن والموزع الموسيقي حسن الشافعي، كما أثارت إعجاب الجمهور المتابع منذ انطلاق المسابقة.
ولدت دنيا في الدار البيضاء بتاريخ 1 أبريل (نيسان) عام 1991. ونشأت ضمن عائلة فنية، كونها ابنة الفنان «حميد باطما»، أخو الفنان «العربي باطما» أحد مؤسسي الفرقة المغربية «ناس الغيوان»، التي عبرت عن أحلام وتطلعات الشعب المغربي في ستينات القرن الماضي.
وقعت دنيا عقدا مع شركة «بلاتيوم ريكوردز»، ضمن لها مكانة واستمرارا في عالم الفن، كما وشحها العاهل المغربي الملك محمد السادس أثناء ترأسه لحفل الذكرى الخمسين لميلاده وعيد الشباب، بوسام ملكي من درجة ضابط.
يشار إلى أن المرحلة الثالثة ما قبل النهائية من برنامج «أراب أيدول» في موسمه الأول، عرفت تأهل ثلاثة مشاركين مغاربة، وهم دنيا باطما وإيمان قرقيبو وحبيبة بوزيري، وشهدت المرحلة نصف النهائية من البرنامج في موسمه الثاني، تأهل خمسة مشاركين مغاربة إلى العروض المباشرة، وهم عمر الإدريسي وجمال عباد وسلمى رشيد وفاطمة الزهراء القرطبي ويسرا سعوف.
ومن جهة ثانية، استطاع أربعة مشاركين مغاربة من التأهل إلى مرحلة نصف نهاية مسابقة برنامج «ذا فويس أحلى صوت» في موسمه الأول على قناة «إم بي سي»، ووصل إلى المرحلة النهائية كل من فريد غنام ومراد بوريقي، وتمكن بوريقي الذي حاز إعجاب الجمهور من احتلال المركز الأول والفوز باللقب، وتلقى عقب ذلك تهنئة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، كما أهداه المنتج المغربي العالمي «ريدوان» أغنية من ألحانه وتوزيعه وإنتاجه.
وفي حديثه مع «الشرق الأوسط» حول أهمية برامج المسابقات الغنائية، قال مراد بوريقي: «حققت لنا هذه البرامج أهدافا معنوية كثيرة، وفرصة ثمينة لتقديم أصواتنا وصقل موهبتنا الغنائية»، مشيرا إلى أنها تفتح أبوابا كثيرة للشهرة والنجومية والاتجاه نحو مسار الاحتراف الفني، وعد بوريقي مشاركته في برنامج «ذا فويس» كافية ولا يحتاج إلى المشاركة مرة أخرى في مسابقة للغناء، موضحا أنه حقق لقب يعزه المغاربة وهو أول لقب يفوز به مغربي من العالم العربي. وأضاف «حصلت على اللقب بعد تعب وجهد كبيرين، لذلك فلن أعيد التجربة بقدر ما سأواصل مسيرتي الفنية من بابها الاحترافي ومراكمة تجاربي بشكل واسع».
وحول جديد مساره الفني، أوضح بوريقي أنه قدم أغنيته المنفردة «يا سيدتي» باللغة العربية الفصحى، وبعد ذلك أصدر ألبوما جديدا بعنوان «مبروك على الإحساس»، وصور منه أغنيتين هما «سيدتي» و«مبروك على الإحساس» الذي هو عنوان الألبوم، ويبث فيديو كليب الأغنيتين في الكثير من القنوات العربية، وذكر أن ألبومه لقي صدى طيبا في العالم العربي سواء من النقاد أو الجمهور، وأنه قريبا جدا سيطرح الألبوم في أسواق المغرب العربي.
