طموحات «أرض الصومال» السياسية والاقتصادية لبناء دولة جديدة

غياب الدعم والتمويل الدوليين يعرقل مشاريع التنمية

حركة نشطة لشحن البضائع في ميناء بربرة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
حركة نشطة لشحن البضائع في ميناء بربرة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
TT

طموحات «أرض الصومال» السياسية والاقتصادية لبناء دولة جديدة

حركة نشطة لشحن البضائع في ميناء بربرة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)
حركة نشطة لشحن البضائع في ميناء بربرة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)

بحلول الظهيرة، تمتلئ شوارع مدينة بربرة، المعروفة بمينائها الواقع على القرن الأفريقي، بالغنم بدلا من السيارات وسط بنية تحتية متدهورة وحرارة شديدة. ورغم ذلك، يتوقع سكانها تحقيق توسع كبير في المستقبل القريب لتحويل الميناء إلى مركز نقل إقليمي، كما يأملون أن يموّل هذا المشروع الطموحات بإنشاء منطقة سلمية ومنظمة في الصومال لبناء دولة خاصة بهم.
وفي حين انزلق الصومال إلى الفوضى عقب انهيار الحكومة في عام 1991، وعصفت به المجاعة، والحرب القبلية، والقرصنة، وتمرد حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، انفصل عنه النصف الشمالي وبنى دولة خاصة به. وعلى الرغم من أنه لا يوجد أي اعتراف دولي رسمي بتلك الدولة الناشئة، فإن «صوماليلاند» أو أرض الصومال لديها قوات شرطة، وجيش، وعلم، وعملة خاصة بها، وأجرت على مدى السنوات الـ24 الماضية انتخابات منتظمة للبرلمان ورئاسة البلاد.
وتعيش صوماليلاند على الأموال المرسلة من المغتربين، ومبيعات الماشية للبلدان العربية. وتعتبر حكومتها ضعيفة نسبيا، مع ميزانية صغيرة تحكم بالتوافق مع العشائر المحلية. ويشعر كثيرون من سكانها بأن هذا النموذج من «الدولة» يأخذ مجراه الطبيعي، إلا أن ارتفاع معدلات البطالة، ومعدّلات الهجرة إلى الخارج، يحتّم على صوماليلاند البحث عن مزيد من الدخل من أجل البقاء والتطور. ولعلّ أحد الحلول يكمن في ربط مستقبل «الدولة» الصغيرة بالاقتصاد الإثيوبي المجاور لها، والأقوى بكثير.
ويقوم موقف المجتمع الدولي على مساعدة الصومال على استعادة مقوماتها الاقتصادية مرة أخرى، واستعادة السيطرة على صوماليلاند. ومع ذلك، فإن سكان هذه الأخيرة يقولون إن «ذلك لن يحدث أبدا»، متذكرين حملة القصف التي نفذتها مقديشو في عام 1988، والتي دمّرت هرجيسا، عاصمة صوماليلاند، عندما سعت المنطقة للانفصال. وبالنسبة إلى الـ70 في المائة من تعداد سكان صوماليلاند، البالغ عددهم 3.5 مليون نسمة، والذين وُلدوا بعد عام 1991، لن تجدي فكرة خضوعهم لحكم دولة تعج فيها القرصنة والتمرد المتطرّف نفعا. ومن وجهة نظرهم، تعتبر مقديشو مجرد اسم يرد في عناوين الأخبار، فهي لا تمتّ بصلة للمقاهي النابضة بالحياة في هرجيسا، حيث تتوافر شبكة الإنترنت اللاسلكية (واي فاي)، ويجلس العاملون في مكاتب الصرف خلف رزم من المال في السوق الرئيسية، دون الحاجة إلى حراسة.
من جانبه، قال محمود جاما، سفير صوماليلاند لدى إثيوبيا: «لقد حققت صوماليلاند ما حققته بمساعدة محدودة من المجتمع الدولي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع المليارات التي ترسل إلى مقديشو»، مضيفا أن المجتمع الدولي يحاول إنعاش نموذجا منتهيا منذ فترة طويلة، ما دام تعلق الأمر بمقديشو.
وتتطلع إثيوبيا، التي لا تملك حدودا بحرية، إلى الوصول إلى البحر منذ فترة طويلة. وتمر نحو 90 في المائة من تجارتها عبر دجيبوتي، وهي دولة صغيرة ذات ميناء ضخم تحصل نحو 1.5 مليار دولار سنويا من إثيوبيا على هيئة رسوم ميناء. وتخطط صوماليلاند لتحويل 30 في المائة من هذه التجارة عبر بربرة. وذكر شارماركي جاما، مستشار التجارة والاقتصاد لوزير الخارجية في صوماليلاند: «إنهم يحتاجون إلى ميناء، وهذا شيء ندركه جيدا، ونحن نحاول الاستفادة من ذلك». وتابع: «الأمر لا يتعلق فقط بالطريق المؤدي إلى الميناء، إنها العلاقة برمتها».
بهذا الصدد، وقعت صوماليلاند وإثيوبيا على مذكرة تفاهم بشأن الجمارك والعبور قبل عام، ويرتقب دخولها حيز التنفيذ قريبا، رغم تعثر المفاوضات بشأن اختيار شركة دولية توفر المال والخبرة لتوسيع الميناء. وجرت محادثات بشأن شركة الموانئ الفرنسية «بولوري» لتوسيع وتشغيل الميناء لسنوات، غير أن الفصائل المختلفة في حكومة صوماليلاند تدفع الآن بشركات مرشحة أخرى، من بينها «دي بي وورلد» ومقرها دبي.
وأفاد علي عمر، الرجل المسؤول عن تشغيل ميناء بربرة على مدى السنوات الـ20 الماضية، إنه من السابق لأوانه جلب شريك أجنبي، «ومن الأفضل الانتظار والتفاوض من موطن قوة». وسجّلت التجارة عبر الميناء نموّا بنسبة 20 إلى 30 في المائة سنويا، على مدى السنوات القليلة الماضية. وأضاف عمر، من مكتبه الواسع بالميناء: «تكمن فكرتنا في تداول البضائع مع إثيوبيا من الآن، وإرسال أول شحنة العام المقبل أو نحو ذلك، وسوف يكون كل شيء على ما يرام، ومن ثم التفاوض مع شركات أجنبية».
في المقابل، لا يزال ميناء بربرة، الذي يتولى الآن أقل من 5 في المائة من تجارة إثيوبيا، يحتاج إلى كثير من التحديث والإصلاحات قبل وصول السفن. ويعتبر الطريق إلى الحدود عبر صحراء صوماليلاند العشبية امتدادا أسفلتيا منقرا، وتتخلله في عدة أماكن أنهار الرملية. ويبدو الطريق غير مهيأ لمرور الشاحنات الكبرى. ويكون هذا النوع من البنى التحتية مكلفا، إذ يحتاج إلى تجديد طريق تقدر مسافته بـ300 كيلومتر ويكلّف نحو 300 مليون دولار، وهو ما يوازي الميزانية السنوية الحالية لصوماليلاند، بينما تكلف توسعة الميناء 200 مليون دولار أخرى على الأقل.
ولا تمتلك صوماليلاند هذا النوع من المال لإطلاق وإكمال مشاريع بهذا الحجم، وعلى عكس البلدان النامية الأخرى، فإنها لا تستطيع الوصول إلى المؤسسات المالية الدولية من أجل الاقتراض. وتعتبر أكبر جهة أجنبية مانحة لها هي بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة، حيث تقدم وزارة التنمية الدولية المشورة لصوماليلاند حول كيفية تطوير ميناء بربرة وممرها الرئيسي لمرور الشاحنات من وإلى إثيوبيا.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.