إقليم كردستان العراق يحتفي اليوم بالزي الكردي

فعاليات الاحتفالات بأعياد «آذار» و«نوروز» تبدأ غدا

إقليم كردستان العراق يحتفي اليوم بالزي الكردي
TT

إقليم كردستان العراق يحتفي اليوم بالزي الكردي

إقليم كردستان العراق يحتفي اليوم بالزي الكردي

تحتفي مدن إقليم كردستان العراق اليوم بالزي الكردي حيث خصصت حكومة إقليم كردستان العراق يوم العاشر من مارس (آذار) من كل عام لارتداء الزي الكردي في الدوائر والمؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات للحفاظ على أصالة وتقاليد الشعب الكردي.
وقد كان اليوم المخصص لارتداء هذا الزي هو الثامن من مارس (آذار) لكنه تعارض هذا اليوم مع احتفالات اليوم العالمي للمرأة، مما دعا حكومة الإقليم إلى اتخاذ العاشر منه يوما لارتداء الزي الوطني. ولكن القرار لا يلزم موظفي الإقليم بذلك حسب ما أعلنته حكومة الإقليم في وقت سابق في بيان، حيث قالت إن «موظفي الإقليم أحرار في ارتداء هذا الزي حيث لن تكون المسألة إجبارية».
وجرت العادة على تدفق المواطنين منذ بداية شهر مارس على محلات الأقمشة وخياطي الأزياء الكردية لشراء أجود أنواع الأقمشة وتفصيل الموديلات الحديثة من هذا الزي، بالإضافة إلى الإقبال على شراء الزي الجاهز الصيتي الصنع وبالأخص الزي الرجالي.
مريوان (32 سنة) الذي يعمل خياطا للزي الكردي الرجالي في أربيل بيّن لـ«الشرق الأوسط» أنه على الرغم من وجود الأطقم الجاهزة للزي الكردي الرجالي، فإن الإقبال على خياطته لم يقل، مبينا أن أكثر الأنواع المرغوبة لدى المواطنين وخاصة الأربيليين هو تصميم الزي الذي يرتديه رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني.
وأوضح شيروان (42 سنة) وهو أيضا خياط في سوق القيصرية في أربيل، أن «كثيرا من المواطنين يقبلون على خياطة الزي الكردي الرجالي من القماش المصنع من صوف الخروف والذي يسمى بالكردية (كر) حيث يتميز بمناسبته للشتاء والصيف».
وبيّن شيروان لـ«الشرق الأوسط»، أن أسعار خياطة هذا النوع من الزي تتراوح أحيانا بين «250 وحتى 1000 دولار».
ولم يخف أكار (25 سنة) حيث كان قد ابتاع طقما من الزي الكردي الجاهز من إحدى الأسواق التي تبيع أنواعا مختلفة من الأزياء الكردية الجاهزة، أن «خياطة الزي تكلف الكثير لذلك يرى نفسه مرغما لابتياع الزي الجاهز وهو يعرف جيدا أنه صيني الصنع»، مبينا أن الصناعة الصينية تتميز بالضبط في التفصيل والخياطة والسعر المناسب.
أما الأزياء النسائية، فيكون الإقبال عليها بشكل أكبر من الأزياء الرجالية لكون الزي النسائي الجاهز لا يمكن أن يكون محل رضا النساء اللاتي يطلبن مقاييس وتصاميم خاصة.
روناك (30 سنة) التي تعمل مدرسة للغة الكردية، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الزي النسائي الجاهز لا يمكن أن يعجب الكثيرات لكون التصميم الذي جرت خياطته به لا يمكن أن يكون مرغوبا.
ولم تخف روناك أن «العديد من التغييرات قد حلت على تصميم هذا الزي مما يفقده أحيانا الشكل والتصميم الحقيقي، حيث يلاحظ فيه تقليد واضح لتصاميم الفساتين الغربية».
ويتكون الزي الكردي الرجالي من سروال (شروال، باللغة الكردية)، بالإضافة إلى سترة تسمى «جوغة» وحزام من القماش يلتف حول خصر الرجل (بشتين)، وهناك من يرتدي القبعة والعمامة، حيث «تختلف أشكال وألوان العمائم من منطقة لأخرى ومن عشيرة لأخرى، كما يمكن أن يختلف تصميم الزي بنفسه وألوانه ويمكن أن يرمز كل لون لعشيرة أو لمنطقة معينة».
أما الزي النسائي فيتكون من فستان طويل (كراس وكه وا، باللغة الكردية) وسروال نسائي لماع (ده لينك). وأحيانا تلف النساء أيضا حزام القماش على خصرهن، «وخصوصا في المنطقة الكردية من إيران، أما في بقية المناطق الكردية فتستعين المرأة بأحزمة مصنوعة من الذهب أو أحزمة لماعة، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الزينة».
من جهة أخرى، أعلن طاهر عبد الله نائب محافظ أربيل، رئيس الهيئة المشرفة على فعاليات «أربيل عاصمة السياحة العربية»، عن بداية الفعاليات والأنشطة التي سوف تقدم خلال الأيام العشرة القادمة ضمن مهرجان «الحرية والنوروز» في دورته الثامنة. وقال مؤتمر صحافي إن الاحتفال سيكون في «بارك شاندر» بأربيل حيث يبدأ غدا الحادي عشر من مارس الحالي وينتهي في العشرين منه، وسيتضمن العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والمسابقات والحفلات التراثية بمشاركة العديد من الفرق الفلكلورية والتراثية والغنائية ومجموعة من الفنانين الكرد والعرب والأجانب.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)