وأبرز الفائز بلقب «ذا فويس»، أن عائلته الفنية هي من تدعمه وتسانده خاصة أن والده ملحن، وقال بوريقي بأن الفنان عاصي الحلاني قدم له دعما معنويا سواء أثناء البرنامج أو بعد البرنامج، حيث أهداه أغنية من ألحانه ومن كلمات الشاعر نزار فرنسيس، ضمها إلى ألبومه، ولقيت إعجابا كبيرا من قبل الجمهور العربي، مشيرا إلى أنه ما زال على تواصل مع الحلاني والكثير من الأصدقاء الذين شاركوا في البرنامج، مؤكدا أنه سيبقى وفيا للون الموسيقي الذي ظهر به خلال برنامج «ذا فويس»، مشددا على أنه سيحافظ على الطرب الأصيل الذي ورثه من الثقافة والتراث العربيين، غير أنه أضاف أنه سيقدم أغاني جديدة فيها يخلط فيها بين الطرب والحداثة، وقال: «هناك مشروع حول إحياء أغان مغربية قديمة لعمالقة الفن المغربي بتوزيع جديد».
كما توج المشارك المغربي محمد الريفي الذي يتميز بخامة صوت مميزة جدا وطريقة أداء فريدة من نوعها بلقب «إكس فاكتر - إكسير النجاح»، الذي استطاع أن يعرف الجمهور العربي بالموال الريفي حسب أقوال لجنة التحكيم وهذا ما لم يحصل من قبل بأحد برامج الواقع.
وكانت بداية المشوار الفني للريفي، خلال «تجربة الأداء» بالبرنامج، حيث حصل على ثلاث أصوات من أصل أربعة مكنته من العبور لمرحلة المعسكر المغلق ضمن فريق ما فوق الـ25 سنة للفنان حسين الجسمي، وأبرز الريفي قدراته الصوتية بطريقة فريدة للغاية جعلت لجنة النقاد المصاحبة للفنان حسين الجسمي تحسم في قرار مروره للدور الثالث. وخلال تلك المرحلة التي أُجريت في دبي تمكن الريفي من كسب ثقة الجسمي الذي منحه رفقة الفنان الكبير محمد عبده جواز المرور لحلقات البث المباشر التي سرعان ما استطاع فيها بفضل شخصيته النادرة وإرشادات الجسمي، تفجير طاقات وإمكانيات صوتية هائلة قلّ نظيرها، سحرت الجمهور والحكّام خصوصا طبقة صوته الفريدة، وتعد هذه أول مشاركة لمحمد الريفي في برنامج مسابقات غنائي في الوطن العربي ككل.
وتوزعت آراء لجنة تحكيم «إكس فاكتور» بين الثناء والإعجاب بمميزات صوت الريفي، إذ قالت عنه إليسا «صوته وحضوره يعطيني طاقة إيجابية»، أما وائل كفوري «إنه جيد لكن يجب عليه أن يلين»، فيما أكدت كارول سماحة أنه مغن شعبي بامتياز، ووصفه الجسمي بـ«البركان لي بيطلع وروود ومسك».
ويذكر أن الأصوات المغربية ما تزال تبهر لجان تحكيم المسابقات والجمهور العربي في المسابقات الغنائية العالمية في نسختها العربية، حيث يشارك ثلة من الشباب المغاربة المتميزين في مسابقة «ذا فويس» في موسمها الثاني التي انطلقت قبل أسابيع إذ حصل على «اللفة الرباعية» المشارك محمود الترابي الذي يملك صوتا عذبا لدرجة أنه أبهر مسرح «ذا فويس» بصوته الذي أدهش لجنة التحكيم، رغم أن فريق كاظم وفريق شيرين اكتملا، وأثناء الحلقة أرادت شيرين تغيير قوانين اللعبة وطالبت بحقها لانضمامه إليها، وقال له كاظم الساهر بأنه لف احتراما لصوته. كما شارك في البرنامج من المغربة المغنية خولة مجاهد التي اختارت غناء الأغاني الغربية وسناء عبد الحميد.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)