تصفية واعتقال العسكريين.. سياسة النظام السوري القديمة الجديدة في التعامل مع مخالفي أوامره

آخرها إعدام 11 عنصرًا في مدينة طيبة بريف حماه الشمالي

تصفية واعتقال العسكريين.. سياسة النظام السوري القديمة الجديدة في التعامل مع مخالفي أوامره
TT

تصفية واعتقال العسكريين.. سياسة النظام السوري القديمة الجديدة في التعامل مع مخالفي أوامره

تصفية واعتقال العسكريين.. سياسة النظام السوري القديمة الجديدة في التعامل مع مخالفي أوامره

ليست التصفية أو الاعتقال سياسة جديدة يتبعها النظام السوري، فهي وفق ما يؤكّد أكثر من مصدر وسبق أن وثّقته تقارير عدّة، الحلّ الوحيد الذي يلجأ إليه في التعامل مع معارضيه وعند «الشكّّ» بولاء أي عسكري له، وهذا ما حدث الأسبوع الماضي، في مدينة طيبة الإمام في ريف حماه الشمالي، حيث عمدت ميليشيا الدفاع الوطني إلى إعدام 11 عنصرا من قوات النظام بتهمة الهروب من الواجب العسكري، وفق ما أفاد «مركز حماه الإعلامي».
وأتت هذه العملية بعدما كانت فصائل المعارضة قد شنت هجومًا واسعًا على نقاط تمركز قوات النظام في ريف حماه الشمالي، وتمكنوا من تحرير قرى وحواجز البويضة، والمصاصنة، وزلين، وزور الحيصة، ومداجن أبو حسن.
وفي هذا الإطار، يؤكد ناشط حقوقي، أن الإعدام أو الاعتقال هما السياسة القديمة الجديدة التي يعتمدها النظام في تعامله مع أي عسكري يرفض تنفيذ الأوامر أو يحاول الانشقاق، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحوادث في هذا الإطار كثيرة ومتعدّدة، وهو ما يؤكّد عليه أهالي الضحايا أو عسكريون منشقون أو أطلق سراحهم، كانوا قد عايشوا ورأوا بأم أعينهم حالات كهذه. وفي حين يشير إلى صعوبة توثيق عدد هذه الحالات والذي قد يتجاوز المئات أو حتى الآلاف، والتي زادت منذ بدء الأزمة السورية، إثر محاولة الكثير من العسكريين الانشقاق أو الفرار، يلفت إلى غياب الأدلّة المادية في هذا الإطار، مثل الصور أو ما شابه. وأوضح الناشط، أنّ بعض سجني تدمر ومزة العسكريين، كانا معروفين، بأنهما «معقل» المعتقلين العسكريين، لكن وبعد تدمير الأول وإقفال الثاني، بات «سجن صيدنايا» هو الأكثر اكتظاظا بهؤلاء، مشيرا كذلك، إلى وجود، على الأقل، سجن واحد في كل منطقة أو محافظة، إضافة إلى سجن دمشق المركزي الذي يضم بين جدرانه بشكل أساسي، من هم في مراتب عالية من العسكريين.
وفي السياق نفسه، يؤكد رامي الدالاتي، رئيس المكتب السياسي في «جيش التوحيد»، أنه ومنذ اليوم الأول للأزمة السورية، بات مصير كل عسكري يفكّر بالانشقاق أو رفض الانصياع إلى الأوامر، القتل، مضيفا «وشهدنا على حالات كثيرة من هذا النوع، إذ كان يتم إطلاق الرصاص في الساحات العامة»، لافتا إلى إعدامات بالجملة تمّت في حي بابا عمرو وفي القصير بريف حمص عام 2012 بحق عسكريين تم الاشتباه بمحاولتهم الانشقاق، مضيفا «كذلك، في العام 2013، حاول نحو 13 عسكريا الفرار من الجيش في منطقة القصير متجهين إلى البساتين، فكان لهم عناصر النظام بالمرصاد ولحقوا بهم إلى الأحراج حيث تمت تصفيتهم». وأضاف في عام 2011 أيضا، قتلت قوات النظام ضابطين عند محاولتهما الفرار، وذلك قبل يومين من انشقاق الضابط عبد الرزاق طلاس، الذي تعرض بدوره لمحاولة قتل لكنه نجا منها.
كذلك، مع العلم، أن تصفية العسكريين في ريف حماه الأسبوع الماضي، ليست الأولى من نوعها في هذه المنطقة بالتحديد، إذ سبق أن أشارت معلومات إلى أنّه، وتحديدا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، أقدم عناصر أمنيون في مطار حماه العسكري على قتل ثلاثة ضباط برتب مختلفة بتهمة رفض أوامر عسكرية في الحرب، وهو ما ذكرته مواقع معارضة، لافتة إلى أن سبب الإعدام هو رفض الضباط أوامر الذهاب والمشاركة في المعارك الجارية حينها في ريف إدلب المسطومة. وكان قد لقي ثلاثة ضباط المصير عينه في 20 أغسطس (آب) عام 2014، وفي المكان نفسه بتهمة العصيان. وفي شهر يناير (كانون الثاني) (2013)، أعلن المركز الإعلامي في المجلس العسكري بدمشق وريفها، أنّ ضباطا في الفرقة الثالثة دفنوا عشرات الجثث لعسكريين في القلمون بريف دمشق، وهو الأمر الذي لم يثبت بأدلّة، إنما تناقلته مصادر معارضة عدّة.
وليس بعيدا عن سياسة النظام هذه، كانت قد نشرت الجمعية السورية لحماية المفقودين ومعتقلي الرأي، منتصف العام الماضي، 2750 صورة لوجوه معتقلين قضوا في سجون النظام السوري مأخوذة من مجموعة كبيرة تبلغ 55 ألف صورة لنحو 11 ألف ضحية قضت تحت التعذيب، وسرب هذه الصور أحد المنشقين عن النظام السوري والذي عرف باسم «سيرز» أو قيصر.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.