إرهاب «داعش» يتمدد في أنحاء مصر

من اغتيال النائب العام في «قلب القاهرة» إلى تفجير الطائرة الروسية في سماء «شرم الشيخ»

مصري يجلس داخل سيارته متأثرا بالأضرار التي لحقت بها جراء تفجير عبوة ناسفة قرب مبنى الأمن القومي في حي شبرا بالعاصمة القاهرة (إ.ب.أ)
مصري يجلس داخل سيارته متأثرا بالأضرار التي لحقت بها جراء تفجير عبوة ناسفة قرب مبنى الأمن القومي في حي شبرا بالعاصمة القاهرة (إ.ب.أ)
TT

إرهاب «داعش» يتمدد في أنحاء مصر

مصري يجلس داخل سيارته متأثرا بالأضرار التي لحقت بها جراء تفجير عبوة ناسفة قرب مبنى الأمن القومي في حي شبرا بالعاصمة القاهرة (إ.ب.أ)
مصري يجلس داخل سيارته متأثرا بالأضرار التي لحقت بها جراء تفجير عبوة ناسفة قرب مبنى الأمن القومي في حي شبرا بالعاصمة القاهرة (إ.ب.أ)

قبل نحو عام فقط، وتحديدا في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، أعلنت جماعة «أنصار بيت المقدس» المتشددة، والتي تنشط في سيناء المصرية، مبايعتها تنظيم داعش الإرهابي بقيادة أبو بكر البغدادي، مبدلة اسمها إلى «ولاية سيناء». ومنذ ذلك الحين اتسعت رقعة الإرهاب في مصر، وتنوعت أساليبه وأهدافه، فأخذت المواجهات بين السلطات المصرية والجماعات الإرهابية منحى جديدًا، امتدت به إلى مناطق أخرى غير سيناء، وأصبحت أكثر تأثيرا على الصعيدين الأمني والاقتصادي، حتى بات عام 2015، الأكثر دموية في مصر، ربما على مدار حربها ضد الجماعات الإرهابية منذ تسعينات القرن الماضي.
شهدت أنشطة التنظيمات الإرهابية في مصر خلال العام تحولات نوعية في أنماط العمليات الإرهابية والأسلحة المستخدمة في تنفيذها، حيث شملت اغتيالات لشخصيات عامة، يفترض أنها مؤمنة على أعلى مستوى، على رأسها النائب العام المستشار هشام بركات. كما استهدفت أقسام الشرطة ومناطق تمركز القوات المسلحة وأبراج الكهرباء، مع ظهور تحولات في طبيعة المشاركين في تنفيذ العمليات، وتعدد الأهداف من ورائها.
واختتم العام بحادث هو الأول من نوعه، أحدث صدى عالميا، هو إسقاط طائرة ركاب روسية فوق أراضي سيناء نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ومقتل جميع ركابها الـ224، تبناه تنظيم داعش. وإن كانت الحكومة المصرية ترفض حتى الآن التسليم بأنها عملية إرهابية منتظرة انتهاء التحقيقات.
ووفقا لتقرير أصدره «المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة»، ونشر قبل أسابيع، فإن عدد العمليات الإرهابية التي وقعت خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2015 بلغ 124، بينما بلغ 14 فقط خلال يناير 2014، وفي فبراير (شباط) 2015 بلغ عدد العمليات 105، في الوقت الذي بلغ فيه 8 فقط خلال فبراير 2014، واستمر النهج ذاته في مارس (آذار)، حيث وصل عدد العمليات إلى 105، بينما كان 37 في الشهر ذاته عام 2014، ويتكرر الأمر نفسه في أبريل (نيسان) بـ72 عملية في 2015، و39 في أبريل 2014.
إلا أن المعدل بدأ ينخفض تدريجيا، حيث بلغ عدد العمليات في مايو (أيار) 63، وأصبح 41 عملية في شهر يوليو (تموز)، و53 في أغسطس (آب)، و12 فقط في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وبالنظر إلى نسب أعمال العنف المسلح المنفذة إلى الأعمال التي تم إبطالها في الفترة من أول يناير 2015 وحتى أول أكتوبر من عام 2015، فقد مثلت نسبة أعمال العنف الواقعة 70.28 في المائة تقريبًا، بينما مثلت نسبة الأعمال المبطلة ما يقرب من 29.72 في المائة. وبينما يُعد الربع الأول من عام 2015 هو الأكثر عرضة ووقوعًا لأعمال العنف المسلح، لا سيما شهر يناير، الذي يوافق ذكرى «ثورة 25 يناير»، تظل الفترة من 28 يونيو (حزيران) حتى 2 يوليو، التي توافق الذكرى السنوية لثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي، هي الأكثر بشاعة في تنفيذ العمليات الإرهابية، حيث نفذت التنظيمات الإرهابية خلال تلك الأيام القليلة ما لا يقل عن 32 عملية إرهابية، تراوحت بين اغتيالات وتفجيرات انتحارية وزرع عبوات ناسفة في محيط أقسام الشرطة والطرق الرئيسية وأبراج الكهرباء.
