الداخلية التونسية لـ {الشرق الأوسط}: 3 آلاف تونسي يقاتلون في سوريا عاد منهم 600

أكدت منع 12 ألف تونسي من السفر إلى بؤر التوتر في المنطقة

صورة تعود إلى أواخر نوفمبر الماضي لأفراد من الشرطة الجنائية التونسية في موقع التفجير الذي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد (إ.ب.أ)
صورة تعود إلى أواخر نوفمبر الماضي لأفراد من الشرطة الجنائية التونسية في موقع التفجير الذي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد (إ.ب.أ)
TT

الداخلية التونسية لـ {الشرق الأوسط}: 3 آلاف تونسي يقاتلون في سوريا عاد منهم 600

صورة تعود إلى أواخر نوفمبر الماضي لأفراد من الشرطة الجنائية التونسية في موقع التفجير الذي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد (إ.ب.أ)
صورة تعود إلى أواخر نوفمبر الماضي لأفراد من الشرطة الجنائية التونسية في موقع التفجير الذي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد (إ.ب.أ)

أورد وليد الوقيني الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على هامش مؤتمر دولي حول الإرهاب وظاهرة «العائدين من بؤر التوتر والحروب»، أن السلطات الأمنية التونسية تقدر أن العدد الإجمالي للشباب التونسي الذي وقع التغرير به ودفعه نحو الانخراط في المجموعات المسلحة يُعد بالآلاف.
وأوضح مستشار وزير الداخلية التونسي والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية التونسية أن من بين المعنيين بملف التعاطف مع الجماعات التكفيرية والتنظيمات المسلحة المتشددة في سوريا وليبيا ومواقع مختلفة من بؤر التوتر، «12 ألف شاب منعتهم السلطات الأمنية من مغادرة البلاد، لأنها فطنت إلى مخططات ترحيلهم مسبقًا، فيما نجح نحو 3 آلاف في السفر تحت يافطات مختلفة، أهمها السياحة في اتجاه بلدان لا يطالب التونسيون بتأشيرة نحوها منذ عقود، مثل سوريا وليبيا».
وخلافًا لبعض التقديرات المنشورة في مراكز دراسات غربية وأممية تحدثت عن ارتفاع عدد المقاتلين التونسيين في بؤر التوتر إلى أكثر من 10 آلاف و50 ألفًا، أكد الناطق الرسمي باسم وزير الداخلية ناجم الغرسلي أن «تلك التقديرات لا تخلو من المبالغة، لأن مصالح الأمن التونسية تؤكد أن العدد الحقيقي هو في حدود 3 آلاف، قتل من بينهم نحو 800 شخص خلال حروب الأعوام الخمس الماضية في سوريا والعراق وليبيا».
في المقابل، أكد الوقيني أن «مئات الشباب التونسي الذي سبق أن سافر إلى سوريا تحت يافطة {الجهاد}، اكتشف بعد سفره الغلط الذي ارتكبه، واتصل بسفارة تونس في تركيا وبمصالحها الدبلوماسية في دمشق، وأعرب عن ندمه وتوبته وحرصه على العودة إلى بلده والمثول أمام القضاء إن لزم الأمر».
وأضاف المستشار أن «نحو 600 من المتشددين عادوا فعلا إلى تونس، وقد قسمتهم المصالح الأمنية والقضائية إلى 3 أصناف»، 95 حالة منهم رفعت ضدهم قضايا، فيما لا يزال نحو 200 رهن التحريات. بينما تقرر الإبقاء على البقية في حالة سراح، على أن يكونوا تحت «الرقابة الأمنية» اليومية، أي أن يبقوا على ذمة قوات الأمن في كل الأوقات.
وتتساءل بعض الجهات عن سبب عدم منع السلطات الأمنية التونسية هؤلاء المغرر بهم من العودة، مثلما يطالب كثير من قادة النقابات الأمنية والساسة التونسيين المتخوفين من نقلهم للمعارك والعمليات الإرهابية إلى تونس بعد أن تدرب «المقاتلون» على حرب العصابات في بلدان مثل سوريا، والعراق وليبيا. وأوضح الناطق الرسمي باسم وزير الداخلية بهذا الصدد أن «الدستور واضح، فهو يمنع السلطات مهما كان مستواها من منع أي مواطن تونسي من حق العودة إلى بلده مهما كانت مبررات تلك المنع».
واستطرد قائلا: «في المقابل، فإن القانون التونسي واضح أيضًا من حيث تنصيصه على أن يخضع كل مواطن تونسي لكل التبعات القانونية إن كان محل شبهات، وأن كان يحمل جنسية أخرى»، لافتًا: «لذلك أحيل ملف العائدين من بؤر التوتر على السادة القضاة الذين صنفوهم حسب ملفاتهم إلى 3 أصناف، تشمل الخطرين الذين يبقون في السجن ويحاكمون، وأولئك الذين تجري حولهم تحريات قانونية فيما يطلق سراح البقية مع فرض رقابة أمنية عليهم لمنع إعادة انخراطهم في العنف والإرهاب».
أما عن وضع الـ12 ألف شاب وشابة الذين منعوا من السفر للمشاركة فيما يعتقدون أنها «عمليات جهادية» في بلاد الشام والعراق أو ليبيا وأفغانستان والصومال، فإن الوقيني أشار إلى أن المؤسسات القضائية والأمنية والسلطات المختلفة تتابع هؤلاء عن كثب، مثلما تراقب أمنيًا بدقة كل الذين أفرج عنهم القضاء بعد الاشتباه فيهم من قبل قوات الأمن بالانخراط مع «متطرفين دينيا»، تمهيدا للقيام بعمليات إرهابية داخل تونس.
في هذه الأثناء، كشف وزيرا الداخلية، ناجم الغرسلي، والخارجية، الطيب البكوش، وعدد من كبار المسؤولين التونسيين أن السلطات التونسية تتابع مع عدد من الدول الغربية، بينها الولايات المتحدة وألمانيا والدول الإسكندنافية وكذلك مع بعض الدول العربية كالجزائر، تجارب إعادة إدماج «التائبين» من بين العائدين من بؤر التوتر والحروب.
من جانبهم، دعا عدد من الجامعيين التونسيين، بينهم الخبيرة في الدراسات الأمنية والحضارية آمنة الجبلاوي، إلى «التعامل مع ملفات التطرف الفكري والديني والإرهاب بمقاربات علمية وفقهية إسلامية وسوسيولوجية، وعدم اختزالها في ردود فعل أمنية وبوليسية». كما دعت آمنة الجبلاوي وعدد من الخبراء إلى إحداث «مركز تونسي لإدماج العائدين من بؤر التوتر»، بالقرب من المنشآت العسكرية في الصحراء التونسية، على الحدود الصحراوية الجزائرية، بهدف «تسهيل عمليات مراقبتهم وفتح حوارات عقائدية وعلمية معهم وتدريبهم على مهنة جديدة غير تعاطي السلاح»، على حد قولها.



انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)

بالتزامن مع بيانات أممية أكدت اتساع رقعة الفقر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواصل الجماعة المدعومة إيرانياً إشعال الصراعات القبلية التي تحولت إلى أحد مصادر كسب الأموال لدى قادتها، إلى جانب إشغال فئات المجتمع بالصراعات البينية لتجنب أي انتفاضة شعبية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكرت مصادر قبلية أن وجهاء محليين في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أبرموا اتفاقاً للهدنة بين قبيلتي «المعاطرة» و«ذو زيد» بعد أسبوع من المواجهات القبلية التي أدت إلى وقوع 16 قتيلاً وجريحاً من الجانبين.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن الوسطاء أعادوا فتح الطرقات بين منطقتي المواجهة التي تأتي في سياق تغذية الصراعات القبلية في المحافظة لإضعاف القبائل وإبعادها عن أي مواجهة مرتقبة مع الحوثيين.

واندلعت الاشتباكات - بحسب المصادر - نتيجة خلافات قبلية على ملكية جبل يسمى «نهم» يفصل بين القبيلتين، ويدَّعي كل طرف ملكيته، لكنها اتهمت قيادات في جماعة الحوثي بالوقوف خلف تلك الاشتباكات بعد تغذيتها للخلافات بين الطرفين منذ ما يقارب الشهرين، وعدم فصلها فيها رغم لجوء الطرفين إلى المشرفين الحوثيين هناك.

نزاع في إب

وفي مديرية الشعر التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قام القيادي الحوثي أشرف الصلاحي، وهو المسؤول عن إدارة المديرية، بشن حملة لاختطاف العشرات من السكان، وتغذية خلافات بين عائلتي «شهبين» و«عبية» على خلفية السعي لافتتاح طريق فرعي يمر عبر أراضٍ زراعية تملكها الأولى، رغم وجود طريق رئيسي تم تعبيده على نفقة السكان، ويُستخدم منذ عشرات السنين.

