الألعاب الإلكترونية لا تطور الأطفال الرضع

وخير نديم للرضيع كتاب

يحاول الرضيع السيطرة على محيطه، وهذا ينطبق على الألعاب التقليدية
يحاول الرضيع السيطرة على محيطه، وهذا ينطبق على الألعاب التقليدية
TT

الألعاب الإلكترونية لا تطور الأطفال الرضع

يحاول الرضيع السيطرة على محيطه، وهذا ينطبق على الألعاب التقليدية
يحاول الرضيع السيطرة على محيطه، وهذا ينطبق على الألعاب التقليدية

شكلت الهدايا الإلكترونية نسبة عالية من هدايا أعياد الميلاد، وللأطفال على وجه الخصوص، رغم تحذير العلماء من ظاهرتي «الطفولة الرقمية» و«الألزهايمر الرقمي» اللتين قد يتعرض لهما الأطفال. ولا شك أن الإصرار على شراء الهدايا الرقمية للأطفال، ناجم إلى حد كبير عن اعتقاد الأهل بأن هذه الهدايا تطور معارف وإمكانات الطفل.
وبينما يتجادل علماء النفس حول «ضرر» أو «ضرورة» الألعاب الإلكترونية للأطفال الرضع، وعلاقة ذلك بتطورهم الذهني واللغوي، قرر العلماء الأميركان من جامعة شمال أريزونا الغور في أعماق الموضوع وصولاً إلى الحقيقة. إذ من الضروري اليوم، بحسب رأيهم، معرفة ما إذا كانت المكعبات الخشبية أو الكتب المصورة أو أجهزة «سمارتفون الطفل» هي الأفضل لتربية الطفل وتنميته السليمة.
ويقول علماء النفس إن الانطباع الأول للأهل قد يكون خادعًا، لأن الطفل قد ينجذب أسرع إلى كرة ضوئية إلكترونية متحركة وتعزف الموسيقى، لكن هذا لا يعني أن هذه الكرة ستتفوق على لعبة «لوغو» يدوية من ناحية التأثير الإيجابي على نموه وتطوره.
يراقب الطفل الرضيع، بفضوله المعروف، والديه وكيف يكبسان على أزرار الكومبيوتر والسمارتفون وغيرهما من الأجهزة، وسرعان ما يدفعه الفضول للعبث لا على التعيين بالأزرار. لكنه سرعان ما يتعلم الكبس على أزرار معينة يعرف أنها ستطلق صوتًا معينًا، أو تظهر صورة ما، أو تصدر اهتزازًا. وهكذا امتدت ظاهرة «الطفولة الرقمية» الآن إلى الأطفال الرضع، لأن دراسة جديدة تقول إن الرضيع في هذا العمر يستخدم الأجهزة الإلكترونية ساعة كاملة كمعدل في اليوم.
راقبت الباحثة أنا سوسا، من جامعة نورث أريزونا، تصرفات 10 أطفال ينتمون إلى 26 عائلة تتراوح أعمارهم بين 10 و16 شهرًا، في دراسة هدفها الكشف عن تأثير الألعاب الإلكترونية والتقليدية عليهم. ومنحت العالمة كل عائلة ثلاث ألعاب إلكترونية وثلاث ألعاب تقليدية، وكانت الألعاب الأولى عبارة عن «لابتوب أطفال»، ولعبة إلكترونية ناطقة، و«جوال أطفال»، بينما كانت الألعاب التقليدية عبارة عن مكعبات خشبية تركب على بعضها، ولعبة «لغز» (بزل Puzzle) خشبية، وأخيرًا قطع خشبية يمكن للطفل تركيب مختلف الأشكال منها. وطبيعي نالت كل عائلة أيضًا خمسة كتب تتعلق بالحيوانات والألوان والأشكال.