وكان أشد تلك العمليات عنفا اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 29 يونيو الماضي، حين قامت عناصر إرهابية بتفجير سيارة مفخخة عن بعد بمتفجرات يصل وزنها إلى نحو 300 كيلوغرام. وهو الأسلوب ذاته الذي استخدم في محاولة تفجير بمحيط «قسم ثاني 6 أكتوبر» في مساء اليوم ذاته، إلا أن السيارة المفخخة انفجرت قبل وصولها لهدفها.
وشهدت تلك الفترة أيضا عملية إرهابية كبرى في الشيخ زويد (شمال سيناء) قام بتنفيذها نحو 300 من عناصر تنظيم ولاية سيناء، استجابة لنداء قيادات تنظيم داعش بتنفيذ عمليات كبرى في شهر رمضان بالتوازي مع ذكرى «ثورة 30 يونيو»، قتل خلالها 17 جنديا مصريا، إلا أن عناصر القوات المسلحة تدعمها الطائرات، تمكنت من إيقاع خسائر تقدر بنحو مائة من عناصر التنظيم وتدمير عدد كبير من السيارات والمدرعات التي يستخدمها.
وجاءت تلك العملية امتدادًا لتطور عمليات التنظيم التي سبقها تفجير «قسم ثالث العريش» في 14 أبريل 2015 الذي أسفر عن مقتل 25 من المدنيين والعسكريين وإصابة 44، واستهداف عدة كمائن عسكرية في العريش والشيخ زويد في 3 أبريل الماضي أيضا.
وفي ما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للعمليات، ظلت محافظة شمال سيناء هي البؤرة الأكثر اشتعالاً من حيث عدد ضحايا الهجمات وقوتها. لكن خطر الإرهاب لم يقتصر على شمال سيناء فقط، بل إن محافظة القاهرة كانت نسبتها الأعلى من حيث عدد تلك الهجمات بواقع 16 في المائة، ثم في سيناء 10 في المائة، وفي الشرقية 9 في المائة، وفي الإسكندرية 8 في المائة، بينما لم تسجل أي عمليات في الوادي الجديد والواحات.
ويقول مراقبون إنه رغم تعدد الفاعلين المسؤولين عن تنفيذ تلك العمليات الإرهابية في ظل انتشار الخلايا الإرهابية على امتداد محافظات الجمهورية، ومنها الخلايا الإخوانية التي جاءت نتيجة تفكك البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين، وتكوين بعض شبابها جماعات مسلحة تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف أقسام الشرطة وأبراج الكهرباء والمرافق العامة من خلال قنابل بدائية الصنع أو عمليات إطلاق النار الخاطفة، فإن «ولاية سيناء»، أو فرع «داعش» في مصر، أثبتت مرارًا أنها الأكثر فاعلية في تكبيد الدولة المصرية خسائر بشرية واقتصادية. فقد أثبتت الجماعة المتشددة أنها خصم قوي للدولة المصرية ونفذت اعتداءات متكررة ضد الشرطة والجيش، واغتالت ضباطا وقضاة. وفي هذا الإطار استهدف تنظيم «ولاية سيناء»، محاولة الاستيلاء على مدينة الشيخ زويد أكثر من مرة، والانتقال من حروب العصابات القائمة على الهجمات الخاطفة إلى الاستيلاء على مناطق جغرافية محددة والدفاع عنها اتباعًا لنهج تنظيم داعش في سوريا والعراق.