ووفقاً لما ذكره سكان في المنطقة التي تعد واحدة من بؤر المعارضة لسلطة الحوثيين، نشب خلاف بين الأسرتين في قرية «الشريحيين» بعزلة الأملوك حول استحداث طريق إضافي في المنطقة، حيث رفضت عائلة «شهبين» ضغوط القيادي الحوثي الصلاحي المعين مديراً للمديرية لفتح الطريق بقوة السلاح.

حملة عسكرية أرسلها الحوثيون لنصرة طرف ضد آخر في محافظة إب (إعلام محلي)

وأكد السكان أن الوضع في طريقه للانفجار في ظل إصرار القيادي الحوثي على انحيازه إلى أحد الأطراف، والحصول على أموال مقابل ذلك الموقف، وتمسُّك المعارضين بموقفهم.

وطبقاً لما روته مصادر قبلية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الحوثيين في معظم المناطق يعتمدون على الجبايات في جمع الأموال، وتدبير نفقاتهم وإدارتهم، حيث يرغمون السكان على دفع نفقات تحرك أفراد الشرطة لمعاينة أي حادثة أو إحضار أحد المطلوبين، كما يحرصون على أن يكونوا محكمين في أي قضايا خلافية بين السكان للحصول على مبالغ مالية والحيلولة دون وصول هذه القضايا إلى المحاكم.

العبث بالقضاء

كانت الجماعة الحوثية قد شكلت قبل عامين ما سمته «المنظومة العدلية» بقيادة محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، بهدف إدارة المحاكم والقضاة ومراقبتهم، واتخاذ العقوبات اللازمة بحقهم.

وأخيراً منحت الجماعة نفسها من خلال التعديل الأخير على قانون السلطة القضائية، حق تعيين معممين طائفيين قضاة في المحاكم، كما أضافت مادة إلى القانون تمنح هؤلاء القضاة حق معاقبة المحامين بالمنع من الترافع لمدة 3 أعوام إذا رأوا أن مرافعاتهم لا تسير وفق هوى الجماعة.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

التعديلات التي قوبلت باعتراض رسمي وشعبي واسع رفضتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إذ عبّرت عن أسفها من إقدام ما يسمى مجلس النواب في صنعاء الذي يضم عدداً لا يزيد على 40 فرداً أغلبهم تم انتخابهم من قِبل الحوثيين بعد وفاة الأعضاء الأساسيين، على إقرار مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية دون نقاش.

وبينما أكدت النقابة تمسُّكها الكامل بموقف المحامين الرافض للتعديلات القانونية برمتها، وإدانة تمرير المشروع، رأى محامون أن إفراغ القضاء والعد التنازلي لإنهاء استقلاله في مناطق سيطرة الحوثيين بدأ منذ قبول ما يسمى مجلس القضاء «الخضوع والتماهي مع مخططات الجماعة»، وإجبار القضاة على حضور دورات طائفية حتى يحافظوا على فتات لقمة العيش التي يحصلون عليها.

ووصف المحامون تلك التعديلات التي أُدخلت على قانون السلطة القضائية بأنها نتيجة التنازلات المؤلمة التي أصبح ضحيتها الشعب بأكمله.

اشتداد الفقر

تأتي هذه الممارسات الحوثية بينما لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً، حيث يعاني واحد من كل اثنين من الأسر من استهلاك غير كافٍ للغذاء، في حين تأثرت نحو 43 في المائة من الأسر في مناطق سيطرة الجماعة بشكل كامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة استهلاك الغذاء الرديئة، وهي مقياس للحرمان الشديد من الغذاء، تعكس مستويات مثيرة للقلق حيث تأثرت نحو 20 في المائة من الأسر سلباً، وفق ما ورد في بيانات أممية حديثة.

مع اتساع رقعة الفقر يخشى الحوثيون من انتفاضة شعبية (الأمم المتحدة)

وطبقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين يرجع في المقام الأول إلى خفض المساعدات الإنسانية، ما يؤثر في أولئك الذين اعتمدوا عليها بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الفيضانات الأخيرة والانحدار العام في سبل العيش.

وأدى ذلك - وفق المنظمة الأممية - إلى صدمات للأسر وفقدان الدخل في تلك المناطق، حيث أثرت على نحو 59 في المائة من الأسر، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالشهرين الماضيين، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، فقد واجهت نحو 53 في المائة من الأسر صدمات خلال شهر.