عام معارض التعريف والترويج

من «مسرح ديور» الذي أقيم في دبي - من معرض «لويس فويتون» المقام في باريس حاليًا ويستمر حتى شهر فبراير المقبل
من «مسرح ديور» الذي أقيم في دبي - من معرض «لويس فويتون» المقام في باريس حاليًا ويستمر حتى شهر فبراير المقبل
TT

عام معارض التعريف والترويج

من «مسرح ديور» الذي أقيم في دبي - من معرض «لويس فويتون» المقام في باريس حاليًا ويستمر حتى شهر فبراير المقبل
من «مسرح ديور» الذي أقيم في دبي - من معرض «لويس فويتون» المقام في باريس حاليًا ويستمر حتى شهر فبراير المقبل

ما يُحسب لصناع الموضة أنهم لا يتوقفون عن البحث والتطوير بهدف الوصول إلى قلب المستهلك ومنه إلى جيبه، بطرق مبتكرة وراقية. فكل عام يعتمدون وسائل ترويجية جديدة، نعجب بها سواء وافقنا على ما تحاول بيعه لنا أم لا. فبعد سياسية طرح كتب ضخمة وبراقة تحكي ألف قصة وقصة عن بداياتها وتاريخها، ثم بعد الدعايات المصورة وكأنها أفلام قصيرة بسيناريوهات وحبكات ومؤثرات سينمائية يشرف عليها كبار المخرجين، ويجسدها نجوم من الدرجة الأولى مثل نيكول كيدمان وتشارليز ثيرون وغيرهما، جاء الدور هذا العام على المعارض، التي لم يبخلوا عليها بشيء وفتحوها للناس مجانًا للتعريف بإرثهم من جهة، وبيع منتجاتهم من جهة ثانية. ففي عام واحد، حضرنا ما لا يقل عن أربعة معارض ضخمة نظمتها كل من «لويس فويتون»، و«شانيل» و«ديور». و«لويس فويتون» وحدها نظمت ثلاثة معارض متنوعة هذا العام، كان أهمها معرض «سيريز 3» الذي يجمع التجاري والفني بشكل واضح لم تحاول التمويه عنه. ما يشفع له أنه عرف الزائر بتاريخ الدار وحرفيتها بشكل ممتع، تارة بواسطة شاشات ضخمة معلقة في كل الجوانب، وتارة بالغوص في مخيلة مصممها الفني نيكولا غيسكيير في محاول لسبر أغواره وكيف يفكر ويبدع، وتارة أخرى باستعراض خبراتها الطويلة في صناعة حقائب اليد والأحذية، من دون أن تنسى تعليق أزياء أنيقة بترتيب متناه في خزانة بأبواب زجاجية تمكن الزائر من معاينتها عن قرب ليخرج من المعرض مباشرة إلى أقرب محل لشرائها.
ولأن الدار ترتبط أساسًا بالسفر وصناعة الحقائب، فإنه لم تمر سوى أشهر على هذا المعرض حتى أتبعته بآخر في «لوغران باليه» بباريس بعنوان «طر، أبحر وسافر» (فولي، فوغي، فواياجي) Volez! Voguez! Voyagez!، يمكن اعتباره رحلة تعكس التطورات الاجتماعية والاقتصادية، وأيضًا رحلة في تاريخ الدار وكيف صنعت أجمل الحقائب والصناديق التي استعملها الملوك والطبقات الأرستقراطية والنجوم منذ أكثر من قرن من الزمن. أي حتى قبل أن تتطور وسائل السفر كما نعرفها اليوم لتصبح متاحة للجميع. ففي كل غرفة يكتشف الزائر حقائب تختلف في تصميمها وخاماتها حسب اختلاف وسائل النقل المستعمل. فبينما القطار والبواخر كانت تحتمل الصناديق الضخمة والمواد الثقيلة الوزن، تطلب السفر جوا والسيارات خامات أخف وأحجاما أصغر. المعرض الممتد إلى شهر فبراير (شباط) من العام المقبل، يستعرض أيضًا التعاونات التي قامت بها الدار مع فنانين من حجم دايمون هيرست وستيفن سبراوس وغيرهما.
- دار «شانيل» أيضًا قدمت معرضًا مهمًا بعنوان «مادموزيل بريفيه» Mademoiselle Prive احتل ثلاثة طوابق من غاليري «ساتشي» في لندن. هو الآخر استعرض الكثير من جوانب الدار وقامت فيه الممثلة جيرالدين شابلن بدور كوكو شانيل، من خلال فيلم قصير حاورت فيه كارل لاغرفيلد بشكل فكري جدلي مثير. تسأله فيرد عليها، تتهمه فيدافع عن نفسه، تواجهه بالأدلة فيبرر لها أسلوبه ليقنعها في الأخير. لكن هذا الفيلم القصير ليس سوى جزء من كل، لأن المعرض كان طبقًا غنيًا برموز من الماضي والحاضر والمستقبل، أظهر قدراتها في شتى المجالات، من الأزياء والإكسسوارات إلى الجواهر.
«ديور» الفرنسية لم تتخلف عن ركوب هذه الموجة، واختارت دبي، كوجهة لمعرض بعنوان «لوتياتر ديور» Le Theatre Dior أي مسرح ديور، احتفلت فيه بالأنامل الناعمة التي تعمل في ورشاتها الخاصة وتتحفنا في كل موسم «هوت كوتير» بقطع تحاكي التحف الفنية، شكلا وتنفيذا. ضم المعرض أكثر من 60 فستانًا «مصغَّرًا» كما لو أنه خاص بدمية، تم تنفيذه بنفس طريقة التي ينفذ بها أي فستان راق في هذه الورشات. كل تصميم فيه مأخوذ من أرشيفها الغني ومستنسخ بدقة عن الأصلي، مما يجعله بمثابة تحفة بكل المقاييس. لم يستغرق المعرض سوى أسبوعين، لكنه قدم صورة قوية ومؤثرة عن تاريخ الدار وتقنيات الـ«هوت كوتير».



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.