وتبنى التنظيم عشرات العمليات في عام 2015 ضد عسكريين ومدنيين، منها تفجير بمحيط مبنى الأمن الوطني في شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، مما أسفر عن إصابة 29 شخصا في أغسطس الماضي، وإعدام الرهينة الكرواتي توميسلاف سالوبيك المخطوف في مصر، بقطع رأسه في أغسطس أيضا. وفي نهاية نوفمبر الماضي تبنى قتل خمسة من رجال الشرطة في منطقة المَنَوات في محافظة الجيزة. كما أظهرت «ولاية سيناء» قدرتها على القيام بعمليات معقدة، بما في ذلك الاستهداف الناجح لسفينة تابعة للبحرية المصرية في البحر المتوسط باستخدام صواريخ «كورنيت» المضادة للدبابات روسية الصنع.
ويظل الحدث الأبرز هو تبنى التنظيم المسؤولية عن إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء نهاية أكتوبر الماضي، رغم أن السلطات المصرية كذّبت مزاعم «داعش» وأرجعت تحطم الطائرة إلى خلل تقني، إلا أن تقرير فريق التحقيق الروسي أكد أن الطائرة أسقطت بقنبلة زُرعت على متنها.
أما على صعيد طبيعة تلك العمليات الإرهابية، فقد شهد عام 2015 قيام التنظيمات الإرهابية بتنفيذ أنماط متعددة من العمليات، بحيث تنوعت بين استخدام العبوات الناسفة، والسيارات المفخخة، وإطلاق النار، والاستهداف بالأسلحة الثقيلة، وتفجير المرافق. كما شهد بعض العمليات الدمج بين تكتيكات متعددة بهدف زيادة الخسائر في القوات المسلحة والشرطة والمدنيين على غرار الهجوم على فندق بمدينة العريش ينزل به قضاة أشرفوا على انتخابات مجلس النواب في نوفمبر الماضي، الذي أعلن تنظيم داعش في سيناء مسؤوليته عنه، حيث تم تنفيذه عبر عملية انتحارية مزدوجة قام بها اثنان من عناصره؛ أحدهما بسيارة مفخخة، وآخر بسلاح ناري اقتحم به مطعم الفندق، مما أدى إلى مقتل 7 أشخاص بينهم قاضيان.
وظلت العبوات الناسفة هي النمط الأكثر شيوعًا لهجمات العناصر الإرهابية، خصوصا في القاهرة والمحافظات الأخرى بعيدا عن سيناء، التي عادة ما استهدفت المرافق العامة مثل تفجير أبراج الضغط العالي ومحولات الكهرباء في أسوان وبنها والفيوم وبني سويف، ومحاولة تفجير كبري المشاة في محطة شرق للقطارات في شبين القناطر بالقليوبية في 1 يوليو الماضي، وتفجير خط السكك الحديدية في الشرقية في 2 يوليو أيضا. وأيضا محاولة ثلاثة مسلحين دخول معبد الكرنك بمدينة الأقصر، قبل أن تتصدى لهم الأجهزة الأمنية المكلفة بحراسة المعبد، وأثناء ذلك فجّر أحدهم نفسه، وقتل آخر في تبادل إطلاق النار مع القوات، وأصيب الثالث. وشهد بعض الهجمات في سيناء توظيف تنظيم «ولاية سيناء» أسلحة غير تقليدية شملت صواريخ «كورنيت» المضادة للدبابات الموجهة بالليزر، والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، ومدافع «14.5 ملي» المضادة للطائرات، وقذائف الـ«هاون» والـ«آر بي جي»، وهو ما كشف مدى تصاعد نوعية الأسلحة الثقيلة لدى التنظيم وتصاعد عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود رغم إجراءات تدمير الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.
يبقى أن نذكر أنه، وفي إطار جهود الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب، شهد عام 2015 إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قانون مكافحة الإرهاب، في 16 أغسطس الماضي. وتقول الدكتورة إيمان رجب، الباحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في جريدة «الأهرام» المصرية، إن «القانون صدر في غياب استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، تقوم على أساس الشراكة بين مؤسسات الدولة الأمنية والمجتمع، بحيث لا تقتصر عملية مكافحة الإرهاب على مؤسسات الدولة الأمنية، وتحديدا القوات المسلحة، حيث يظل البعد المجتمعي لسياسات مكافحة الإرهاب ضروريا حتى تكون هذه السياسات فعالة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.