«داعش» ليبيا يتمدد في الهلال النفطي

تلقى هزيمة في درنة وظهر في صبراتة وسرت

«داعش» ليبيا يتمدد في الهلال النفطي
TT

«داعش» ليبيا يتمدد في الهلال النفطي

«داعش» ليبيا يتمدد في الهلال النفطي

مع مضي الشهور الأولى من عام 2015 تعرض تنظيم داعش في ليبيا لهزيمة كبيرة في معقله في مدينة درنة الواقعة على البحر المتوسط في شرق البلاد، لكنه تمكن من التحرك سريعا ووضع قواعد جديدة على ساحل البحر في مدينة سرت الواقعة على حافة الهلال النفطي الذي يوجد فيه غالبية مخزون الطاقة في ليبيا، وانتقل إلى مدينة صبراتة الموجودة غرب العاصمة طرابلس قرب الحدود مع تونس.
كان أول اقتراب لـ«داعش» من الهلال النفطي من خلال تمركزه مطلع عام 2015 في مدينة سرت مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي. احتل على الفور مقر قاعة المؤتمرات التي عقدت فيها في عام 2010 القمة العربية السنوية. وبدأ في الاستيلاء على باقي المقار الحكومية، وحين حاولت قوات تابعة لمدينة مصراتة الدفاع عن المحاور التي تسيطر عليها قرب المدينة التي قتل فيها القذافي في 2011، رد «داعش» بعمليات لافتة وتمكن خلال أيام من طرد القوات المصراتية من حدود سرت، بل زاد من تخويفه لهذه القوات ولاحقها وقام بتفجير بوابات وحواجز تابعة لها على مشارف مصراتة نفسها.
لم يكن كثير من المراقبين ينظرون بقلق إلى تمدد «داعش» في سرت في البداية. كان التنظيم الدموي يمارس أعمال الذبح والقتل وقطع الرؤوس وسحل الجثث في شوارع درنة. تقع درنة إلى الشرق قليلا من مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية. وتقع أيضًا بالقرب من مدينة البيضاء التي تعقد فيها الحكومة الليبية المعترف بها دوليا اجتماعاتها، برئاسة عبد الله الثني.
قام التنظيم بعدة تفجيرات في بلدة القبة المجاورة للبيضاء، ثم نفذ عمليات انتحارية في البيضاء نفسها، ثم نفذ عملية بسيارة مفخخة في مقر البرلمان في طبرق. أما سرت فكانت خارج دائرة الضوء. لم يكن أحد يتخيل أن «داعش» سيصل إلى هناك بكل هذه القوة، أو أنه سيتمكن خلال شهور قليلة من تهديد مصادر النفط الرئيسية في هذا البلد.
أول عملية كبيرة يقوم بها تنظيم داعش في سرت كانت في الحقيقية في الشهر الأخير من عام 2014، لكنها كانت تقتصر على عملية بدت مبهمة في ذلك الوقت، وتخص اختطاف التنظيم لنحو خمسة عشر مسيحيا مصريا كانوا يعملون في البلدة الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا. كانت عمليات اختطاف المصريين شائعة من جانب اللصوص وقطاع الطرق هناك. وبعد نحو أسبوعين جرى الإعلان عن اختطاف التنظيم لمجموعة أخرى من العمال المصريين المسيحيين ليصل عدد المختطفين إلى 21 بينهم عامل سوداني الجنسية. وهنا بدأت الأنظار تلتفت إلى سرت كمكان جديد لنشاط «داعش» بعد تمدده في درنة.
أقدم التنظيم في مشاهد مروعة على ذبح المصريين والسوداني في مقطع فيديو بثه على موقع «يوتيوب» في يناير (كانون الثاني)، وبدا أنه نفذ العملية على ساحل البحر في سرت. ويقول أحد شهود العيان المصريين ممن التقت بهم «الشرق الأوسط» عقب فرارهم من سرت، ونشرت أقوالهم في حينه عقب الحادث، إن عناصر من «داعش» ليبيا كانوا مصريين وكانوا يتعمدون البحث عن العمال المسيحيين. وقال التنظيم إنه فعل ذلك انتقاما من السلطات المصرية التي ألقت القبض على أنصار للتيار الديني عقب الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.
