اليابانيون يعشقون دورات المياه وينشئون متحفًا لها

زاره 30 ألفًا من رجال الأعمال.. وكلف 60 مليون دولار

اليابانيون يعشقون دورات المياه وينشئون متحفًا لها
TT

اليابانيون يعشقون دورات المياه وينشئون متحفًا لها

اليابانيون يعشقون دورات المياه وينشئون متحفًا لها

قدمت اليابان للعالم أجهزة مثل الوكمان والبلاي ستيشن والكاريوكي، غير أنه من بين الأشياء التي تفتخر بها اليابان تكنولوجيا الهاي تيك، وبيديه المرحاض الرذاذ، وخاصية التدفئة لقاعدة المرحاض (دورات المياه).
تنوعت ابتكارات اليابان للدرجة التي جعلت شركة «توتو» التي ابتكرت بيديه الحمام تقيم متحفا بتكلفة 60 مليون دولار أميركي في أقصى جنوب اليابان.
أقيم المتحف احتفالا بالعيد المئوي لتأسيس شركة «توتو» التي سوف تبدأ في عام 2017. واستقبل المتحف 30000 زائر خلال فترة افتتاحه التي دامت ثلاثة شهور. ومنذ عدة أيام، قامت وفود تتألف من الكثير من الرجال يرتدون بزات أنيقة بزيارة المتحف والتجول بين أجنحته واستمعوا إلى شرح من المرشد.
يحتوي المتحف على الآلاف من المعروضات التي تؤرخ لتطور الحمام الياباني بدءا من مرحاض القرفصاء الذي ظهر في القرن التاسع عشر وانتهاء ببيديه توتو الشهير، وهو عبارة عن مقعد مرحاض مزود ببيديه، وهو ما يشكل نقطة التقاء تعكس اهتمام اليابان بالثقافة الصحية الشخصية والتزامها بمتطلبات الراحة وتسخير خبراتها التكنولوجية (فحسب شركة توتو، فإن الذهاب إلى حمام مزود بالبيديه يساعد الناس على الاسترخاء).
قامت شركة توتو هذا الشهر بتصدير 40 مليون بيديه، وقالت مامي يوشيدا، التي تفقدت معروضات المتحف أثناء زيارتها لبلدها الأم برفقة زوجها بعد عقد كامل قضته في مونتريال، إن «البيديه منتشر بشكل واسع في اليابان، لكن لسوء الحظ لا نراه في كندا. أعتقد أن الغربيين يفتقدون مثل تلك المنتجات الإبداعية. أريد لزوجي أن ينبهر، ولذلك قررنا المجيء إلى هنا».
وتعرض شركة «توتو» في متحفها الكثير من أجيال الـ«بيديه» بدءا من أول طراز بدائي مزود بأحبال وأزرار ظهر في الثمانينات من القرن الماضي انتهاء بمرحاض «نيوريست» الحديث المزود ببيديه لرش الماء. وتنتشر هذه المراحيض في كل بيوت اليابان وكذلك في المطاعم والمباني العامة، بدءا من محطات قطار الأنفاق إلى المكاتب الحكومية.
بيد أن ابتكارات الطرز الحديثة لم تتوقف عند عملية الغسل، فهي مزودة كذلك بخاصية التدفئة لقاعدة المرحاض، وتسمح للمستخدم التحكم في درجة حرارة وضغط المياه. بعض المراحيض مزودة بخاصية المساج (التدليك) بالماء ثم التجفيف.
تحتوي الحمامات العامة غالبا على خاصية التعطير، وقد يوجد في بعضها سماعات للموسيقى تعرف حرفيا باسم «صوت الأميرة»، وقد صممت كي تخفي أي أصوات نشاز قد تصدر عن المستخدمين داخل الحمام. بعض الحمامات تحتوي على حساسات أوتوماتيكية تعمل على رفع الغطاء تلقائيا بمجرد اقتراب الشخص من المرحاض وترش محلول مضاد للبكتيريا داخل وعاء المرحاض حتى يتأكد الشخص بنفسه من نظافة القاعدة.
انتشر البيديه في الدول التي يغسل فيها الناس الجزء السفلي بعد الانتهاء من قضاء الحاجة مثل دول الشرق الأوسط، ولا تستغرب عندما ترى سياحا صينيين يحملون صناديق البيديه على عربات المطار أثناء التفتيش بمطار طوكيو الرئيسي.
بيد أن المراحيض اليابانية لم تنتشر في أوروبا، وتسعى شركة «توتو» إلى الترويج الـ«بيديه» في الولايات المتحدة، وتقيم الشركة الآن معارض في لوس أنجليس، وبوسطن، وشيكاغو، إضافة إلى معرض آخر على وشك الافتتاح في نيويورك.
هذه التكنولوجيا ليست رخيصة في الولايات المتحدة، فقاعدة المرحاض المزودة ببيديه تباع بسعر 599 دولارا أميركيا، في حين يباع أحدث طراز البيديه المعروف باسم «نيوريست» بسعر 6500 دولار للقطعة الواحدة، هذا بالإضافة إلى الحاجة إلى مصدر كهرباء بالقرب من المرحاض.
يشتمل متحف «توتو» أيضا على قاعدة مرحاض قوية التحمل وبالغة الاتساع تستخدم في استادات مصارعة «السومو»، إضافة إلى نماذج لحمامات البرلمان الياباني، ونموذج من حمامات فنادق طوكيو في فترة ما قبل الازدهار العمراني قبيل استضافة اليابان لأولمبياد 1964. يعرض المتحف كذلك حمام الجناح الخاص بدوغلاس ماك آرثر، الجنرال الأميركي الذي قاد الاحتلال الأميركي لليابان إبان الحرب العالمية الثانية. يشتمل المتحف أيضا على بعض المقتنيات الطريفة مثل الدراجة البخارية التي طافت أرجاء البلاد باستخدام الغاز الحيوي (نعم، هو بالضبط ما يدور في رأسك الآن). حقا فالحمامات موضوع حيوي هنا.
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».