بول سوليفان: أميركا ستبقي قاعدة العيديد والأسطول الخامس في الخليج

قال إن الأميركيين لن يسمحوا بفوز ترامب كي يعيشوا في عالم متحضر

بول سوليفان: أميركا ستبقي قاعدة العيديد والأسطول الخامس في الخليج
TT

بول سوليفان: أميركا ستبقي قاعدة العيديد والأسطول الخامس في الخليج

بول سوليفان: أميركا ستبقي قاعدة العيديد والأسطول الخامس في الخليج

أكد بول سوليفان، البروفسور الأميركي المختص في السياسة والدراسات الأمنية، أن بلاده، لن تغادر منطقة الشرق الأوسط، وذلك في سياق التحليلات السياسية التي وصفت مواقف الولايات المتحدة تجاه الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، خصوصا القضية السورية، بالنأي والانكفاء وفتح المجال أمام التدخل الروسي دون النظر لمصالح الحلفاء الاستراتيجيين.
وقال سوليفان إن أميركا لن تغلق قاعدة العيديد العسكرية في قطر، ولن تعيد تسحب الأسطول الخامس من مياه الخليج، مضيفا: «لن نحزم أمتعتنا ونذهب من الخليج حتى لو اكتفينا بالنفط الصخري، ولم نستورد قطرة واحدة من النفط»، مبينا أنه لا يستطيع أن ينفي أن هناك عواصف ومخاطر وهواجس خلال السنوات الأخيرة تمر بها العلاقات العربية - الأميركية، «لكن أميركا ما زالت تراعي مصلحتها في استقرار طرق التجارة الكبرى في باب المندب وقناة السويس». ورفض توجيه الاتهام لبلاده لعدم تدخلها في سوريا، مبينا أنهم لا يعرفون «جبهة النصرة» أو «الجيش الحر»، وأن خريطة المنطقة تغيرت، و«من يرد إعادتها للماضي، فسيخلق مشكلات أخرى»، وأضاف أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس لديه وقت طويل للتفكير في حل مشكلات المنطقة، وأنه «من الضروري أن تستخدم القدرة العسكرية الأولى في العالم بطريقة ملائمة تعتمد على المعلومات وليس الآيديولوجيا».
وقال إن الحاجة هي لقرارات تعتمد على البيانات ومعرفة الواقع، «استجابة لما تقتضيه حاجة الأمن القومي»، مشيرا إلى أن إيقاف الإرهاب يتم بالتعاون وقطع الإمدادات المالية عن التنظيمات المتطرفة، واعتبر أن تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل لا يلغي أهمية تحالفها مع العرب، مضيفا أن علاقتهم مع باكستان وإندونيسيا وبقية دول العالم الإسلامي، لن تكون مستقرة إذا لم تكن علاقة أميركا جيدة مع العرب والخليجيين، «نظرا لأن الشعوب الإسلامية تقدس مكة المكرمة والمدينة المنورة وتدين بالولاء لهما».
وشدد البروفسور سوليفان، خلال محاضرته التي احتضنها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في العاصمة السعودية الرياض أول من أمس، على أن من الضرورة الوصول إلى حل قبل أن تتفاقم أزمات المنطقة العربية، والتفكير في عيش سكان الشرق الأوسط والقارة الأفريقية في بيئة تخلو من العنف، مؤكدا أن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها بناء على المعلومات التي قدمتها أسبابا لحرب العراق و«لا بد أن تستعيدها في أقرب فرصة».
وأشار إلى أن «من يعتقد أن الإرهاب يأتي من المسلمين مخطئ، ويتجاهل الحقيقة»، موضحا أن «35 ألف شخص يقتلون سنويا في الولايات المتحدة بسبب جرائم إطلاق النار، ومن يموتون بسبب الجرعة الزائدة من المخدرات عددهم أكبر من ذلك»، لافتا إلى أن مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب جزء من المشكلة بعد تصريحاته الأخيرة التي دعت لمنع المسلمين من دخول أميركا.
ولفت إلى أن إحدى طالباته، وهي من دول البلقان، «تأثرت كثيرا بما نادى به ترامب، وبقيت في منزلها مدة طويلة دون أن تتمكن من مغادرته خوفا من التداعيات التي توقعت أن تجدها من السكان الأميركيين»، مضيفا أنهم لن يسمحوا «لأمثال ترامب بالفوز في الانتخابات، وسيتحلون بالمسؤولية، من أجل أن يعيشوا في عالم متحضر ومتسامح مع الآخرين».
وأوضح أن «تكاليف الفوضى التي تشهدها المنطقة باهظة الثمن، حيث يلزم لإعمار اليمن أكثر من مائتي مليار دولار، بينما تحتاج سوريا إلى 500 مليار دولار، أما ليبيا فتبلغ تقديرات إعمارها 250 مليار دولار»، مضيفا أن حلف الناتو ساهم في إنهاء حكم القذافي، «إلا أنه لا يمكن تجاهل الكراهية التاريخية بين بنغازي وطرابلس، التي كان لها دور في التطورات اللاحقة».
ولم يخف استمرار تضرر اقتصاد بلاده من تداعيات الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008، وأشار إلى أن «حجم الدين العام الأميركي بلغ 18 تريليون دولار، وهو ما يمثل ربع الاقتصاد العالمي»، مضيفا أن لديهم «عجز كبير وخفض في الموازنة، جراء الخسائر في حروب العراق وأفغانستان التي جاوزت تكلفتها ثلاثة تريليونات دولار»، متوقعا ألا يتعافى الاقتصاد قبل مرور العشرة أعوام المقبلة.
ويعمل سوليفان أستاذا محاضرا في الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، وباحثا دوليا في مجلس العلاقات العربية - الأميركية، وأدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي في قضايا تتعلق بالأمن المائي وحوض نهر النيل، وعمل مستشارا لمشروع السودان بمعهد الولايات المتحدة للسلام حتى يوليو (تموز) عام 2010، وقدم استشارات إلى كبار مسؤولي الحكومة والقادة في القطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، في موضوعات كثيرة تخص الطاقة والسياسة والأمن والاقتصاد الدولي.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.