في هذه الأثناء لم يكن جسم التنظيم في درنة قد أصيب بأي أضرار تذكر، رغم الحصار الذي كان يفرضه الجيش الوطني الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، ورغم تحفز أهالي المدينة ضد عناصر التنظيم الذين كانوا يفدون عبر ميناء المدينة من سوريا ودول أجنبية. ورد الطيران الحربي المصري على واقعة ذبح رعاياها التي جرت في سرت. ودمر المصريون، بشكل دقيق، قواعد مهمة للتنظيم في درنة.
وساهمت هذه الإجراءات في نهاية المطاف في هروب أعداد كبيرة من دواعش درنة إلى سرت، بينما كان شبان تونسيون متطرفون في بلدة صبراتة يقومون من الجانب الآخر بفتح ممرات للدواعش التوانسة والعرب والأجانب للعبور إلى سرت. وبحلول منتصف عام 2015 كان من الممكن أن ترى قوافل التنظيم المتطرف وهي تستعرض عضلاتها بين شوارع سرت، وتستولي على مزيد من المواقع، بما فيها مطار المدينة المعروف باسم «مطار القرضابية». وبعد ذلك بدأت أولى محاولات التنظيم للهيمنة على الهلال النفطي.
يصعب على قوات الجيش الليبي، ضعيف التسليح والإمكانيات، مواجهة مجموعات المسلحين الدواعش في الصحراء الشاسعة المحيطة بسرت. لكن بعض طائرات سلاح الجو الليبي عرقلت تحركات التنظيم حين حاول فرض سيطرته على الآبار الواقعة على بعد نحو مائة كيلومتر إلى الجنوب الشرقي من سرت. وفي المقابل اختار التنظيم أن يتوسع، بآلة الترويع والقتل، في بلدات المنطقة النفطية فاجتاح بلدة هراوة، وبدأ في إرسال طلائع إلى الوادي الأحمر ثم بدأ في التخطيط للاستيلاء على مدينة إجدابيا، التي تعد بمثابة الباب الغربي لمدينة بنغازي التي تشهد هي الأخرى مواجهات بين الجيش والمتطرفين.
وتلقى التنظيم المتطرف ضربات من الجو بواسطة الطيران الليبي، وأخرى بواسطة ما يطلق عليه بعض الليبيين «الطائرات المجهولة» التي يعتقد أنها إما أوروبية وإما تابعة لبعض الدول العربية. ولم يتمكن التنظيم حتى الآن من السيطرة على الهلال النفطي أو الآبار الواقعة بين إجدابيا وسرت، لكنه تمكن من وضع قدميه في منطقة حيوية. ويقول إبراهيم عميش، وهو نائب عن بنغازي في البرلمان، ويرأس فيه لجنة العدل والمصالحة ولجنة خارطة الطريق، إن انتشار «داعش» في وسط البلاد، من الممكن أن يؤدي إلى تقسيمها بين شرق وغرب، إذ إنه يسيطر تقريبا على جميع الطرق الواصلة بين جانبي البلاد شاسعة المساحة.
ويضيف في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن تهديد «داعش» للهلال النفطي الذي يعد المورد الرئيسي للأموال في البلاد يمكن أن يتسبب في تدخل دولي بحيث تضع القوات الدولية يدها على آبار النفط بحجة حمايتها، وتطبق برنامج «النفط مقابل الغذاء»، وهو أمر خطير على ليبيا، كما يقول. والحل: سرعة التوافق بين الخصوم الليبيين ودعم الجيش، وضبط الحدود، قبل فوات الأوان.



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.