تعد رواية «مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة»، وهي الثانية للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، عملاً مركبًا من الواقعي والمتخيل الافتراضي، سعى فيه الكاتب إلى توثيق أدبي لكثير من مآسي الفلسطينيين وآلامهم وتشردهم ومصائرهم.
وتحت عنوان «قبل القراءة»، وهي مقدمة سبقت النص، قال الكاتب إن «مصائر».. «هي الثانية في مشروعي بعد (السيدة من تل أبيب)، التي قدمت فيها مشهدا بانوراميا لقطاع غزة في مرحلة زمنية معينة.. قمت بتوليف النص في قالب الكونشرتو الموسيقي المكون من أربع حركات، تشغل كل منها حكاية تنهض على بطلين اثنين، يتحركان في فضائهما الخاص، قبل أن يتحولا إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة التالية، حين يظهر بطلان رئيسان آخران لحكاية أخرى.. وحين نصل إلى (الحركة) الرابعة، تبدأ الحكايات الأربع في التكامل»، حول أسئلة الرواية حول النكبة والهولوكوست والعودة، حسب «رويترز»، التي نوّهت بأن هذه «التوليفة»، كما وصفها المدهون، أي الربط، بطريقة ما، بين تحرك العمل القصصي وحركات عمل موسيقي، قد يكون الروائي والقاص اللبناني السوري الأصل، الراحل إلياس مقدسي إلياس، أول من أطلقها في العربية، حين دعا إلى ما سماه «القصة السيمفونية» التي تقوم على حركات تتكامل في النهاية. جاءت رواية المدهون في 266 صفحة متوسطة القطع، وصدرت عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت وعمان، وعن «مكتبة كل شيء» في حيفا، وتوزع في المعارض العربية طبعتها الثانية، التي جاءت بعد أربعة أشهر على صدورها.
في الحركة الأولى من «الكونشرتو الموسيقي» في الرواية، تحب الأرمنية الفلسطينية، إيفانا أردكيان، طبيبا بريطانيا في زمن الانتداب على فلسطين وتتزوجه، ويرحلان إلى لندن، وتنجب منه بنتا. وتوصي إيفانا قبل وفاتها بحرق جثتها ونثر نصف رمادها في نهر التيمس في لندن. أما النصف الآخر فطلبت، في تكليف بدا مزعجا، أن يؤخذ في إناء ويوضع في بيت أهلها في عكا القديمة، في بيت عربي في القدس. يعتمد المدهون هنا، وفي مجالات الرواية الأخرى أيضا، أسلوب الاحتمالات المختلفة، وما يمكن أن يحدث في حال تحقق أي منها. أما حركة الكونشرتو الثانية، فتناولت حكاية جنين دهمان، التي تكتب رواية بعنوان «فلسطيني تيس»، عن محمود دهمان الذي يعود سرا إلى المجدل - عسقلان، ويرفض الرحيل. وكذلك قصتها مع زوجها باسم الذي التقته خلال وجودها في أميركا، وبطل قصتها الذي سمته باسم أيضًا. وفي الحركة الثالثة يزور وليد دهمان وزوجته جولي، ابنة إيفانا، البلاد لتنفيذ وصية إيفانا، فيقعان في عشق البلاد ويفكران في العودة إليها. أما الحركة الرابعة والأخيرة، فتتابع زيارة وليد لمتحف ضحايا المحرقة النازية في القدس، «يد فشيم». هنا، يقيم الكاتب تماهيا بين ضحايا المحرقة اليهود، وضحايا مجزرة دير ياسين الذين قتلتهم منظمات صهيونية.
كثير مما في الرواية يوحي بكتابة صحافية تنقل تفاصيل الأمور بدقة وتعيد تواريخها إلى الذهن. وربما كانت غاية الكاتب هي «كي لا ننسى» بتعبير «رويترز»، مع أن الحياة تستمر. وقد يجد القارئ في عمل المدهون تقنيات سردية كثيرة مختلفة، حاول الكاتب التوفيق بينها. من ذلك أنه يقدم نفسه على لسان آخرين، أو يظهر في مشاهد، أو أدوار سريعة، على غرار ظهور المخرج الشهير، ألفريد هتشكوك، العابر، في أفلامه. لكن القارئ قد يرى أن هذه التقنيات ربما أتت على حساب انسياب السرد الروائي.
عن «مصائر»، قال الناقد الفلسطيني د. فيصل دراج، إن الرواية «قرأت زمنا آخر لا يعد إلا بما فيه، من حيث المحتل اليهودي مستقر في (أرض الميعاد)، والفلسطيني مشتت داخل أرضه وخارجها (...) ومع أن في النص عناقا بين الواقعي والمتخيل، كما تقضي الروايات، فإن فيه (واقعية) باردة أليمة مبرأة من الوعد والوعيد»، وأضاف دراج أن الرواية «تنتسب، ضمنا، إلى رواية (الكاتب الفلسطيني) الراحل، غسان كنفاني، (رجال في الشمس)». وأيا كان انطباع القارئ، فلا شك في أن «مصائر» عمل روائي متقن، ومركب، وغير عادي من نواح مختلفة.
«مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة» عمل متقن ورواية مركبة وغير عادية
للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون
«مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة» عمل متقن ورواية مركبة وغير عادية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة