«سناب تشات».. من شبكة تواصل إلى «مدرسة أناقة»

سعوديات تخصصن في التجميل والأزياء يقدمن الدورات عبر هذا التطبيق

«سناب تشات».. من شبكة تواصل إلى «مدرسة أناقة»
TT

«سناب تشات».. من شبكة تواصل إلى «مدرسة أناقة»

«سناب تشات».. من شبكة تواصل إلى «مدرسة أناقة»

هي 10 ثوان، لكنها تختصر الكثير من الصور والخطوات، التي تقدمها خبيرات التجميل والأزياء لمتابعاتهن عبر برنامج «سناب تشات»، حيث يحفل اليوم بعشرات السيدات السعوديات اللاتي اتخذن هذه الشبكة الشهيرة منصة تعليمية للمهووسات بعالم الموضة والجمال، فكل يوم نرى «لوك» جديدا بألوان ماكياج جذابة وأزياء فاتنة، عبر صور وفيديوهات ملهمة للمغرمات بهذا العالم.
يضاف إلى ذلك أن هذا التطبيق الذي يستخدمه 100 مليون شخص، بحسب إحصاءات نهاية العام الماضي، و70 في المائة من مستخدميه يمثلن شريحة النساء، يتيح للمختصات تقديم دورات مباشرة لطرق «الميك أب» وطريقة تنسيق الملابس وفنون التزيين المختلفة، بطريقة مباشرة تضمن توفر وسائل التفاعل والإجابة عن الأسئلة وتبادل الخبرات بصورة فورية وسلسة، كحال كثير من مواقع التواصل الاجتماعي التي تتنافس فيما بينها على تقديم هذه الخصائص.
في المقابل، تصف كثير من السيدات هذا الاتجاه بالأمثل، على اعتبار أنه يسهل لهن مهمة الحصول على كل الدروس المتعلقة بالتزيين وإعداد المظهر وهن في منازلهن، وبكبسة زر، عبر التجول في بحور الشبكات الاجتماعية، بدلاً من تكبّد عناء الخروج والذهاب إلى الدورات التقليدية ودفع المبالغ الطائلة نظير ساعات معدودة.
وتشارك ريم السويدي، وهي خبيرة تجميل وطالبة جامعية في العشرينات من عمرها، تجربتها مع متابعاتها في عالم شبكات التواصل الاجتماعي، بأحدث دوراتها والوجوه الشهيرة التي احترفت تزيينها، وعن ذلك قالت: «هي تجربة رائعة تتيح لي التواصل مع المتابعين بشكل مباشر، وأحرص دوما على أن أستفيد من آرائهم ونقدهم على حد السواء». وتعتقد أن هذه الوسائل أظهرت مواهب الفتيات السعوديات اللاتي تمارسن أعمال «الميك أب» وساعدت في انتشارهن.
وزادت السويدي عن بدايتها في عالم التجميل «أحب وأعشق كل ما يخص الجمال والتجميل منذ الصغر، حبي للألوان منذ الطفولة، وبدايتي كانت في مارس (آذار) 2014 بعد تخرجي من الأكاديمية الفرنسية للتجميل».
وبسؤال السويدي عن تقييمها لوجود الشابات السعوديات في هذا المجال ومدى قدرتهن على منافسة خبيرات وخبراء التجميل المشاهير، قالت: «أصبح ظهور المرأة السعودية في مجال التجميل يلاحظ بشكل أكبر، ولكن الجودة والنوعية أساس لا يصله الجميع إلا بالاجتهاد».
وأضافت: «تلقيت الدورات في الأكاديمية الفرنسية لمدة أشهر، وكذلك KRYOLANk وMakeup for ever، وشخصيات مثل سكوت بارنز، وساين ريتشارد، وستيفين مرفي، وجوس براندر، ودانيل باركر، وجوي بيفان، وهيوين آهن، وجيما هورنر، وبول ميرشنت، فيما عملت الماكياج لآخرين من مشاهير الفن العربي، وكذلك الوجوه الإعلامية في بعض قنوات المنوعات والقنوات الإخبارية في العالم العربي».
أما نجلاء المنصور، وهي مصممة سعودية بدأت في عالم صناعة الأزياء منذ عام 2003 وكوّنت لها علامة «رينوف فاشن»، وكانت بداية انتشارها عن طريق تبادل السمعة بين السيدات في ذاك الحين - بحسب قولها - بالنظر لكون وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن موجودة في بداية الألفية الثانية، حتى قررت قبل فترة قصيرة دخول عالم الشبكات الاجتماعية، و«سناب تشاب» على وجه التحديد.
وعن هذه التجربة أوضحت «دخلت عالم الـ(سناب تشات) كي أعرض فيه أعمالي وأقدم دروسًا عن الموضة، والحمد لله لقيت إقبالا كبيرا عليه، فخلال أسبوعين وصل عدد المتابعين لما فوق 500 متابعة، وانتشر في أنحاء مختلفة من البلاد، وكثيرون لم يكونوا يعرفون أعمالي، لكن بالطبع فإن التواصل الاجتماعي، خصوصًا (سناب تشات)، له تأثير كبير على الانتشار ومساعدة سيدات الأعمال في توصيل أعمالهن بطريقة أسرع وأوضح وتبين فيه شغلهن وأعمالهن».
يأتي ذلك في حين يبلغ عدد مشاهدات «سناب تشات» نحو 6 مليارات مشاهدة يوميًا، بحسب تقرير نشرته صحيفة «فايننشيال تايمز» الشهر الماضي، وتحتل السعودية المركز الثامن عالميًا من حيث عدد الذين يستخدمونه، مؤكدة أنَّ الرقم تضاعف مرتين منذ أربعة أشهر فقط؛ إذ كان عدد المشاهدات فقط ملياري مشاهدة في مايو (أيار) من العام الحالي 2015.
وكان موقع (فورتشن) قد نشر - أخيرًا - بعض الأرقام الصادمة حول «سناب تشات»، منها مثلاً أنه يجري تحميل 8796 صورة في الثانية على التطبيق، وهذا يعني ضعف «فيسبوك» وعشرة أضعاف «إنستغرام»، ويحتاج المرء إلى 10 سنوات كاملة من أجل تصفح الصور المحمّلة على التطبيق في ساعة واحدة. يشار إلى أن «سناب تشات» هو تطبيق رسائل مصورة يمكن للمستخدمين التقاط الصور، وتسجيل الفيديو، وإضافة نص ورسومات، وإرسالها إلى قائمة من المتلقين. ومن المعروف أن هذه الصور ومقاطع الفيديو المرسلة على أنها «لقطات»، ويحدد المستخدمين مهلة زمنية لعرض لقطاتهم من ثانية واحدة إلى 10 ثوان، وبعد ذلك تكون مخفية من الجهاز المستلم وتحذف من الخوادم الخاصة بـ«سناب تشات».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)