كان على كل عائلة أن تجعل طفلها الصغير يلعب يوميًا 15 دقيقة مرة باللعبة الإلكترونية وأخرى باللعبة التقليدية. وخلص الباحثون إلى أن الأطفال سجلوا إخفاقا ظاهرًا في تطور مداركهم عند اللعب بالألعاب الإلكترونية. والمشكلة الأخرى هي أن الأطفال كانوا، خلال اللعب بالألعاب الإلكترونية، قليلي الحديث مع ذويهم، كما كان الآباء والأمهات أيضًا قليلي الحديث مع أطفالهم، ولأسباب عجزوا عن تفسيرها. وعلى هذا الأساس كان تأثير الألعاب الإلكترونية سيئًا على تطور قدرة الطفل على الكلام.
المهم في نتائج البحث الذي أجرته سوسا، ونشر في مجلة «طب الأطفال»، هو أن الكتب تفوقت، من ناحية تأثيرها التربوي الإيجابي، على الألعاب الإلكترونية وعلى الألعاب التقليدية أيضًا. ثبت أيضًا أن العلاقة بين الأم (أو الأب) والطفل تطورت من خلال القراءة المشتركة للكتب، كما كان الأطفال يطرحون الأسئلة حول محتويات هذه الكتب. وكتبت سوسا: «هذا يثبت أن قراءة الكتب مع الأطفال يحسن قدراتهم ومداركهم».
فسرت الباحثة انجذاب الطفل مباشرة إلى اللعبة المتحركة والناطقة على أساس «رد الفعل التأقلمي»، لأن فضول الطفل يدفعه لمعرفة الشيء الذي تغير في محيطه الذي يعيش فيه كي يتأقلم معه. وتبقى الألعاب التي تجتذب عيني الطفل وأذنيه متفوقة من ناحية «الفضول» على الألعاب «الصامتة»، لكن ذلك لا يمتد إلى المدى البعيد. ثم إن هناك سببا آخر لانجذاب الطفل إلى اللعبة الناطقة، وهو رغبة الطفل في تعلم الكبس على الأزرار كما يفعل والداه بالسمارتفون وغيره من الأجهزة. يحاول الرضيع السيطرة على محيطه، وهذا ينطبق على الألعاب التقليدية أيضًا، فنراه ينجح بصعوبة في تركيب المكعبات على بعضها، لكنه سرعان ما يقوض كل ما بناه بثانية، ليحاول تجميعها من بعد ذلك مرة أخرى.
وعلى أي حال لا داعي لنبذ الألعاب الإلكترونية، وليست هذه الدراسة دعوة للتخلي عنها، بحسب رأي الباحثة سوسا. لأن الألعاب الإلكترونية تعلم الطفل تقليد الآخرين، وبالتالي إدهاشهم، وهذه خصلة إيجابية. لكن من يريد تطوير مدارك طفله عليه أن يقضي ربع ساعة معه يوميًا في قراءة كتاب يثير فضوله وأسئلته.
وكان الباحثون الأميركيون من مركز آينشتاين في فيلادلفيا لاحظوا أن ثلث الأطفال الرضع في الولايات المتحدة اليوم، في سن 6 أشهر، يتعلمون الكبس على أزرار الأجهزة الإلكترونية التي تقع بين أيديهم. ويتعلم الأطفال الرضع في سن تزيد على 6 أشهر العمل على الأجهزة بشكل محدود قبل أن يتعلموا الحبو ونطق الكلمة الأولى التي قد تكون دادا أو ماما أو بابا. أما الأطفال الرضع في عمر سنتين فيستخدمون أجهزة المعلوماتية بشكل واع، ويفعل بعضهم ذلك بمعدل ساعة في اليوم.
جدير بالذكر أن الباحث الألماني مانفريد شبيتزر، المتخصص في علم النفس، حذر في كتابه الشهير «الألزهايمر الرقمي» من العته المبكر بين القاصرين بسبب إدمان الكومبيوتر والسمارتفون واللوح الإلكتروني وغيرها، لكن الباحثين اليوم يحذرون من انتشار ما يسمى «العته الرقمي الطفولي» بين الأطفال الرضع أيضًا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».